أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/الإمام علي (عليه السلام)
حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن
الحسن الطوسي (رضي الله عنه)، قال: بالاسناد الأول عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبي
جعفر (عليه السلام)، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قال: لما نزل
المصريون بعثمان بن عفان في مرتهم الثانية، دعا مروان بن الحكم فاستشاره، فقال له:
إن القوم ليس هم لاحد أطوع منهم لعلي بن أبي طالب، وهو أطوع الناس في الناس،
فابعثه إليهم فليعطهم الرضا، وليأخذ لك عليهم الطاعة، ويحذرهم الفتنة، فكتب عثمان
إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام): " سلام عليكم، أما بعد، فإنه قد جاز
السيل الزبا، وبلغ الحزام الطبيين ، وارتفع أمر الناس بي فوق قدره، وطمع في من كان
يعجز عن نفسه، فاقبل علي أولى، وتمثل:
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل * وإلا فأدركني
ولما أمزق والسلام ".
فجاءه علي (عليه السلام)، فقال: يا أبا
الحسن، ائت هؤلاء القوم، فادعهم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله).
فقال: نعم، إن أعطيتني عهد الله وميثاقه على أن تفي لهم بكل شئ أعطيته عنك لهم.
فقال: نعم. فأخذ عليه عهدا غليظا ومشى إلى القوم، فلما دنا منهم، قالوا: وراءك .
قال: لا. قالوا: وراءك. قال: لا. فجاء بعضهم ليدفع في صدره حين قال ذلك، فقال
القوم بعضهم لبعض: سبحان الله، أتاكم ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعرض
كتاب الله! اسمعوا منه واقبلوا. قالوا: تضمن لنا كذلك. قال: فاقبل معه أشرافهم
ووجوههم حتى دخلوا على عثمان فعاتبوه، فأجابهم إلى ما أحبوا، فقالوا: اكتب لنا على
هذا كتاب، وليضمن علي عنك ما في الكتاب. قال: اكتبوا أنى شئتم، فكتبوا بينهم
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما كتب عبد الله عثمان بن عفان أمير المؤمنين
لمن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين أن لكم علي أن أعمل بكتاب الله وسنة نبيه (صلى
الله عليه وآله)، وأن المحروم يعطى، وأن الخائف يؤمن، وأن المنفي يرد، وأن المبعوث
لا يجمر، وأن الفئ لا يكون دولة بين الأغنياء، وعلي بن أبي طالب ضامن للمؤمنين
والمسلمين على عثمان الوفاء لهم على ما في هذا الكتاب. شهد الزبير بن العوام،
وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن مالك، وعبد الله بن عمر، وأبو أيوب بن زيد. وكتب في
ذي القعدة سنة خمس وعشرين ".
فأخذوا الكتاب ثم انصرفوا، فلما نزلوا أيلة
إذا هم براكب فأخذوه، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا رسول عثمان إلى عبد الله بن سعد.
قال بعضهم لبعض: لو فتشناه لئلا يكون قد كتب فينا؟ ففتشوه فلم يجدوا معه شيئا، فقال
كنانة بن بشر التجيبي: انظروا إلى إدواته ، فإن للناس حيلا، فإذا قارورة مختومة
بموم ، فإذا فيها كتاب إلى عبد الله بن سعد: " إذا جاءك كتابي هذا، فاقطع
أيدي الثلاثة مع أرجلهم،.
فلما قرؤوا الكتاب رجعوا حتى أتوا عليا
(عليه السلام)، فأتاه فدخل عليه، فقال: استعتبك القوم فأعتبتهم، ثم كتبت كتابك
هذا، نعرفه الخط الخط والخاتم الخاتم؟!
فخرج علي (عليه السلام) مغضبا وأقبل الناس
عليه، فخرج سعد من المدينة فلقيه رجل، فقال: يا أبا إسحاق، أين تريد؟ قال: إني قد
فررت بديني من مكة إلى المدينة، وأنا اليوم أهرب بديني من المدينة إلى مكة.
وقال الحسن بن علي (عليهما السلام) لعلي
(عليه السلام) حين أحاط الناس بعثمان: اخرج من المدينة واعتزل، فإن الناس لا بد
لهم منك، وإن هم ليأتونك ولو كنت بصنعاء اليمن، وأخاف أن يقتل هذا الرجل وأنت
حاضره. فقال: يا بني، أخرج عن دار هجرتي، وما أظن أحدا يجترئ على هذا القول كله.
وقام كنانة بن بشر، فقال: يا عبد الله، أقم
لنا كتاب الله، فإنا لا نرضى بالقول دون الفعل، قد كتبت وأشهدت لنا شهودا،
وأعطيتنا عهد الله وميثاقه. فقال: ما كتبت بينكم كتابا، فقام إليه المغيرة بن
الأخنس، فضرب بكتابه وجهه، وخرج إليهم عثمان ليكلمهم، فصعد المنبر، فرفعت عائشة
قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونادت " أيها الناس، هذا قميص رسول
الله لم يبل، وقد غيرت سنته! " فنهض الناس، وكثر اللغط، وحصبوا عثمان حتى نزل
من المنبر فدخل بيته، فكتب نسخة واحدة إلى معاوية وعبد الله بن عامر: " أما
بعد، فإن أهل السفه والبغي والعدوان من أهل العراق ومصر والمدينة أحاطوا بداري،
ولن يرضيهم مني دون خلعي أو قتلي، وأنا ملاق الله قبل أن أتابعهم على شئ من ذلك،
فأعينوني ".
فلما بلغ كتابه ابن عامر قام وقال: أيها
الناس، إن أمير المؤمنين عثمان ذكر أن شرذمة من أهل مصر والعراق نزلوا بساحته،
فدعاهم إلى الحق فلم يجيبوا، فكتب إلي أن أبعث إليه منكم ذوي الرأي والدين
والصلاح، لعل الله أن يدفع عنه ظلم الظالمين وعدوان المعتدين. فلم يجيبوه إلى
الخروج، ثم إنه نزل.
فقدموا من كل فج حتى حضروا المدينة، وقيل
لعلي (عليه السلام): إن عثمان قد منع الماء، فأمر بالروايا فعكمت ، وجاء للناس علي
(عليه السلام) فصاح بهم صيحة فانفرجوا، فدخلت الروايا، فلما رأى علي (عليه السلام)
اجتماع الناس ووجوههم، دخل على طلحة بن عبيد الله وهو متكئ على وسائد، فقال: إن
هذا الرجل مقتول فامنعوه.
فقال: أما والله دون أن تعطي بنو أمية الحق
من أنفسها.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 712
تاريخ النشر : 2024-09-05