1

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
الآثار الوضعية للذنوب... الآثار الخاصة للمعاصي في الدنيا والآخرة (6)
عدد المقالات : 343
حسن الهاشمي
من الأمور التي يقر بها الدين والعقل والعلم وكذلك التجربة، بأن هنالك نتائجا وآثارا للعمل سواء كان صالحا أو سيئا، يجدها الانسان في الدنيا قبل الآخرة، كالزرع الذي يزرعه الفلاح، فإذا زرع حنظلا يجني حنظلا وإذا زرع وردا يجني وردا، ولابد من الانتباه بأن هنالك نتائج مختلفة ومتعددة قد يجدها المذنب جراء عمله، تارة تكون النتائج لأجل الامتحان، وأحيانا لأجل التكامل والرقي، وأخرى لأجل التنبيه، إلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة: 155.
توجد عشرات الآيات في القرآن الكريم تشير إلى آثار ونتائج الذنوب والمعاصي التي يرتكبها الإنسان دون أن ينتبه إلى عواقبها الوخيمة، فمن هذه الآيات قوله تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) البقرة: 59. وقال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ) الأنعام: 6. ومن جزاء الذنوب في الآخرة قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) الجن: 23.
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية: (فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) ابتداء من هذه الآية وما بعدها يشرع القرآن بعرض خطة تربوية مرحلية لإيقاظ عبدة الأصنام والمشركين تتناسب مع اختلاف الدوافع عند الفريقين، يبدأ أولا بمكافحة عامل (الغرور) وهو من عوامل الطغيان والعصيان والانحراف المهمة، فيذكرهم بالأمم السالفة ومصائرهم المؤلمة، وبذلك يحذر هؤلاء الذين غطت أبصارهم غشاوة الغرور، ويقول: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدارا، وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم، ولكنهم لما استمروا على طريق الطغيان، لم تستطع هذه الإمكانات إنقاذهم من العقاب الإلهي: فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين.
أفلا ينبغي أن يكون علمهم بمصائر الماضين عبرة لهم، توقظهم من نوم غفلتهم، ومن سكرتهم أليس الله الذي أهلك السابقين بقادر على أن يهلك هؤلاء أيضا
ليس هذا التحذير مختصا بعبدة الأصنام، فالقرآن يخاطب - أيضا - اليوم العالم الصناعي الثري الذي أثملته الإمكانات المادية وملأته بالغرور، ويحذره من نسيان الأقوام السابقة ومما حاق بهم نتيجة ما ارتكبوه من ذنوب، وكأني بالقرآن يقول للمغرورين في عالمنا اليوم: إنكم ستفقدون كل شيء بانطلاق شرارة حرب عالمية أخرى، لتعودوا إلى عصر ما قبل التمدن الصناعي اعلموا أن سبب تعاسة أولئك لم يكن شيئا سوى إثمهم وظلمهم واضطهادهم الناس وعدم إيمانهم وهذه عوامل ظاهرة في مجتمعكم أيضا.
حقا إن دراسة تاريخ فراعنة مصر، وملوك سبأ وسلاطين كلدة وآشور، وقياصرة الروم، ومعيشتهم الباذخة الأسطورية وما كانوا يتقلبون فيه من نعم لا تعد ولا تحصى، ثم رؤية عواقب أمورهم المؤلمة التي حاقت بهم بسبب ظلمهم الذي قوّض أركان حياتهم، فيها أعظم العبر والدروس. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٤ - ص ٢١٧.
ومن آثار الذنوب قساوة القلب، سلب النعمة، عدم استجابة الدعاء، الإلحاد والإنكار، قطع الرزق، الحرمان من صلاة الليل، عدم الأمن من الحوادث، انحباس المطر، الزلازل، ظهور أمراض وبلايا جديدة، الذلة والفضيحة، الهم والغم، تسلط الأشرار، خراب البيت، الغضب الإلهي، الندم، قصر العمر، الفقر، المرض، والروايات كثيرة في هذا الباب ولأجل الاختصار نشير إلى هذه الرواية، قال النبي الأعظم: (من استخف بصلاته ابتلاه الله بخمسة عشر بلاء: بقصر العمر، قلة الرزق، ذهاب سيماء الصالحين من وجهه، ذهاب الأعمال، عدم استجابة الدعاء، لا يشمله دعاء الصالحين، يموت ذليلا، يموت عطشانا وجوعانا، يعذب في قبره، يضيق عليه قبره، قبره يكون مظلما، يسحب على الأرض من قبل الملائكة على وجهه أمام الناس، يحاسب يوم القيامة حسابا شديدا، لا ينظر الله إليه، وله عذاب أليم) سفينة البحار للقمي، ج2 ص44.
