قال الله عز من قائل عن قوم شعيب في سورة الشعراء في تفاصيل ذكرت قسم منها في سورتي الاعراف وهود "كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)" (الشعراء 176-183) اصحاب الايكة اي الذين انعم الله عليهم الارض ذات الاشجار الكثيفة التي تسمى الايكة وهم نفسهم اهل مدين قوم شعيب كما جاء ايضا في سورة ص "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ ۚ أُولَٰئِكَ الْأَحْزَابُ (13)" (ص 12-13)، والذين كذبوا رسل الله تعالى، حيث قال لهم نبي الله شعيب عليه السلام لا تعصوا الله ربكم بافعالكم فانا رسول رب العالمين امين على رسالته، فعليكم بطاعة الله وتقواه، ولا اطلب أجر على رسالتي منكم وانما احصل على الاجر من ربي وهو رب العالمين. فعليكم بايفاء الكيل للحاجيات التي يصعب وزنها والميزان للاشياء التي توزن، ولا تكونوا من المخسرين اي تقللوا من الاشياء التي تكال او توزن اي تسرقوا منها عند بيعكم اياها للناس كل الناس المؤمنين وغير المؤمنين، وان يكون ميزانكم دقيق جدا اي العادل بدقته او القسطاس المستقيم، ولا تبخسوا اي تقللوا او تسرقوا من الاشياء التي تكال او توزن عند بيعكم اياها للناس، فان حصل بخس اي سرقة فان ذلك نوع من الفساد في الارض، وهو اشد انواع الفساد لان كلمة تعثوا تحمل معنى الشدة "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" (الشعراء 183).
قال الرازي: لا تعثوا اي تتمادوا في الفساد في حالة إفسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه، والمقصود منه ما جرت العادة بين الناس من التشاجر والتنازع في الماء عند اشتداد الحاجة إليه، فكأنه تعالى قال: إن وقع التنازع بسبب ذلك الماء فلا تبالغوا في التنازع. وقد جاء ذكر الماء قبل ذلك في الآية نفسها: "قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ" (البقرة 60). وقال القرطبي: عث يعث في المضاعف: أفسد ومنه العثة وهي السوسة التي تلحس الصوف.
حصل اختلاف عند المفسرين هل ان اصحاب الايكة هم اهل مدين قوم شعيب ام قوم آخرين، فالبعض يبين انهم نفس القوم بقبيلتين احداهما تسكن في مدين والاخرى في غابات ذات اشجار عالية قرب مدين، ومفسرين قالوا انهما قبيلة واحدة يعملون في التجارة لان المكيال والميزان ورد لكليهما "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (الاعراف 85)، و "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ" (هود 84)، و "كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182)" (الشعراء 176-182)، ومفسرين بينوا ان شعيب من قوم مدين وليس من أصحاب الأية لوجود الأخ في آية مدين ولا يوجد أخ مع أصحاب الأيكة "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا" (الاعراف 85)، و "كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ" (الشعراء 176-177).
قتل النفس نوع من الفساد قال جلّ جلاله عن فرعون: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" (القصص 4). وفي رواية عن الإمام الرضا عليه السلام لمحمّد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله ذكر المفاسد المترتبة على جملة من الأفعال الّتي حرمها الله تعالى، فقال: (حرّم الله قتل النفس لعلة فساد الخلق في تحليله لو أحلّ، وفنائهم، وفساد التدبير، وحرّم الله تعالى الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنّفس، وذهاب الأنساب، وترك التربية للأطفال، وفساد المواريث، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد. وحرّم الله عزّ وجلّ قذف المحصنات لما فيه من فساد الأنساب، ونفي الولد، وإبطال المواريث، وترك التربية، وذهاب المعارف، وما فيه من الكبائر والعلل الّتي تؤدي إلى فساد الخلق).
