أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/إمامة الائمة الاثني عشر عليهم السلام/إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام/الامام الصادق عليه السلام
القطان ، عن
محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسني ، عن محمد بن حفص الخثعمي، عن الحسن بن عبد
الواحد ، عن أحمد بن محمد الثعلبي ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن حفص بن منصور ، عن
أبي سعيد الوراق ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ـ عليهم السلام
قال : لما كان من أمر
أبي بكر ـ وبيعة الناس له ، وفعلهم بعلي بن أبي طالب عليه السلام ـ ما كان ، لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط
ويرى منه انقباضا ، فكبر ذلك على أبي بكر ، فأحب لقاءه واستخراج ما عنده ،
والمعذرة إليه مما اجتمع الناس عليه ، وتقليدهم إياه أمر الأمة وقلة رغبته في ذلك
وزهده فيه.
أتاه في وقت
غفلة وطلب منه الخلوة ، وقال له : والله يا أبا الحسن ما كان هذا الأمر مواطاة مني
، ولا رغبة فيما وقعت فيه ، ولا حرصا عليه ، ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأمة
، ولا قوة لي بمال ، ولا كثرة العشيرة ، ولا استئثار به دون غيري ، فما لك تضمر
علي ما لم أستحقه منك ، وتظهر لي الكراهة فيما صرت إليه ، وتنظر إلي بعين السآمة
مني؟!
قال : فقال له
عليه السلام : فما حملك عليه إذ لم ترغب
فيه ، ولا حرصت عليه ، ولا وثقت بنفسك في القيام به وبما يحتاج منك فيه؟!
فقال أبو بكر :
حديث سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : إن الله لا يجمع أمتي على
ضلال ، ولما رأيت اجتماعهم اتبعت حديث النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وأحلت أن
يكون اجتماعهم على خلاف الهدى ، فأعطيتهم قود الإجابة ، ولو علمت أن أحدا يتخلف
لامتنعت!
قال : فقال علي
عليه السلام : أما ما ذكرت من حديث النبي
صلى الله عليه وآله : أن الله لا يجمع أمتي على ضلال ، أفكنتُ من الأمة أو لم
أكن؟!
قال : بلى.
قال : وكذلك
العصابة الممتنعة عليك من سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وابن عبادة ومن معه من
الأنصار؟
قال : كل من
الأمة.
فقال علي عليه السلام : فكيف تحتج بحديث النبي صلى الله عليه وآله
وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك ، وليس للأمة فيهم طعن ، ولا في صحبة الرسول ونصيحته
منهم تقصير؟!
قال : ما علمت
بتخلفهم إلا من بعد إبرام الأمر ، وخفت إن دفعت عني الأمر أن يتفاقم إلى أن يرجع
الناس مرتدين عن الدين ، وكان ممارستكم إلى أن أجبتم أهون مؤنة على الدين وأبقى له
من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعوا كفارا ، وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم
وعلى أديانهم!.
قال علي عليه السلام : أجل ، ولكن أخبرني عن الذي يستحق هذا الأمر ،
بما يستحقه؟
فقال أبو بكر :
بالنصيحة ، والوفاء ، ودفع المداهنة ، والمحاباة ، وحسن السيرة ، وإظهار العدل ،
والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب ، مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها ،
وإنصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد .. ثم سكت.
فقال علي عليه السلام : والسابقة والقرابة؟!
فقال أبو بكر :
والسابقة والقرابة.
قال : فقال علي
عليه السلام : أنشدك بالله يا أبا بكر
أفي نفسك تجد هذه الخصال ، أو في؟!
قال أبو بكر :
بل فيك يا أبا الحسن.
قال : أنشدك
بالله أنا المجيب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذكران المسلمين، أم
أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنا الأذان لأهل الموسم ولجميع الأمة بسورة براءة ، أم أنت؟!
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنا وقيت رسول الله بنفسي يوم الغار ، أم أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله ألي الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم ، أم لك؟
قال : بل لك.
قال : فأنشدك
بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير ، أم
أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله ألي الوزارة من رسول الله صلى الله عليه وآله والمثل من هارون وموسى ، أم
لك؟
قال : بل لك.
قال : فأنشدك
بالله أبي برز رسول الله صلى الله عليه وآله وبأهل بيتي وولدي في مباهلة
المشركين من النصارى ، أم بك وبأهلك وولدك؟
قال : بكم.
قال : فأنشدك
بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس ، أم لك ولأهل بيتك؟
قال : بل لك
ولأهل بيتك.
قال : فأنشدك
بالله أنا صاحب دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وأهلي وولدي يوم الكساء :
اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار ، أم أنت؟
قال : بل أنت
وأهلك وولدك.
قال : فأنشدك
بالله أنا صاحب الآية ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ
مُسْتَطِيراً )، أم أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الفتى الذي نودي من السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، أم
أنا؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي ردت له الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت ، أم أنا؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي حباك رسول الله صلى الله عليه وآله برايته يوم خيبر ففتح الله
له ، أم أنا؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي نفست عن رسول الله صلى الله عليه وآله كربته وعن المسلمين بقتل
عمرو بن عبد ود ، أو أنا؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي ائتمنك رسول الله صلى الله عليه وآله على رسالته إلى الجن
فأجابت ، أم أنا؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي طهرك رسول الله صلى الله عليه وآله من السفاح من آدم إلى أبيك
بقوله صلى الله عليه وآله : أنا وأنت من نكاح لا من سفاح ، من آدم إلى عبد
المطلب ، أم أنا؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنا الذي اختارني رسول الله صلى الله عليه وآله وزوجني ابنته فاطمة عليها
السلام وقال : الله زوجك ، أم أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنا والد الحسن والحسين ريحانتيه اللذين قال فيهما : هذان سيدا شباب أهل
الجنة وأبوهما خير منهما ، أم أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أخوك المزين بجناحين في الجنة يطير بهما مع الملائكة ، أم أخي؟
قال : بل أخوك.
