حسن الهاشمي
إذا أردت رضا الله تعالى لا تكتفي بالنفقة الواجبة، بل تخطاها الى التوسعة على العيال.
لا تزال التوسعة على العيال ذلك النسيم المنعش الذي يغدو على الأزهار الندية فيفتّقها نظرة أخاذة ساحرة.
البَشَر يعني ما يعنيه البُشْر والصباحة والتفاؤل وجلب المنافع وردم الفظائع، واذا ما تخطى ذلك يوصم بكل شيء إلا تلك الثيمة المتألقة في قاموس الفرح والغبطة والحبور.
قبل الولوج في بحث التوسعة على العيال لابد من معرفة بعض المصطلحات التي تتوائم وتتداخل معها فنقول: ان النفقة الواجبة للزوج على الزوجة والأولاد وربما الأبوين ولاسيما في حالتي الكبر والمرض والعوز ـ عبارة عمّا يحتاجون إليه بشكل متعارف؛ من طعام وما يتطلبه، وملابس، ومسكن، ومصاريف علاج الأمراض المتعارفة، ولوازم التنظيف، وغيرها، وذلك بالمقدار والنوعية المتعارفة التي تناسب أمثالهم في اطار امكانية الرجل بعد السعي لطلب الكسب الحلال.
بقي أن نعرف إن عيال الرجل هم أهل بيته الذين يسكنون معه وينفق عليهم كأبويه وامرأته وأولاده، والمفرد عيل، وعيال المرء هم الأشخاص الذين يعيلهم ويلبي احتياجاتهم فهو معيل، وقد يدخل الخادم والمُتبنى في الإعالة من هذه الجهة، وهذه الدائرة ومن ضمنهم الأبوان الكبيران في السن هم في حقيقة الأمر أسراء بيد الرجل، بحاجة الى رعاية وتوجه واهتمام وتواصل، واذا ما كان التعامل معهم على هذا الأساس فانه يؤسس الى نمطية راقية في التعامل الأسري ومنه الى التعامل المجتمعي السعيد.
الاسلام لم يكتف بالنفقة الواجبة فحسب، بل طلب من الرجل في حال اليسر والرزق الوافر والرخاء أن يوسع على عياله بالرفاهية ومستلزمات الراحة والسفر والزيارة وحتى الترفيه؛ لتفريج الهم والغم الذي عادة ما يسود العائلة في حياتهم الروتينية الرتيبة، والسفر بين الفينة والأخرى يضخ في الانسان حالة من الحيوية والنشاط وتجديد الهمم ليعاود نشاطه في الحياة وهو بأفضل حالاته من الاندفاع واستئناف العمل بروحية جديدة بعد ان يقضي على الرتابة والخمود والجمود ولو لفترات معينة من حياته اليومية.
وشائج المحبة والتآلف والتوادد هي دائما حاضرة بين أفراد الأسرة المسلمة، العشرة بالمعروف تتطلب من الزوج والزوجة ان يتبادلا الكلمات الجميلة والعبارات الرقيقة لكي تنعكس تلك العلاقة الحميمة على سائر افراد العائلة، ما أجمل تلك العبارات اذا ما تداولتها عائلة ما: حبيبي، حياتي، عمري، عزيزي، وردتي، فإنها بالإضافة الى نزولها كنسيم منعش على قلوب والهة، فإنها تضفي على العلاقات الأسرية نسيم المحبة والتآلف والايثار وتبعد عنهم شبح التشرذم والكدورة والأوهام.
أهم خصلة في قوام الاسرة الناجحة هي الصراحة والثقة المتبادلة بين أفرادها، فالرجل في حالة اليسر والغنى ينبغي عليه أن يوسع على عياله ولم يكتف بالنفقة الواجبة، ايمانا منه بحقها في العيش الكريم والترفيه السليم ضمن الأطر الشرعية والعقلية والعرفية، واذعانا منه أن الأموال التي بحوزته انما هو مستخلف فيها وليس بمالك لها، وان الله تعالى ينظر إلى ما استخلفه فيه كيف يتصرف به وعلى من ينفقه وهل يؤدي ما عليه من حقوق ازاء السائل والمحروم.
