أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/التوحيد/اثبات وجود الله تعالى ووحدانيته/الإمام الصادق عليه السلام
الدقاق، عن الكليني
بإسناده رفع الحديث: أن ابن أبي العوجاء حين كلمه أبو عبد الله عليه السلام عاد إليه في
اليوم الثاني فجلس وهو ساكت لا ينطق، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كأنك جئت
تعيد بعض ما كنا فيه ؟ فقال: أردت ذاك يا ابن رسول الله، فقال أبو عبد الله عليه
السلام: ما أعجب هذا تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله ! فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له
العالم عليه السلام: فما يمنعك من الكلام ؟ قال: إجلالا لك ومهابة ما ينطق لساني بين
يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما
تداخلني من هيبتك. قال: يكون ذلك ولكن أفتح عليك بسؤال وأقبل عليه، فقال له: أمصنوع
أنت أو غير مصنوع ؟ فقال عبد الكريم بن أبي العوجاء: بل أنا غير مصنوع، فقال له
العالم عليه السلام: فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون ؟ فبقي عبد الكريم مليا لا
يحير جوابا، وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول: طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن،
كل ذلك صفة خلقه، فقال له العالم عليه السلام: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها
فاجعل نفسك مصنوعا لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الامور، فقال له عبد الكريم:
سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال
له أبو عبد الله عليه السلام: هبك علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل
فيما بعد ؟ على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك لانك تزعم أن الاشياء من الاول سواء،
فكيف قدمت وأخرت ؟ ثم: قال: يا عبد الكريم أزيدك وضوحا، أرأيت لو كان معك كيس فيه
جواهر فقال لك قائل: هل في الكيس دينار ؟ فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال
لك قائل: صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته هل كان لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس
وأنت لا تعلم ؟ قال: لا، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فالعالم أكبر وأطول وأعرض
من الكيس فلعل في العالم صنعة من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة، فانقطع
عبد الكريم وأجاب إلى الاسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض، فعاد في اليوم الثالث فقال:
اقلب السؤال ؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام: اسأل عما شئت، فقال: ما الدليل على
حدث الاجسام ؟ فقال: إني ما وجدت شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا وإذا ضم إليه مثله
صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الاولى، ولو كان قديما ما زال ولا حال،
لان الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي
كونه في الازل دخوله في القدم، ولن تجتمع صفة الازل والحدوث، والقدم والعدم في شئ واحد، فقال عبد الكريم:
هبك علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت على حدوثها فلو
بقيت الاشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدثها ؟ فقال العالم عليه السلام:
إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع، فلو رفعناه و وضعنا عالما آخر كان لا شئ أدل
على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره، ولكن أجبتك من حيث قدرت أن تلزمنا ونقول
: إن الاشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ما ضم شئ إلى مثله كان
أكبر، وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم كما بان في تغييره دخوله في الحدث
ليس لك وراءه شئ يا عبد الكريم، فانقطع وخزى. فلما أن كان من العام القابل التقى
معه في الحرم فقال له بعض شيعته: إن ابن أبي العوجاء قد أسلم، فقال العالم عليه
السلام: هو أعمى من ذلك لا يسلم، فلما بصر بالعالم قال: سيدي ومولاي، فقال له العالم:
ما جاء بك إلى هذا الموضع ؟ فقال: عادة الجسد، وسنة البلد. ولنبصر ما الناس
فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة، فقال له العالم: أنت بعد على عتوك وضلالك يا
عبد الكريم، فذهب يتكلم فقال له: لا جدال في الحج، ونفض رداءه من يده وقال: إن
يكن الامر كما تقول - وليس كما تقول - نجونا ونجوت، وإن يكن الامر كما نقول - وهو كما
نقول - نجونا وهلكت، فأقبل عبد الكريم على من معه فقال: وجدت في قلبي حرارة فردوني،
فردوه ومات، لا رحمه الله.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 3 / صفحة [ 45 ]
تاريخ النشر : 2023-11-25