قال : فأنشدك
بالله أنا ضمنت دين رسول الله صلى الله عليه وآله وناديت في المواسم بإنجاز
موعده ، أم أنت؟! قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنا الذي دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله لطير عنده يريد أكله ، فقال
: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك بعدي ، أم أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنا الذي بشرني رسول الله صلى الله عليه وآله بقتل الناكثين والقاسطين
والمارقين على تأويل القرآن ، أم أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنا الذي شهدت آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وآله ووليت غسله ودفنه ،
أم أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنا الذي دل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله بعلم القضاء بقوله : «
علي أقضاكم » ، أم أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
الله أنا الذي أمر لي رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه بالسلام علي بالإمرة
في حياته ، أم أنت؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي سبقت له القرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أم
أنا؟.
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي حباك الله عز وجل بدينار عند حاجته ، وباعك جبرئيل عليه السلام ، وأضفت محمدا صلى الله عليه وآله ، وأضفت
ولده أم أنا ؟
قال : فبكى أبو
بكر! [ و ] قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي حملك رسول الله صلى الله عليه وآله على كتفه في طرح صنم الكعبة
وكسره حتى لو شاء أن ينال أفق السماء لنالها ، أم أنا؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت صاحب لوائي في
الدنيا والآخرة ، أم أنا؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بفتح بابه في مسجده حين أمر
بسد جميع بابه ـ [ أبواب أصحابه وأهل بيته ] ـ وأحل له فيه ما أحله الله له ، أم
أنا؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي قدم بين يدي نجواه لرسول الله صلى الله عليه وآله صدقة فناجاه ، أم أنا ـ
إذ عاتب الله عز وجل قوما فقال : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ
نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ) الآية ـ؟
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي قال فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لفاطمة : زوجك أول
الناس إيمانا وأرجحهم إسلاما. في كلام له ، أم أنا؟.
قال : بل أنت.
قال : فأنشدك
بالله أنت الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : الحق مع علي وعلي مع
الحق ، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ، أم أنا؟
قال : بل أنت.
قال : .. فلم
يزل عليه السلام يعد عليه مناقبه التي
جعل الله عز وجل له دونه ودون غيره.
ويقول له أبو
بكر : بل أنت.
قال : فبهذا
وشبهه يستحق القيام بأمور أمة محمد صلى الله عليه وآله.
فقال له علي
عليه السلام : فما الذي غرك عن الله وعن
رسوله وعن دينه وأنت خلو مما يحتاج إليه أهل دينه؟
قال : فبكى أبو
بكر وقال : صدقت يا أبا الحسن ، أنظرني يومي هذا فأدبر ما أنا فيه وما سمعت منك.
قال : فقال له
علي عليه السلام : لك ذلك يا أبا بكر.
فرجع من عنده
وخلا بنفسه يومه ولم يأذن لأحد إلى الليل ، وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته
بعلي عليه السلام .
فبات في ليلته ،
فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه ممثلا له في مجلسه ، فقام إليه أبو
بكر ليسلم عليه ، فولى وجهه ، فصار مقابل وجهه ، فسلم عليه فولى عنه وجهه.
فقال أبو بكر :
يا رسول الله! هل أمرت بأمر فلم أفعل؟
فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله : أرد السلام عليك وقد عاديت الله ورسوله وعاديت من والاه
الله ورسوله! رد الحق إلى أهله.
قال : فقلت : من
أهله؟
قال : من عاتبك
عليه ، وهو علي.
قال : فقد رددت
عليه يا رسول الله بأمرك.
قال : فأصبح
وبكى ، وقال لعلي عليه السلام : ابسط يدك
، فبايعه وسلم إليه الأمر.
وقال له : أخرج
إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأخبر الناس بما رأيت في ليلتي وما
جرى بيني وبينك ، فأخرج نفسي من هذا الأمر وأسلم عليك بالإمرة؟
قال : فقال علي
عليه السلام : نعم.
فخرج من عنده
متغيرا لونه عاليا نفسه ، فصادفه عمر وهو في طلبه.
فقال : ما حالك
يا خليفة رسول الله ..؟
فأخبره بما كان
منه وما رأى وما جرى بينه وبين علي عليه السلام .
فقال عمر :
أنشدك بالله يا خليفة رسول الله أن تغتر بسحر بني هاشم! فليس هذا بأول سحر منهم ..
فما زال به حتى
رده عن رأيه وصرفه عن عزمه ، ورغبه فيما هو فيه ، وأمره بالثبات [ عليه ] والقيام
به.
قال : فأتى علي
عليه السلام المسجد للميعاد ، فلم ير فيه
منهم أحدا ، فأحس بالشر منهم ، فقعد إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ،
فمر به عمر فقال : يا علي دون ما تروم خرط القتاد، فعلم بالأمر وقام ورجع إلى
بيته.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 29 / صفحة [ 3 ]
تاريخ النشر : 2025-07-28