أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/التوحيد/صفات الله تعالى/الإمام علي عليه السلام
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون،
ولا يحصي نعمه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون،
الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود،
ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح
برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه، أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به،
وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الاخلاص له، وكمال الاخلاص له نفي الصفات
عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف
الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزاه، ومن جزاه فقد جهله،
ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال: فيم فقد ضمنه، ومن قال: علام
؟ فقد أخلا منه، كائن لاعن حدث، موجود لاعن عدم، مع كل شئ لا بمقارنة، وغير كل شئ لا
بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد
إذ لاسكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده، أنشأ الخلق إنشاءا وابتدأه
ابتداءا بلا روية أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة
نفس اضطرب فيها، أجل الاشياء لاوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها
أشباحها، عالما بها قبل ابتدائها، محيطا بحدودها وانتهائها، عارفا بقرائنها
وأحنائها.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة
اخرى:
لا يشمل بحد، ولا يحسب بعد، وإنما تحد الادوات
أنفسها، وتشير الآلات إلى نظائرها، منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الازلية، وجنبتها
لو لا التكملة، بها تجلى صانعها للعقول، وبها امتنع من نظر العيون، لا تجري عليه الحركة
والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أحراه ؟ ويعود فيه ما هو أبداه ؟ ويحدث
فيه ما هو أحدثه ؟ إذا لتفاوتت ذاته، ولجز أكنهه، ولامتنع من الازل معناه، ولكان
له وراء إذا وجد له أمام، ولالتمس التمام إذا لزمه النقصان، وإذا لقامت آية الممنوع
فيه، ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر
فيه ما في غيره، الذي لا يحول ولا يزول، ولا يجوز عليه الافول، لم يلد فيكون
مولودا، ولم يولد فيصير محدودا، جل عن اتخاذ الابناء، وطهر عن ملامسة النساء، لا تناله
الاوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسه، ولا تلمسه
الايدي فتمسه، ولا يتغير بحال، ولا يتبدل بالأحوال، ولا تبليه الليالي والايام،
ولا يغيره الضياء والظلام، ولا يوصف بشئ من الاجزاء، ولا بالجوارح والاعضاء،
ولا بعرض من الاعراض، ولا بالغيرية والابعاض، ولا يقال: له حد ولانهاية، ولا
انقطاع ولا غاية، ولا أن الاشياء تحويه فتقله أو تهويه، ولا أن الاشياء تحمله فيميله
أو يعد له، ليس في الاشياء بوالج ولاعنها بخارج، يخبر لا بلسان و لهوات، ويسمع
لا بخروق وأدوات، يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير
رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة، يقول لما أراد كونه: "
كن " فيكون، لا بصوت يقرع، ولا نداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه،
و مثله لم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان
قديما لكان إلها ثانيا، لا يقال له: كان بعد أن لم
يكن فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون بينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل
فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ المبتدع والبديع، خلق الخلائق من غير مثال خلا من
غيره، ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه، وأنشأ الارض فأمسكهم من غير اشتغال،
وأرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوائم، وربعها بغير دعائم، وحصنها من الاود
والاعوجاج، ومنعها من التهافت والانفراج، أرسى أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض
عيونها، وخذ أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه، وهو الظاهر عليها
بسلطانه وعظمته، والباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شئ منها بجلاله
وعزته، لا يعجزه شئ منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها
فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذى مال فيرزقه، خضعت الاشياء له فذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع
الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤ له فيكافيه ولا نظير له فيساويه،
هو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد
ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها كيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها
وما كان من مراحها وسائمها وأصناف أسناخها وأجناسها، ومتبلدة أممها وأكياسها
على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها، ولتحيرت
عقولها في علم ذلك وتاهت وعجزت قواها، وتناهت ورجعت خاسئة ؟ سيرة عارفة بأنها
مقهورة، مقرة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضعف عن إفنائها وأنه يعود سبحانه بعد
فناء الدنيا وحده لا شئ معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا
مكان ولاحين ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والاوقات، وزالت السنون و الساعات، فلا
شئ إلا الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الامور، بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها،
وبغير امتناع منها كان فناؤها، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها، لم يتكاءده
صنع شئ منها إذ صنعه، ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه، ولم يكونها لتشديد سلطان،
ولا لخوف من زوال ونقصان، ولا للاستعانة بها على ند ؟ كاثر، ولا للاحتراز بها
من ضد مشاور، ولا للازدياد بها في ملكه، ولا لمكاثرة شريك في شركه، ولا لوحشة كانت
منه فأراد أن يستأنس إليها، ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها
وتدبيرها، ولا لراحة واصلة إليه، ولا لثقل شئ منها عليه، لا يمله طول بقائها فيدعوه
إلى سرعة إفنائها، لكنه سبحانه دبرها بلطفه، وأمسكها بأمره، وأتقنها بقدرته، ثم يعيدها
بعد الفناء من غير حاجة منه إليها، ولا استعانة بشئ منها عليها، ولا لانصراف
من حال وحشة إلى حال استيناس، ولا من حال جهل وعمى إلى حال علم و التماس، ولا
من فقر وحاجة إلى غنى وكثرة، ولا من ذل وضعة إلى عز وقدرة.
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
المصدر : بحار الأنوار
الجزء والصفحة : جزء 4 / صفحة [ 247 و 254 ]