فالمعصية لها جنبتان جنبة شخصية يتلقى تداعياتها الفرد بما هو فرد، وجنبة عامة يتلقى تبعاتها الفرد بما هو يعيش ضمن أسرته وعشيرته ومجتمعه، فالشر كما قيل في محله يعم والخير يخص، فإذا ترك أغلب الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهثوا وراء ملذاتهم وشرورهم وعصيانهم فإن الجميع يتلقون وبال أمرهم هذا، أي أن نار المعصية لا تلتهم الهشيم فحسب، بل أنها تلتهم الأخضر واليابس، ويولّى عليهم شرارهم فيدعون القلة من خيارهم فلا يستجاب لهم، فالقاعدة الكونية والعقلية التي صرّح بها الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) تؤكد ذلك: (كما تكونوا يولى عليكم) كنز العمال للمتقي الهندي: ٤٤١٦٦. ولهذا فإن الآيات الآنفة الذكر تخص بتبعاتها وآثارها المدمرة الماحقة الأقوام ومن خلالهم الأفراد الذين تمردوا على الأمر الإلهي واتبعوا أهواءهم خاصة، فيتلقون بطبيعة الحال وبال ما اقترفوه من عذاب ومسخ وابادة، وما ينتظرهم من خزي وعذاب أليم في الآخرة هو أشد وأعظم، وهو من تداعيات الذنوب التي لا محيص عنها إلا بالتوبة والإقلاع عنها في الحياة الدنيا.
أما ما يتلقاه الإنسان ضمن الآثار الخاصة وكما ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم، فإنها تبعات وآثار تصيب الفرد بما هو فرد من دون المساس بالآخرين الذين لا جريرة لهم بهذا الذنب، إنما صدر من العبد خاصة، لهذا فالآثار والمصائب والمتاعب تتوجه إليه بالذات، وهو يتماشى مع قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) فاطر: 18. فإن هذا النمط من المعصية إنما يكون من قبل الفرد، إما استهانة بالأحكام أو التشكيك بها وبجدوائيتها في تقويم السلوك واصلاح الذات، كما حال المشككين بما هو مكنون في صلاتنا اليومية، ولا غرابة من أن الذي يستهين بأمر هو في الأصل مشرّع لمصلحته أولا وأخيرا، فإن مثل هكذا شخص إذا ما نزلت به نوازل الفقر والمرض والذلة والخسة فلا يلومنّ إلا نفسه، وإن كان في سعة لبرهة من الزمن، فليعلم إن الله يمهل ولا يهمل، فإن الآثار الوضعية الصاعقة تأتي على حين غرة ولات حين مندم.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 12 ساعة
2025/10/22م
لليوم اتذكر تلك اللحظات عند اول مرة اشارك بالانتخابات حيث كنت اشعر انني اقوم بفعل عظيم الروح الثورية تقودني نحو صناديق الانتخابات لاختار من يمثلني بكل حرية لست وحدي من شملني هذا الاحساس بل كانت الفرحة على وجوه كل الناس فهم يرسمون مستقبل العراق ويمكن ان نطلق عليها ثورة البنفسج رجال ونساء شيوخ وشباب... المزيد
عدد المقالات : 25
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 12 ساعة
2025/10/22م
️ دورها بعد سقوط الطاغية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.أمل الأسدي سنتتبع هنا حضور المرأة في المشهد الحياتي العام، وهي بذلك ستكون منتظمة بالصفتين التي حددناها سابقا(نساء الفطرة،النساء المتعلمات) فقد كانت المرأة العراقية هي الأم الصابرة، والمرأة الملاحقة بنيران الطـ،ائفية من... المزيد
عدد المقالات : 91
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 12 ساعة
2025/10/22م
حسن الهاشمي المقدمة: لولا هشاشة الأرض التي نقف عليها، ولولا الجهل الديني الذي يلف الكثير من شرائح مجتمعنا ولا سيما الشباب منهم، ولولا تقصير الطبقة المثقفة في إيصال الفكر النير الى القلوب الوالهة، ولولا عبث العابثين وزيف المتملقين وتربص المتربصين وحياكة المتزلفين، لما ترعرعت الحركات المنحرفة في... المزيد
عدد المقالات : 343
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 12 ساعة
2025/10/22م
في محاولة شخصية مني لتثقيف الأجيال الجديدة، جعلت من صفحتي على "فيسبوك" منبرًا لنشر فضائح حكم الطاغية صدام. لذلك، تجد في صفحتي منشورات يومية عن فضائح الطاغية صدام. ومع استمرار النشر حول أكاذيب وفضائح حكم صدام في العراق، أجد "البعض" يجادل ويرفض الحقائق المدعمة بوثائق تثبت سفاهة صدام، بل وسقوطه في بئر... المزيد
عدد المقالات : 25
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ كالشموس، بينما توارت في حنايا الظل أسماءٌ أُخر، لوّحتْ أقلامُها بمِدادٍ من لهيبٍ لا يقلُّ حممًا عن دماء السيوف في ساحات الوغى. أولئك كانوا حَمَلَةَ هَمِّ آل البيت الكرام، فكانت قصائدُهم صرخةَ حقٍّ تُردِّدُها... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان يعاني من فقرٍ شديد. رغم ذلك، لم يشكُ يومًا ولم يطلب من أحد، بل كان دائم التوكل على الله. في ليلةٍ شتويةٍ عاصفة، ضاعت ماشية أحد أغنياء القرية في الجبال. أرسل الرجل خدمه للبحث، لكنهم عادوا خائبين. حينها، تقدم هشام... المزيد
عدد المقالات : 12
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ وهموم وطنٍ مزقته رياحُ الظلم. إنه ليس مجرد شاعرٍ ينسج الكلمات، بل **مؤرِّخٌ للجرح** بصوته الشعبي الصادق، و**مناضلٌ بالكلمة** في ساحات المواجهة ضد الطغيان. فشعره **سيفٌ مصقول** من حقائق المعاناة، و**مرآةٌ عاكسة** لتاريخ... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه "يعقوب"، رجل عُرف يومًا بحكمته الراجحة ولسانه البليغ، لكنه اليوم بات شبحًا لمن كان. نشب خلاف بين تاجرين، وارتفعت الأصوات، فتوجهت الأنظار إلى يعقوب، الذي كان الحَكم في مثل هذه النزاعات. قال أحدهم: "يا يعقوب، احكم... المزيد
عدد المقالات : 12
علمية
منذ فجر التاريخ والإنسان يحاول فهم القوى التي تحرك الطبيعة وتسيّر الظواهر من حوله. فمشاهدة سقوط الأجسام، تدفق المياه، اشتعال النار أو دوران الكواكب، كلها طرحت سؤالًا جوهريًا: هل هناك مبدأ شامل يحكم التغيرات ويضمن أن ما يضيع في عملية ما يظهر في... المزيد
منذ تسمية الكادر التدريبي المحلي للمنتخب الاولمبي العراقي والاحباط واضح على الجماهير العراقية والتي كانت تنتظر تسمية مدرب اوربي بثقافة كروية حديثة كي يقوم بتطوير اللاعبين الشباب ليكونوا جاهزين لتمثيل المنتخب الوطني لاحقا لضمان حالة التجدد... المزيد
الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يعد من أعظم العلماء الذين جمعوا بين علوم الدين وعلوم الطبيعة فقد كان إمامًا في الفقه والتفسير والكلام والعقيدة لكنه في الوقت نفسه ترك بصمة عميقة في العلوم التطبيقية مثل الكيمياء والفيزياء والطب وقد شهد... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
علماء السنة يقولون ما أخذنا العطاء حتى...
عبد العباس الجياشي
2024/12/20م     
دور الجغرافية في حماية الغلاف الجوي من...
علي الفتلاوي
2025/08/12م     
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/09/29
صدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كتاباً توثيقياً حمل عنوان: (تاريخ السدانة في العتبة العباسية...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
2025/09/29
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com