أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/الإمام علي (عليه السلام)
عن عبد الله بن أبي بكر، قال. حدثني أبو
جعفر محمد ابن علي (عليهما السلام)، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري،
قال: سماني رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الرحمن. قال: لما بلغ عليا (عليه
السلام) مسير طلحة والزبير خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي (صلى
الله عليه وآله) ثم قال:
أما بعد، فقد بلغني مسير هذين الرجلين،
واستخفافهما حبيس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واستفزازهما أبناء الطلقاء،
وتلبيسهما على الناس بدم عثمان، وهما ألبا عليه، وفعلا به الأفاعيل، وخرجا ليضربا
الناس بعضهم ببعض، اللهم فاكف المسلمين مؤنتهما، واجزهما الجوازي، وحض الناس على
الخروج في طلبهما، فقام إليه أبو مسعود عقبة بن عمرو، وقال: يا أمير المؤمنين، إن
الذي يفوتك من الصلاة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومجلسك فيما بين
قبره ومنبره، أعظم مما ترجو من الشام والعراق، فإن كنت إنما تسير لحرب فقد أقام
عمر وكفاه سعد زحف القادسية، وكفاه حذيفة بن اليمان زحف نهاوند، وكفاه أبو موسى
زحف تستر، وكفاه خالد بن الوليد زحف الشام، فإن كنت سائرا فخلف عندنا شقة منك
نرعاه فيك ونذكرك به.
ثم قال أبو مسعود:
بكت الأرض والسماء على الشاخص * منـــــا يـــريد
أهــــتل الـــعراق
يا وزير النــــبي قــد عظـــم الخطب *
وطعم الفراق مـر المــــــــــــذاق
وإذا القـــوم خــــاصــــموك فــــــقوم *
ناكسو الطرف خاضعو الأعناق
لا يــــقولـــــون إذ تــــقـــــــول وإن
* قلت فقول المـــــبرز الســـــــباق
فعــيون الـــحجـــاز تـــذرف بالدمع * وتـلك
القلــــوب عــــند التــراقــي
فعــــليك الــــسلام مــا ذرت الشمس *
ولاح الــســـراب بـــالـــرقــــراق .
فقال قيس بن سعد: يا أمير المؤمنين، ما على
الأرض أحد أحب إلينا أن يقيم فينا منك، لأنك نجمنا الذي نهتدي به، ومفزعنا الذي
نصير إليه، وإن فقدناك لتظلمن أرضنا وسماؤنا، ولكن والله لو خليت معاوية للمكر،
ليرومن مصر، وليفسدن اليمن، وليطمعن في العراق، ومعه قوم يمانيون قد أشربوا قتل
عثمان، وقد اكتفوا بالظن عن العلم، وبالشك عن اليقين، وبالهوى عن الخير، فسر بأهل
الحجاز وأهل العراق، ثم ارمه بأمر يضيق فيه خناقه، ويقصر له من نفسه. فقال: أحسنت
والله يا قيس، وأجملت.
وكتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي (عليه
السلام) تخبره بمسير عائشة وطلحة والزبير، فأزمع المسير، فبلغه تثاقل سعد وأسامة
بن زيد ومحمد بن مسلمة، فقال سعد: لا أشهر سيفا حتى يعرف المؤمن من الكافر، وقال
أسامة: لا أقاتل رجلا يقول: لا إله إلا الله، ولو كنت في فم الأسد لدخلت فيه معك،
وقال محمد بن مسلمة: أعطاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيفا، وقال: إذا اختلف
المسلمون فاضرب به عرض أحد، والزم بيتك، وتخلف عنه عبد الله بن عمر.
فقال عمار بن ياسر: دع القوم، أما عبد الله
فضعيف، وأما سعد فحسود، وأما محمد بن مسلمة فذنبك إليه أنك قتلت قاتل أخيه مرحبا.
ثم قال عمار لمحمد بن مسلمة: أما تقاتل
المحاربين؟ فوالله لو مال علي جانبا لملت مع علي.
وقال كعب بن مالك: يا أمير المؤمنين، إنه
بلغك عنا معشر الأنصار، ما لو كان غيرنا لم يقم معك، والله ما كل ما رأينا حلالا
حلال، ولا كل ما رأينا حراما حرام، وفي الناس من هو أعلم بعذر عثمان ممن قتله،
وأنت أعلم بحالنا منا، فإن كان قتل ظالما قبلنا، وإن كان قتل مظلوما فاقبل قولنا،
فإن وكلتنا فيه إلى شبهة فعجب ليقيننا وشكك، وقد قلت لنا: عندي نقض ما اجتمعوا
عليه، وفصل ما اختلفوا فيه. وقال:
كان أولى أهل المدينة بالنصر * علـــيـــا
وآل عــبد مـناف
للذي في يديــه من حـــرم الله * وقرب
الولاء بعد التصافي .
