1

بمختلف الألوان
إنَّ الفَضلَ في كتابِ اللهِ عَظيمٌ، واسِعٌ لا يُحَدُّ، فَقَد أغدَقَ اللهُ تَعالى على عِبادِهِ نِعَمًا ظاهِرَةً وباطِنَةً، مَنَحَهُمُ المالَ والبَنينَ، وأعلى شأنَهُم بالعِزَّةِ والكرامَةِ. وهذا الفَضلُ الإلهيُّ ليسَ مَحصُورًا في النِّعَمِ الدُّنيَوِيَّةِ فَحَسبُ، بَلْ يَتَجَلَّى بأسمَى... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
الآثار الوضعية للذنوب... الآثار الخاصة للمعاصي في الدنيا والآخرة (6)
عدد المقالات : 331
حسن الهاشمي
من الأمور التي يقر بها الدين والعقل والعلم وكذلك التجربة، بأن هنالك نتائجا وآثارا للعمل سواء كان صالحا أو سيئا، يجدها الانسان في الدنيا قبل الآخرة، كالزرع الذي يزرعه الفلاح، فإذا زرع حنظلا يجني حنظلا وإذا زرع وردا يجني وردا، ولابد من الانتباه بأن هنالك نتائج مختلفة ومتعددة قد يجدها المذنب جراء عمله، تارة تكون النتائج لأجل الامتحان، وأحيانا لأجل التكامل والرقي، وأخرى لأجل التنبيه، إلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة: 155.
توجد عشرات الآيات في القرآن الكريم تشير إلى آثار ونتائج الذنوب والمعاصي التي يرتكبها الإنسان دون أن ينتبه إلى عواقبها الوخيمة، فمن هذه الآيات قوله تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) البقرة: 59. وقال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ) الأنعام: 6. ومن جزاء الذنوب في الآخرة قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) الجن: 23.
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية: (فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) ابتداء من هذه الآية وما بعدها يشرع القرآن بعرض خطة تربوية مرحلية لإيقاظ عبدة الأصنام والمشركين تتناسب مع اختلاف الدوافع عند الفريقين، يبدأ أولا بمكافحة عامل (الغرور) وهو من عوامل الطغيان والعصيان والانحراف المهمة، فيذكرهم بالأمم السالفة ومصائرهم المؤلمة، وبذلك يحذر هؤلاء الذين غطت أبصارهم غشاوة الغرور، ويقول: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدارا، وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم، ولكنهم لما استمروا على طريق الطغيان، لم تستطع هذه الإمكانات إنقاذهم من العقاب الإلهي: فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين.
أفلا ينبغي أن يكون علمهم بمصائر الماضين عبرة لهم، توقظهم من نوم غفلتهم، ومن سكرتهم أليس الله الذي أهلك السابقين بقادر على أن يهلك هؤلاء أيضا
ليس هذا التحذير مختصا بعبدة الأصنام، فالقرآن يخاطب - أيضا - اليوم العالم الصناعي الثري الذي أثملته الإمكانات المادية وملأته بالغرور، ويحذره من نسيان الأقوام السابقة ومما حاق بهم نتيجة ما ارتكبوه من ذنوب، وكأني بالقرآن يقول للمغرورين في عالمنا اليوم: إنكم ستفقدون كل شيء بانطلاق شرارة حرب عالمية أخرى، لتعودوا إلى عصر ما قبل التمدن الصناعي اعلموا أن سبب تعاسة أولئك لم يكن شيئا سوى إثمهم وظلمهم واضطهادهم الناس وعدم إيمانهم وهذه عوامل ظاهرة في مجتمعكم أيضا.
حقا إن دراسة تاريخ فراعنة مصر، وملوك سبأ وسلاطين كلدة وآشور، وقياصرة الروم، ومعيشتهم الباذخة الأسطورية وما كانوا يتقلبون فيه من نعم لا تعد ولا تحصى، ثم رؤية عواقب أمورهم المؤلمة التي حاقت بهم بسبب ظلمهم الذي قوّض أركان حياتهم، فيها أعظم العبر والدروس. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٤ - ص ٢١٧.
ومن آثار الذنوب قساوة القلب، سلب النعمة، عدم استجابة الدعاء، الإلحاد والإنكار، قطع الرزق، الحرمان من صلاة الليل، عدم الأمن من الحوادث، انحباس المطر، الزلازل، ظهور أمراض وبلايا جديدة، الذلة والفضيحة، الهم والغم، تسلط الأشرار، خراب البيت، الغضب الإلهي، الندم، قصر العمر، الفقر، المرض، والروايات كثيرة في هذا الباب ولأجل الاختصار نشير إلى هذه الرواية، قال النبي الأعظم: (من استخف بصلاته ابتلاه الله بخمسة عشر بلاء: بقصر العمر، قلة الرزق، ذهاب سيماء الصالحين من وجهه، ذهاب الأعمال، عدم استجابة الدعاء، لا يشمله دعاء الصالحين، يموت ذليلا، يموت عطشانا وجوعانا، يعذب في قبره، يضيق عليه قبره، قبره يكون مظلما، يسحب على الأرض من قبل الملائكة على وجهه أمام الناس، يحاسب يوم القيامة حسابا شديدا، لا ينظر الله إليه، وله عذاب أليم) سفينة البحار للقمي، ج2 ص44.