كم ستجلب الفرحة على وجوه العائلة اذا ما أظهر الرجل النعمة بالتوسعة على العيال وكم ستجلب النقمة من العائلة حيال الرجل اذا ما تكتّم على النعمة ولم يرحم اسراءه الذين تحت جناحه وسلطته وخيمته ربما يتمنون موته وهم يرون كيف ان الله تعالى رزقه وهو قد احجم عنهم وكيف انه قد زيد في النعمة وهو قد أنقص أسراءه الذين تحت سطوته في التضييق عليهم وهذا ما حذر الامام الكاظم (عليه السلام) من الوقوع في شراكه حينما قال: (ينبغي للرجل أن يوسع على عياله لئلا يتمنوا موته وتلا هذه الآية "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" قال: الأسير عيال الرجل ينبغي إذا زيد في النعمة أن يزيد أسراءه في السعة عليهم) الانسان: ٧٦ / الكافي للكليني ٢: ١١ / ٣.
ما أرأف الاسلام وما أكثره عطفا على الانسانية ولاسيما الطبقات الضعيفة منه البعض يوغل نفسه في الملذات والمأكولات والمشروبات دونما يفكّر بعائلته وأطفاله ومن يعول داخل بيته، الويل لهكذا أشخاص من عاقبة أمرهم وما ينتظرهم يوم القيامة أخزى وأعظم وأذل، هم في حقيقة الأمر في قمة البخل والأنانية يصرفون ما بحوزتهم من أموال على حالاتهم الشخصية ونزواتهم الشيطانية ورغباتهم الحيوانية دون النظر الى الأسراء الضعفاء الذين ربما يتلظون جوعا ويأنون من العوز والفاقة والفقر، فأولئك يحتطبون على ظهورهم وزر ما قست عليه قلوبهم من الذنوب العظام والآثام المروعة التي تمحقهم في الدنيا وفي الآخرة تجعلهم من المنسيين الخاسرين أعمالا ومآلا، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعوله) الكافي للكليني ٤: ١١ / ٢.
وطالما حذر الاسلام من الوقوع في شراك البخل، ورغب في التوسعة على العيال واعتبرها أعظم حتى من عتق نسمة في سبيل الله، حتى لو كانت تلك التوسعة بلحم يشتريه أو فاكهة يقتنيها أو ثوب يبتاعه لانزال الفرحة على قلوبهم، قال علي بن الحسين (عليه السلام): (لئن أدخل السوق ومعي درهم أبتاع به لحما لعيالي وقد قرموا (شدة شهوة اللحم) إليه أحب إلي من أن أعتق نسمة) الكافي ٤: ١٢ / ١٠.
ان الله تعالى أكرم الأكرمين لا يزيده كثرة العطاء إلا جودا وكرما، وهذا ما يميّزه عن سائر الملوك والأثرياء من عباده، إذ أنهم كلما يعطون ويبذلون كلما تنقص من ثروتهم وخزائنهم إلا اذا اندكوا في آداب الله وكان عطاؤهم بعين الله لا يريدون بذلك منّا ولا أذى ولا رياء ولا شكورا، فانهم وقتئذ تعصف رياح البركة والتوفيق والزيادة والنماء على أموالهم وأنفسهم وأهليهم، يؤكد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذه الحقيقة بقوله: (إن المؤمن يأخذ بآداب الله، إذا وسع الله عليه اتسع، وإذا أمسك عنه أمسك) الكافي للكليني ٤: ١٢ / 12.
وهكذا ان الله تعالى أسخى الأسخياء يحب الأسخياء وينمّي أموالهم ويوسّع عليهم أرزاقهم، وفي المقابل يمقت البخلاء ويمحق أموالهم ويمسك عليهم أرزاقهم، وان الرجل الذي يوسّع الله عليه ينبغي أن يتحلى بالشكر والتوسعة على العيال لا أن يقصّر في شؤونهم الحياتية، وإذا أمسك الله تعالى عليه لعلة او امتحان او ابتلاء ينبغي أن يستمسك بعروة الصبر والتقى والايمان، عسى الله ان يرحمه ويكون في خانة (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر: 10.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN