أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير علي ين ابراهيم
أبي، عن ابن محبوب، عن العلاء، عن
محمد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن موسى عليه
السلام لما حملت امه به لم يظهر حملها إلا عند وضعه،
وكان فرعون قد وكل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط تحفظهن، وذلك أنه لما كان بلغه
عن بني إسرائيل أنهم يقولون: إنه يولد فينا رجل يقال له موسى بن عمران يكون هلاك
فرعون وأصحابه على يديه، فقال فرعون عند ذلك: لاقتلن ذكور أولادهم حتى لا يكون
ما يريدون وفرق بين الرجال والنساء، وحبس الرجال في المحابس، فلما وضعت ام موسى
بموسى عليه السلام نظرت وحزنت واغتمت وبكت وقالت: يذبح الساعة، فعطف الله قلب الموكلة
بها عليه، فقالت لام موسى: مالك قد اصفر لونك ؟ فقالت: أخاف أن يذبح ولدي، فقالت:
لا تخافي، وكان موسى لا يراه أحد إلا أحبه وهو قول الله عزوجل، " وألقيت عليك
محبة مني " فأحبته القبطية الموكلة به، وأنزل الله على ام موسى التابوت ونوديت
: ضعه في التابوت فاقدفيه في اليم وهو البحر، ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه
من المرسلين، فوضعته في التابوت وأطبقت عليه وألقته في النيل، وكان لفرعون قصر
على شط النيل متنزه فنظر من قصره - ومعه آسية امرأته - إلى سواد في النيل ترفعه
الامواج وتضربه الرياح حتى جاءت به على باب قصر فرعون، فأمر فرعون بأخذه فاخذ التابوت
ورفع إليه فلما فتحه وجد فيه صبيا، فقال: هذا إسرائيلي، فألقى الله في قلب فرعون
لموسى محبة شديدة وكذلك في قلب آسية، وأراد أن يقتله فقالت آسية: " لا تقتلوه
عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا " وهم لا يشعرون أنه موسى ولم يكن لفرعون ولد، فقال:
التمسوا له ظئرا تربيه، فجاؤوا بعدة نساء قد قتل أولادهن فلم يشرب لبن أحد
من النساء، وهو قول الله: " وحرمنا عليه المراضع من قبل " وبلغ امه أن
فرعون قد أخذه فحزنت وبكت كما قال الله: "
وأصبح فؤاد ام موسى فارغا إن كادت لتبدي به " يعني كادت
أن تخبرهم بخبره، أو تموت ثم ضبطت نفسها، فكانت كما قال: " لو لا أن ربطنا
على قلبها لتكون من المؤمنين " ثم
قالت لأخت موسى: قصيه، أي اتبعيه، فجاءت اخته إليه فبصرت
به عن جنب، أي عن بعد وهم لا يشعرون، فلما لم يقبل موسى بأخذ ثدي أحد من النساء
اغتم فرعون غما شديدا فقالت اخته: " هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له
ناصحون " فقالوا: نعم، فجاءت بأمه، فلما أخذته في حجرها وألقمته ثديها التقمه وشرب
ففرح فرعون وأهله وأكرموا امه فقالوا لها: ربيه لنا فإنا نفعل بك ونفعل وذلك قول
الله: " فرددناه إلى امه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن
أكثرهم لا يعلمون " وكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كل ما يلدون، ويربي موسى
ويكرمه، ولا يعلم أن هلاكه على يده، فلما درج موسى كان يوما عند فرعون فعطس
موسى فقال: " الحمد لله رب العالمين " فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه وقال:
ما هذا الذي تقول ؟ فوثب موسى على لحيته
وكان طويل اللحية فهلبها أي قلعها، فهم فرعون بقتله،
فقالت امرأته: غلام حدث لا يدري ما يقول، وقد لطمته
بلطمتك إياه، فقال فرعون: بل يدري، فقالت له: ضع بين يديك تمرا وجمرا، فإن ميز
بينهما فهو الذي تقول، فوضع بين يديه تمرا وجمرا فقال له: كل، فمد يده إلى
التمر فجاء جبرئيل فصرفها إلى الجمر في فيه فاحترق لسانه فصاح وبكى، فقالت آسية
لفرعون: ألم أقل لك أنه لا يعقل ؟ فعفى عنه. قال الراوي: فقلت لابي جعفر عليه السلام:
فكم مكث موسى غائبا عن امه حتى رده الله عليها ؟ قال: ثلاثة أيام، فقلت: وكان
هارون أخا موسى لأبيه وامه ؟ قال: نعم، أما تسمع الله يقول: " يا بن ام لا تأخذ
بلحيتي ولا برأسي " فقلت: فأيهما كان أكبر سنا ؟ قال: هارون، فقلت: وكان
الوحي ينزل عليهما جميعا ؟ قال: كان الوحي
ينزل على موسى، وموسى يوحيه إلى هارون، فقلت له:
أخبرني عن الاحكام والقضاء والامر والنهي، أكان ذلك إليهما ؟ قال: كان موسى الذي
يناجي ربه ويكتب العلم، ويقضي بين بني إسرائيل وهارون يخلفه إذا غاب عن قومه
للمناجاة، قلت: فأيهما مات قبل صاحبه ؟ قال: مات هارون قبل موسى عليه السلام وماتا
جميعا في التيه، قلت: وكان لموسى ولد ؟ قال: لا، كان الولد لهارون والذرية له.