وكان كعب بن مالك شيعة لعثمان.
وقام الأشتر إلى علي (عليه السلام)، فكلمه
بكلام بحضه على أهل الوقوف، فكره ذلك علي (عليه السلام) حتى شكاه، وكان من رأي علي
(عليه السلام) ألا يذكرهم بشئ.
فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين، إنا وإن لم
نكن من المهاجرين والأنصار، فإنا فيهم، وهذه بيعة عامة، والخارج منها عاص، والمبطئ
عنها مقصر، فإن أدبهم اليوم باللسان وغدا بالسيف، وما من ثقل عنك كمن خف معك،
وإنما أرادك القوم لأنفسهم فأردهم لنفسك. فقال علي (عليه السلام): يا مالك دعني.
وأقبل علي (عليه السلام) عليهم، فقال: أرأيتم لو أن من بايع أبا بكر أو عمر أو
عثمان ثم نكث بيعته، أكنتم تستحلون قتالهم؟ قالوا: نعم. قال: فكيف تحرجون من
القتال معي وقد بايعتموني؟ قالوا: إنا لا نزعم أنك مخطئ، وأنه لا يحل لك قتال من
بايعك ثم نكث بيعتك، ولكن نشك في قتال أهل الصلاة. فقال الأشتر: دعني يا أمير
المؤمنين، أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك. فقال له علي (عليه السلام): كف عني،
فانصرف الأشتر وهو مغضب.
ثم إن قيس بن سعد لقي مالكا الأشتر في نفر
من المهاجرين والأنصار، فقال قيس للأشتر: يا مالك، كلما ضاق صدرك بشئ أخرجته،
وكلما استبطأت أمرا استعجلته، إن أدب الصبر التسليم، وأدب العجلة الأناة، وإن شر
القول ما ضاهى العيب، وشر الرأي ما ضاهى التهمة، وإذا ابتليت فاسأل، وإذا أمرت
فأطع، ولا تسأل قبل البلاء، ولا تكلف قبل أن ينزل الامر، فإن في أنفسنا ما في نفسك،
فلا تشق على صاحبك؟ فغضب الأشتر، ثم إن الأنصار مشوا إلى الأشتر في ذلك فرضوه عن
غضبه فرضي.
فلما هم علي (عليه السلام) بالنهوض، قام
إليه أبو أيوب خالد بن زيد صاحب منزل رسول الله (صلى اله عليه وآله)، فقال: يا
أمير المؤمنين، لو أقمت بهذه البلدة، فإنها مهاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وبها قبره ومنبره، فإن استقامت لك العرب كنت كمن كان قبلك، وإن وكلت إلى المسير
فقد أعذرت. فأجابه علي (عليه السلام) بعذره في المسير.
ثم خرج لما سمع توجه طلحة والزبير إلى
البصرة وتمكث حتى عظم جيشه، وأغذ (1) السير في طلبهم، فجعلوا لا يرتحلون من منزل
إلا نزله حتى نزل بذي قار، فقال: والله إنه ليحزنني أن أدخل على هؤلاء في قلة من
معي، فأرسل إلى الكوفة الحسن بن علي (عليهما السلام) وعمار بن ياسر وقيس بن سعد،
وكتب إليهم كتابا، فقدموا الكوفة، فخطب الناس الحسن بن علي (عليهما السلام)، فحمد الله
وأثنى عليه، وذكر عليا (عليه السلام) وسابقته في الاسلام، وبيعة الناس له، وخلاف
من خالفه، ثم أمر بكتاب علي (عليه السلام) فقرئ عليهم.
" بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد،
فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه عيانه، إن الناس طعنوا عليه، وكنت رجلا من
المهاجرين أكثر استعتابه، وأقل عيبه، وكان هذان الرجلان أهون سيرهما فيه الوجيف،
وقد كان من أمر عائشة فلتة على غضب، فأتيح له قوم فقتلوه، ثم إن الناس بايعوني غير
مستكرهين، وكان هذان الرجلان أول من فعل على ما بويع عليه من كان قبلي، ثم إنهما
استأذناني في العمرة، وليسا يريدانها، فنقضا العهد، وآذنا بحرب، وأخرجا عائشة من
بيتها، ليتخذانها فئة، وقد سارا إلى البصرة اختيارا لها، وقد سرت إليكم اختيارا
لكم، ولعمري ما إياي تجيبون، ما تجيبون إلا الله ورسوله، ولن أقاتلهم وفي نفسي
منهم حاجة، وقد بعثت إليكم بالحسن بن علي وعمار بن ياسر وقيس بن سعد مستنفرين
فكونوا عند ظني بكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله).
