أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/مواضيع متفرقة
من كتاب أحمد بن
محمد الطبري المعروف بالخليلي ، عن أحمد بن محمد بن ثعلبة الخماني [ الحماني ] ،
عن مخول بن إبراهيم ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال ابن عباس : كنت أتتبع غضب أمير
المؤمنين عليه السلام إذا ذكر شيئا أو هاجه خبر ، فلما كان ذات يوم كتب إليه بعض
شيعته من الشام يذكر في كتابه أن معاوية وعمرو بن العاص وعتبة بن أبي سفيان
والوليد بن عقبة ومروان اجتمعوا عند معاوية فذكروا أمير المؤمنين فعابوه وألقوا في
أفواه الناس أنه ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ويذكر كل واحد منهم
ما هو أهله ، وذلك لما أمر أصحابه بالانتظار له بالنخيلة فدخلوا الكوفة فتركوه ،
فغلظ ذلك عليه وجاء هذا الخبر فأتيته بابه في الليل ، فقلت : يا قنبر! أي شيء خبر
أمير المؤمنين؟ قال : هو نائم ، فسمع كلامي.
فقال (ع) : من
هذا؟ قال : ابن عباس يا أمير المؤمنين.
قال : ادخل!
فدخلت ، فإذا هو قاعد ناحية عن فراشه في ثوب جالس كهيئة المهموم ، فقلت : ما لك يا
أمير المؤمنين الليلة؟.
فقال : ويحك يا
ابن عباس! وكيف تنام عينا قلب مشغول ، يا ابن عباس! ملك جوارحك قلبك فإذا أرهبه
أمر طار النوم عنه ، ها أنا ذا كما ترى مذ أول الليل اعتراني الفكر والسهر لما
تقدم من نقض عهد أول هذه الأمة المقدر عليها نقض عهدها ، إن رسول الله صلى الله عليه
وآله أمر من أمر من أصحابه بالسلام علي في حياته بإمرة المؤمنين فكنت أؤكد أن
أكون كذلك بعد وفاته.
يا ابن عباس!
أنا أولى الناس بالناس بعده ولكن أمور اجتمعت على رغبة الناس في الدنيا وأمرها
ونهيها وصرف قلوب أهلها عني ، وأصل ذلك ما قال الله تعالى في كتابه : ( أَمْ
يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ
إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ) ، فلو لم
يكن ثواب ولا عقاب لكان بتبليغ الرسول صلى الله عليه وآله فرض على الناس اتباعه
، والله عز وجل يقول : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ
فَانْتَهُوا ) ، أتراهم نهوا عني فأطاعوه ! والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وغدا بروح
أبي القاسم صلى الله عليه وآله إلى الجنة لقد قرنت برسول الله صلى الله عليه وآله
حيث يقول عز وجل : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ
الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، ولقد طال ـ يا ابن عباس ـ فكري وهمي
وتجرعي غصة بعد غصة لأمر أو قوم على معاصي الله وحاجتهم إلي في حكم الحلال والحرام
حتى إذا أتاهم من الدنيا أظهروا الغنى عني ، كأن لم يسمعوا الله عز وجل يقول : (
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ
الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ )، ولقد علموا أنهم احتاجوا إلي ولقد غنيت
عنهم ( أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) فمضى من مضى قال علي بضغن القلوب وأورثها
الحقد علي ، وما ذاك إلا من أجل طاعته في قتل الأقارب مشركين فامتلوا غيظا
واعتراضا ، ولو صبروا في ذات الله لكان خيرا لهم ، قال الله عز وجل : ( لا تَجِدُ
قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ ) فأبطنوا من ترك الرضا بأمر الله ، ما أورثهم النفاق! ، وألزمهم بقلة
الرضا الشقاء! وقال الله عز وجل : ( فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ
لَهُمْ عَدًّا ) فالآن ـ يا ابن عباس ـ قرنت بابن آكلة الأكباد وعمرو وعتبة
والوليد ومروان وأتباعهم ، فمتى اختلج في صدري وألقي في روعي أن الأمر ينقاد إلى
دنيا يكون هؤلاء فيها رؤساء يطاعون فهم في ذكر أولياء الرحمن يثلبونهم ويرمونهم
بعظائم الأمور من أنك [ إفك ] مختلف ، وحقد قد سبق وقد علم المستحفظون ممن بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
أن عامة أعدائي ممن أجاب الشيطان علي وزهد الناس في ، وأطاع هواه فيما يضره في
آخرته وبالله عز وجل الغنى ، وهو الموفق للرشاد والسداد.
يا ابن عباس!
ويل لمن ظلمني ، ودفع حقي ، وأذهب عظيم منزلتي ، أين كانوا أولئك وأنا أصلي مع
رسول الله صلى الله عليه وآله صغيرا لم يكتب علي صلاة وهم عبدة الأوثان ، وعصاة
الرحمن ، وبهم توقد النيران؟! فلما قرب إصعار الخدود ، وإتعاس الجدود ، أسلموا
كرها ، وأبطنوا غير ما أظهروا ، طمعا في ( أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) وتربصوا
انقضاء أمر الرسول وفناء مدته ، لما أطمعوا أنفسهم في قتله ، ومشورتهم في دار
ندوتهم ، قال الله عز وجل : ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ
الْماكِرِينَ ) ، وقال : ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ
وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) ( وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).
يا ابن عباس!
ندبهم رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته بوحي من الله يأمرهم بموالاتي ،
فحمل القوم ما حملهم مما حقد على أبينا آدم من حسد اللعين له ، فخرج من روح الله
ورضوانه، وألزم اللعنة لحسده لولي الله ،
وما ذاك بضاري إن شاء الله شيئا.
يا ابن عباس!
أراد كل امرئ أن يكون رأسا مطاعا يميل إليه الدنيا وإلى أقاربه فحمله هواه ولذة دنياه واتباع الناس إليه أن يغصب ما جعل لي ،
ولو لا اتقاي على الثقل الأصغر أن ينبذ فينقطع شجرة العلم وزهرة الدنيا وحبل الله
المتين ، وحصنه الأمين ، ولد رسول رب العالمين لكان طلب الموت والخروج إلى الله عز
وجل ألذ عندي من شربة ظمآن ونوم وسنان ، ولكني صبرت وفي الصدر بلابل ، وفي النفس
وساوس ، ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ) ، ولقديما
ظلم الأنبياء ، وقتل الأولياء قديما في الأمم الماضية والقرون الخالية (
فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) ، وبالله أحلف ـ يا ابن عباس ـ
إنه كما فتح بنا يختم بنا ، وما أقول لك إلا حقا.
يا ابن عباس! إن
الظلم يتسق لهذه الأمة ويطول الظلم ، ويظهر الفسق ، وتعلو كلمة الظالمين ، ولقد
أخذ الله على أولياء الدين أن لا يقاروا أعداءه ، بذلك أمر الله في كتابه على لسان
الصادق رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ( تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ).
يا ابن عباس!
ذهب الأنبياء فلا ترى نبيا ، والأوصياء ورثتهم ، عنهم أخذوا علم الكتاب ، وتحقيق
الأسباب ، قال الله عز وجل : ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ
آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) ، فلا يزال الرسول باقيا ما نفدت [ ما نفذت ]
أحكامه ، وعمل بسنته ، وداروا حول أمره ونهيه ، وبالله أحلف ـ يا ابن عباس لقد نبذ
الكتاب ، وترك قول الرسول إلا ما لا يطيقون تركه من حلال وحرام ، ولم
يصبروا على كل
أمر نبيهم : ( وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ
الْعالِمُونَ ) ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ
إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ ) ، فبيننا وبينهم المرجع إلى الله : ( وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ).
يا ابن عباس!
عامل الله في سره وعلانيته تكن من الفائزين ، ودع من ( اتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ
أَمْرُهُ فُرُطاً ) ، ويحسب معاوية ما عمل وما يعمل به من بعده ، وليمده ابن العاص
في غيه ، فكأن عمره قد انقضى ، وكيده قد هوى ، وسيعلم الكافر ( لِمَنْ عُقْبَى
الدَّارِ ).
وأذن المؤذن
فقال : الصلاة! يا ابن عباس لا تفت ، أستغفر الله لي ولك و ( حَسْبُنَا اللهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال ابن عباس :
فغمني انقطاع الليل وتلهفت على ذهابه.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 29 / صفحة [ 563 ]
تاريخ النشر : 2025-08-06