فالمعصية لها جنبتان جنبة شخصية يتلقى تداعياتها الفرد بما هو فرد، وجنبة عامة يتلقى تبعاتها الفرد بما هو يعيش ضمن أسرته وعشيرته ومجتمعه، فالشر كما قيل في محله يعم والخير يخص، فإذا ترك أغلب الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهثوا وراء ملذاتهم وشرورهم وعصيانهم فإن الجميع يتلقون وبال أمرهم هذا، أي أن نار المعصية لا تلتهم الهشيم فحسب، بل أنها تلتهم الأخضر واليابس، ويولّى عليهم شرارهم فيدعون القلة من خيارهم فلا يستجاب لهم، فالقاعدة الكونية والعقلية التي صرّح بها الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) تؤكد ذلك: (كما تكونوا يولى عليكم) كنز العمال للمتقي الهندي: ٤٤١٦٦. ولهذا فإن الآيات الآنفة الذكر تخص بتبعاتها وآثارها المدمرة الماحقة الأقوام ومن خلالهم الأفراد الذين تمردوا على الأمر الإلهي واتبعوا أهواءهم خاصة، فيتلقون بطبيعة الحال وبال ما اقترفوه من عذاب ومسخ وابادة، وما ينتظرهم من خزي وعذاب أليم في الآخرة هو أشد وأعظم، وهو من تداعيات الذنوب التي لا محيص عنها إلا بالتوبة والإقلاع عنها في الحياة الدنيا.
أما ما يتلقاه الإنسان ضمن الآثار الخاصة وكما ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم، فإنها تبعات وآثار تصيب الفرد بما هو فرد من دون المساس بالآخرين الذين لا جريرة لهم بهذا الذنب، إنما صدر من العبد خاصة، لهذا فالآثار والمصائب والمتاعب تتوجه إليه بالذات، وهو يتماشى مع قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) فاطر: 18. فإن هذا النمط من المعصية إنما يكون من قبل الفرد، إما استهانة بالأحكام أو التشكيك بها وبجدوائيتها في تقويم السلوك واصلاح الذات، كما حال المشككين بما هو مكنون في صلاتنا اليومية، ولا غرابة من أن الذي يستهين بأمر هو في الأصل مشرّع لمصلحته أولا وأخيرا، فإن مثل هكذا شخص إذا ما نزلت به نوازل الفقر والمرض والذلة والخسة فلا يلومنّ إلا نفسه، وإن كان في سعة لبرهة من الزمن، فليعلم إن الله يمهل ولا يهمل، فإن الآثار الوضعية الصاعقة تأتي على حين غرة ولات حين مندم.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 7 ايام
2025/07/05م
حسن الهاشمي لكي نحافظ على قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا، ولكي نواكب التطوّر التكنلوجي في العالم الغربي، نحن بحاجة الى إيجاد صيغة متوازنة تُراعي المنهج العلمي الحديث الذي تعتمده الجامعات الغربية، مع الحفاظ على القيم والرؤية المعرفية الإسلامية، وأبرز محاور الموائمة: 1. في المناهج: الاستفادة من المنهج... المزيد
عدد المقالات : 331
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 اسبوع
2025/07/02م
الحُبُّ: نقيضُ البُغضِ والحُبُّ: الودادُ ،والمَحَبَّةُ اسمٌ للحبِّ،وحَبَّبَ إِلَيْهِ الأَمْرَ: جَعَلَهُ يُحِبُّه. وَهُم يَتَحابُّون: أَي يُحِبُّ بعضُهم بَعْضاً. وحَبَّ إليَّ هذا الشيء يحَبُّ حُبّاً، والحبُّ: الوِدادُ،والحَبِيبُ هو: المُحِبُّ(١) والحبُّ أيضا: هو ميلٌ قلبي إلی الإشخاص أو إلی... المزيد
عدد المقالات : 53
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 اسبوع
2025/07/02م
في زمنٍ أضحت فيه القراءة الطويلة ضرباً من الترف الفكري، وغدت الورقات المكدسة على رفوف المكتبات ذكرى يتنهد لها العشاق، يبرز "المرجع الإلكتروني للمعلوماتية" كواحةٍ للمعرفة، تجمع بين دقة الموسوعات العلمية وثراء المكتبات. لكن هذه الواحة ليست مجرد ملاذٍ للباحثين، بل ومن يبحث عن المعارف بدون جهد فيرى... المزيد
عدد المقالات : 77
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ اسبوعين
2025/06/30م