تكملة للحلقة السابقة جاء في تفسير الامثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: والآية الأُخرى تؤكّد على نظامهم الإِقتصادي، فإذا كان شعيب قد نهى قومه عن قلّة البيع والبخس في المكيال، فهنا يدعوهم إِلى إِيفاء الحقوق والعدل والقسط حيث يقول: "وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ" (هود 85). ويجب أن يحكم هذا الأصل وهو اقامة القسط والعدل، وإِعطاء كل ذي حقّ حقه على مجتمعكم بأسره. ثمّ يخطو خطوة أوسع ويقول: "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ" (هود 85) والبخس ومعناه في اللغة التقليل، وجاء هنا بمعنى الظلم أيضاً. ويطلق على الأراضي المزروعة دون سقي إِنّها بخس لأنّ ماءها قليل، حيث تعتمد على ماء المطر فحسب، أو أنّ هذه الأراضي قليلة الإِنتاج بالنسبة إِلى الأراضي الزراعية الأُخرى. وإِذا توسعنا في معنى هذه الكلمة ومفهوم الجملة وجدناها دعوة إِلى رعاية جميع الحقوق الفردية والإِجتماعية ولجميع الملل والنحل، ويظهرُ «بخس الحق» في كل محيط وعصر وزمان بشكل معين حتى بالمساعدة دون عوض أحياناً، والتعاون وإِعطاء قرض معين (كما هي طريقة المستعمرين في عصرنا). ونجد في نهاية الآية أنّ شعيباً يخطو خطوةً أُخرى أوسع ويقول لقومه: "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" (هود 85). فالفساد يقع عن طريق البيع ويقع عن طريق غصب حقوق الناس والإِعتداء على حقوق الآخرين، والفساد أيضاً يقع في الإِخلال بالموازين والمقاييس الإِجتماعيّة، ويقع أيضاً ببخس الناس أشياءهم وأموالهم، وأخيراً يقع الفساد على الحيثيات بالإِعتداء على حرمتها وعلى النواميس وأرواح الناس. وجملة "وَلَا تَعْثَوْا" معناها لا تفسدوا بدلالة ذكر مفسدين بعدها لمزيد التوكيد على هذا الموضوع. إِنّ الآيتين المتقدمتين تعكسان هذه الواقعية بجلاء، وهي أنّه بعد الإِعتقاد بالتوحيد والنظر الفكري الصحيح، يُنظر إِلى الإِقتصاد السليم بأهمية خاصّة، كما تدلاّن على أنّ الإِخلال بالنظام الإِقتصادي سيكون أساساً للفساد الوسيع في المجتمع. ثمّ يخبرهم أنّ زيادة الثروة التي تصل إِلى أيديكم عن طريق الظلم واستثمار الآخرين ليست هي السبب في غناكم، بل ما يغنيكم هو "بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (هود 86).
حاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: ولا تعثوا أي: ولا تفسدوا ولا تطغوا. والعثي: شدة الفساد، يقال عثا يعثو عثوا، وعثى يعثي عثى، وعاث يعيث عيثا وعيوثا وعيثانا. قال رؤبة: (وعاث فينا مستحل عايث). جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى: "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" (الشعراء 183) البخس النقص في الوزن والتقدير كما أن الاخسار النقص في رأس المال. وظاهر السياق أن قوله: "وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ" (الشعراء 183) أي سلعهم وأمتعتهم قيد متمم لقوله: "وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ" (الشعراء 182) كما أن قوله: "وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ" (الشعراء 181) قيد متمم لقوله "أَوْفُوا الْكَيْلَ" (الشعراء 181) وقوله: "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" (الشعراء 183) تأكيد للنهيين جميعا أعني قوله: "وَلَا تُخْسِرُوا" (الرحمن 9) وقوله: "وَلَا تَبْخَسُوا" (الشعراء 183) وبيان لتبعة التطفيف السيئة المشومة. وقوله: "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" (الشعراء 183) العثي والعيث الافساد، فقوله: "مُفْسِدِينَ" حال مؤكد وقد تقدم في قصة شعيب من سورة هود وفي قوله: "وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" الآية 35 من سورة الإسراء كلام في كيفية إفساد التطفيف المجتمع الانساني.







وائل الوائلي
منذ 1 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN