أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/التوحيد/صفات الله تعالى/الإمام علي عليه السلام
حدثنا أبو العباس
محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضوان الله عليه، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن
بن علي العدوي، قال: حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني، قال: حدثني علي بن موسى
الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر ابن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه
علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه
السلام الناس في مسجد الكوفة فقال:
الحمد لله الذي لا من شئ كان، ولا من شئ
كون ما قد كان، المستشهد بحدوث الاشياء على
أزليته، وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها
إليه من الفناء على دوامه، لم يخل منه مكان
فيدرك بأينية، ولا له شبح مثال فيوصف بكيفية، ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثية مبائن لجميع
ما أحدث في الصفات، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات، وخارج بالكبرياء
والعظمة من جميع تصرف الحالات، محرم على بوارع ناقبات الفطن تحديده، وعلى عوامق
ثاقبات الفكر تكييفه، وعلى غوائص سابحات النظر تصويره، لا تحويه الأماكن لعظمته،
ولا تذرعه المقادير لجلاله، ولا تقطعه المقائيس لكبريائه، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه،
وعن الافهام أن تستغرقه، وعن الاذهان أن تمتثله، وقد يئست من استنباط الاحاطة
به طوامح العقول، ونضبت عن الاشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم، ورجعت بالصغر
عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم، واحد لا من عدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد،
وليس بجنس فتعادله الاجناس، ولا بشبح فتضارعه الاشباح، ولا كالأشياء فتقع عليه
الصفات، قد ضلت العقول في أمواج تيار إدراكه، وتحيرت الاوهام عن إحاطة ذكر أزليته،
وحصرت الافهام عن استشعار وصف قدرته، وغرقت الاذهان في لجج أفلاك ملكوته، مقتدر
بالآلاء، وممتنع بالكبرياء، ومتملك على الاشياء، فلا دهر يخلقه، ولا وصف يحيط به،
قد خضعت له رواتب الصعاب في محل تخوم قرارها، واذعنت له رواصن الاسباب في منتهى شواهق
أقطارها، مستشهد بكلية الاجناس على ربوبيته، وبعجزها على قدرته، وبفطورها على قدمته،
وبزوالها على بقائه، فلالها محيص عن إدراكه إياها، ولا خروج من إحاطته بها، ولا
احتجاب عن إحصائه لها، ولا امتناع من قدرته عليها، كفى بإتقان الصنع لها آية، وبمركب
الطبع عليها دلالة، وبحدوث الفطر عليها قدمة، وبأحكام الصنعة لها عبرة، فلا إليه
حد منسوب، ولا له مثل مضروب، ولا شئ عنه بمحجوب، تعالى عن ضرب الامثال والصفات المخلوقة
علوا كبيرا، وأشهد أن لا إله إلا هو إيمانا بربوبيته، وخلافا على من أنكره،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المقر في خير مستقر، المتناسخ من أكارم الاصلاب
ومطهرات الارحام، المخرج من أكرم المعادن محتدا، وأفضل المنابت منبتا، من أمنع
ذروة و أعز أرومة، من الشجرة التي صاغ الله منها
أنبياءه، وانتجب منها امناءه، الطيبة العود،
المعتدلة العمود، الباسقة الفروع، الناضرة الغصون، اليانعة الثمار، الكريمة
الحشا، في كرم غرست، وفي حرم أنبتت، وفيه تشعبت وأثمرت وعزت وامتنعت
فسمت به وشمخت حتى أكرمه الله عزوجل بالروح الامين، والنور المنير، والكتاب المستبين،
وسخر له البراق، وصافحته الملائكة، وأرعب به الابالس، وهدم به الاصنام والآلهة
المعبودة دونه، سنته الرشد، وسيرته العدل، وحكمه الحق، صدع بما أمره ربه، وبلغ
ما حمله، حتى أفصح بالتوحيد دعوته، وأظهر في الخلق أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، حتى خلصت الوحدانية، وصفت الربوبية، وأظهر الله بالتوحيد حجته، وأعلي بالإسلام
درجته، واختار الله عزوجل لنبيه ما عنده من الروح والدرجة والوسيلة، صلى الله
عليه وعلى اله الطاهرين.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 4 / صفحة [ 221 ]
تاريخ النشر : 2023-12-15