زيد علي كريم يتراءى لي ضريحك وكيف كانت تلك الليلة الحزينة التي تشفى جسد عليل أصابه ما أصابه من الآلام والأحزان، من وجد متلهفا للقائك ماذا فعلت به لكي يصبح أسير حبك راغبا ومتلهفا لحضرتك المعطرة .... أنتظرت حتى الفجر وأنا تحت قبتك وبين الحرمين مابينك وبين قطيع الكفين ، فذاك يسلم وذاك يهتف ياهلا بزوار... المزيد
عدد المقالات : 86
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/07/07م
مـن زفـيرِ اليُـتم أشعلتُ اللظى ... وارتـشفتُ الحزنَ جمراً يُلفظا فاحـتواني وجــعٌ مـِن حـافـرٍ ... يشتكي ظـُلـماً بـوجهي يُلحظـا حـَسبكم رمشي يواري دمعةً ... لو جراحُ الطفِ ماجتْ بالشظى او يـُدوّي بين عمري هائماً ... يستغيثُ الصمتَ شعراً يُقرظـا إنني مُــذ كـنتُ غِـرّاً يـافـعاً ... قــدَّ سهوي... المزيد
عدد المقالات : 29
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 اسبوع
2025/07/02م
كان جالسا وفي حضنه الطفل الملكوتيّ، وكنتُ جالسا أتأمل وجهيهما، ماهذا الجمع النورانيّ (محمد والحسين) أي صلواتٍ تفي بهذا اللقاء مازلتُ صامتا، مفعما بالمحبة، أنظرُ ولا أشبع، تُرى لماذا قلبي نهم لايعرف الاكتفاء لماذا روحي عطشی لاتصل الی الامتلاء الرسول الأعظم مازال يداعب صغيره، ومازلت أنا أجوب... المزيد
عدد المقالات : 53
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 اسبوع
2025/07/02م
في البيداء وردة كسيرة عطشى أحاطت بها ضاريات الفلا فلا معين لها يروى ولا ساقي لها يسقى وقفت حيرى ورمقت بناظرها رب السما رباه لا تكسر خاطر أمرأة ثكلى... صليل سيوف غدت مسموعة فأودت بحياة أخيها صرعى... رفع رأسه على الرمح فاعتلى... فأصبحت في خربة الغربى... أسيرة البلدان... ومن حواليها أطفال تبكى... كأني... المزيد
عدد المقالات : 86
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/06/22م
اليوم السبت، منذ الصغر وأنا لا أحب يوم السبت، إذ لم يكن عطلة، وكان يوما مدرسيا طويلا، ست حصص تمشي كسلحفاة عرجاء هذه المرة الأولی التي أنتظر فيها قدوم السبت لكنّ الساعةَ تسير حافية الأميال، تتعثر بالدقائق توسلتها أن تقهقه بوجهي، ولكن لاجدوی سلطة الزمن هي المتحكمة () جاء الصبح وتنفست المواعيد، يجب أن... المزيد
عدد المقالات : 53
علمية
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء العشرون: تأمل في دالة الموجة التي تعرف أكثر مما نعرفه الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 3/7/2025 في مقالات سابقة، اعتدنا أن نعتبر أن الدالة الموجية تصف نظامًا معينًا (وفي الواقع، جسيمًا منفردًا). لنفترض الآن أن... المزيد
تراجع صافي الاستثمارات الأجنبية في العراق لعام 2024 والربع الأول من 2025 أظهرت البيانات الصادرة عن البنك المركزي العراقي أن صافي الاستثمارات الأجنبية في العراق خلال عام 2024 سجل عجزًا قدره 8 مليارات دولار أمريكي، نتيجة خروج صافي استثمارات أجنبية... المزيد
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء التاسع عشر: حين لا تجيب الدالة الموجية عن السؤال كله الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 1/7/2025 في هذا المقال، سوف نسأل: هل سمحت لنا نظرية الكم فقط بحساب نتائج تجاربنا أم أنها أيضًا أجابت عن المشكلات العميقة التي... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
عظمة أهل البيت (عليهم السلام) وحدود القياس...
السيد رياض الفاضلي
2025/02/20م     
النخب والمفاهيم النمطية الموروثة
عبد الخالق الفلاح
2024/11/16م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/06/23
صدر عن قسمِ الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، دليلُ القصص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة عن الامام الحسن العسكري...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
2025/06/23
( تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com