فلما قرئ الكتاب على الناس قام خطباء
الكوفة، شريح بن هاني وغيره، فقالوا: والله لقد أردنا أن نركب إلى المدينة حتى
نعلم علم عثمان، فقد أنبأنا الله به في بيوتنا، ثم بذلوا السمع والطاعة، وقالوا:
رضينا بأمير المؤمنين، ونطيع أمره، ولا نتخلف عن دعوته، والله لو لم يستنصرنا
لنصرناه سمعا وطاعة.
فلما سمع الحسن بن علي (عليهما السلام) ذلك
قام خطيبا فقال: أيها الناس، إنه قد كان من أمير المؤمنين علي ما تكفيكم جملته،
وقد أتيناكم مستنفرين لكم، لأنكم جبهة الأمصار، ورؤساء العرب، وقد كان من نقض طلحة
والزبير بيعتهما وخروجهما بعائشة ما قد بلغكم، وهو ضعف النساء، وضعف رأيهن، وقد
قال الله (تعالى): ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ وأيم الله لو لم ينصره أحد لرجوت أن
يكون له فيمن أقبل معه من المهاجرين والأنصار، ومن يبعث الله له من نجباء الناس
كفاية، فانصروا الله ينصركم. ثم جلس.
وقام عمار بن ياسر، فقال. يا أهل الكوفة،
إن كانت غابت عنكم أبداننا فقد انتهت إليكم أمورنا، إن قاتلي عثمان لا يعتذرون إلى
الناس، وقد جعلوا كتاب الله بينهم وبين محاجيهم، (فبه) أحيا الله من أحيا، وقتل من
قتل، وإن طلحة والزبير أول من طعن، وآخر من أمر، ثم بايعا أول من بايع، فلما
أخطأهما ما أملا نكثا بيعتهما على غير حدث كان، وهذا ابن رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يستنفركم، وقد أظلكم في المهاجرين والأنصار، فانصروه ينصركم الله.
وقام قيس بن سعد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم
قال: أيها الناس، إن هذا الامر لو استقبلنا به الشورى لكان علي أحق الناس به في
سابقته وهجرته وعلمه، وكان قتال من أبى ذلك حلالا، فكيف والحجة قامت على طلحة
والزبير، وقد بايعاه وخلعاه حسدا؟!
فقام خطباؤهم فأسرع الرد بالإجابة، فقال
النجاشي في ذلك:
رضينا بقـسم الله إذ كــان قــسمـــــنا *
علـــي وأبنــاء النبـــي مـــحمد
وقلنـــــا لـــه أهـــلا وسهلا ومرحبا *
نمد يـديــنا مــــن هــوى وتودد
فمرنا بما ترضى نجبك إلى الرضا * بصم العـــوالي
والصفيح المهند
وتســـويــد مـــن سودت غير مدافع * وإن
كان من سودت غير مسود
فإن نلت ما تهـــوى فـــذاك نــريده * وإن
تــــخط ما تهوى فغير تعمد .
وقال قيس بن سعد حين أجاب أهل الكوفة :
جزى الله أهل الكــوفة الـــيوم نصرة *
أجابــوا ولم يأتوا بخذلان من خذل
وقالوا علي خــيـر حــــاف ونــــاعل *
رضينا بـه مـــن نــــاقض العــــهد
من بدل هما أبرزا زوج النبي تعمدا * يسوق
بها الحادي المنيخ على جمل
فما هكذا كانت وصــــاة نـــبيــــــكم *
وما هكذا الانصاف أعظـم بذا المثل
فهل بعد هذا مــــن مــــقال لــــقائل *
ألا قــــــــــبح الله الأمـــــاني والعلل
قال: فلنا فرغ الخطباء وأجاب الناس، قام
أبو موسى فخطب الناس، وأمرهم بوضع السلاح والكف عن القتال، ثم قال: أما بعد، فإن
الله حرم علينا دماءنا وأموالنا، فقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما﴾ وقال: ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا
فجزاؤه جهنم خالدا فيها﴾ يا أهل الكوفة.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 715
تاريخ النشر : 2024-09-05