قال: فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال، وكان ينكر عليه
ما يتكلم به موسى من التوحيد حتى هم به فخرج موسى من عنده ودخل المدينة فإذا رجلان
يقتتلان: أحدهما يقول بقول موسى، والآخر يقول ؟ قول فرعون، فاستغاثه الذي هو من
شيعته، فجاء موسى فوكز صاحبه فقضى عليه وتوارى في المدينة، فلما كان من الغد جاء
آخر فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى، فاستغاث بموسى، فلما نظر
صاحبه إلى موسى قال له: " أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس " فخلى
صاحبه وهرب، وكان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد
كتم إيمانه ستمائة سنة وهو الذي قال الله: " وقال
رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله " وبلغ
فرعون خبر قتل موسى الرجل فطلبه ليقتله فبعث
المؤمن إلى موسى: " إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك
فاخرج إني لك من الناصحين " فخرج منها كما حكى الله " خائفا يترقب
" قال: يلتفت يمنة ويسرة ويقول: " رب
نجني من القوم الظالمين " ومر نحو مدين وكان بينه وبين
مدين مسيرة ثلاثة أيام، فلما بلغ باب مدين رأى بئرا يستقي الناس منها لأغنامهم وداوبهم،
فقعد ناحية ولم يكن أكل منذ ثلاثة أيام شيئا، فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما
غنيمات لا تدنوان من البئر، فقال لهما: مالكما لا تستقيان ؟ فقالتا كما حكى الله:
" حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير " فرحمهما موسى ودنا من البئر فقال
لمن على البئر: أستقي لي دلوا ولكم دلوا،
وكان الدلو يمده عشرة رجال، فاستقى وحده دلوا لمن
على البئر، ودلوا لبنتي شعيب وسقى أغنامهما " ثم تولى إلى الظل فقال رب إني
لما أنزلت إليّ من خير فقير " وكان
شديد الجوع. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن موسى كليم
الله حيث سقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال: " رب إني لما أنزلت إلي من خير
فقير " والله ما سأل الله إلا خبزا
يأكل، لأنه كان يأكل بقلة الارض، ولقد رأوا خضرة البقل
من صفاق بطنه من هزاله، فلما رجعتا ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما: أسرعتما
الرجوع ! فأخبرتاه بقصة موسى ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهما: اذهبي إليه
فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا، فجاءت إليه كما حكى الله " تمشي على استحياء
" فقالت له: " إن أبي يدعوك ليجزيك
أجر ما سقيت لنا " فقام موسى عليه السلام معها فمشت أمامه
فسفقتها الرياح فبان عجزها، فقال لها موسى: تأخري ودليني
على الطريق بحصات تلقيها أمامي أتبعها، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء،
فلما دخل على شعيب قص عليه قصته فقال له شعيب: " لا تخف نجوت من القوم الظالمين
" قالت إحدى بنات شعيب: " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين "
فقال لها شعيب: أما قوته فقد عرفته بسقي الدلو وحده، فبم عرفت أمانته ؟ فقالت: إنه
قال لي: تأخري عني ودليني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء
عرفت أنه ليس من القوم الذين ينظرون في أعجاز النساء، فهذه أمانته، فقال له شعيب
" إني اريد أن انكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت
عشرا فمن عندك وما اريد أن أشق عليك ستجدني
إن شاء الله من الصالحين " فقال له موسى: " ذلك
بيني وبينك أيما الاجلين قضيت فلا عدوان علي " أي لا سبيل علي إن عملت عشر
سنين أو ثماني سنين، فقال موسى: " الله
على ما نقول وكيل ". قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام:
أي الاجلين قضى ؟ قال: أتمهما عشر حجج، قلت له: فدخل بها قبل أن يمضي الاجل أو
بعد ؟ قال: قبل، قلت: فالرحل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين يجوز ذلك ؟
قال: إن موسى عليه السلام علم أنه يتم له شرطه، فكيف لهذا أن يعلم أنه يبقى
حتى يفي ؟ ! قلت له: جعلت فداك أيتهما زوجه شعيب من بناته ؟ قال: التي ذهبت إليه
فدعته وقالت لأبيها: " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الامين
". فلما قضى موسى الاجل قال لشعيب: لابد لي أن
أرجع إلى وطني وامي وأهل بيتي، فمالي عندك ؟ فقال
شعيب: ما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم بلق فهو لك، فعمد موسى عندما أراد أن
يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه وعزره في وسط مربض الغنم
وألقى عليه كساء أبلق، ثم أرسل الفحل على الغنم فلم تضع
الغنم في تلك السنة إلا بلقا، فلما حال عليه الحول حمل موسى امرأته وزوده شعيب من
عنده وساق غنمه، فلما أراد الخروج قال لشعيب: أبغي عصا تكون معي، وكانت عصي الانبياء
عنده قد ورثها مجموعة في بيت، فقال له شعيب: ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين
تلك العصي، فدخل فوثبت عليه عصا نوح وإبراهيم عليهما السلام وصارت في كفه فأخرجها
ونظر إليها شعيب فقال: ردها وخذ غيرها، فردها ليأخذ غيرها فوثبت إليه تلك بعينها
فردها حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فلما رأى شعيب ذلك قال له: اذهب فقد خصك الله بها،
فساق غنمه فخرج يريد مصر، فلما صار في مفازة ومعه أهله أصابهم برد شديد وريح وظلمة
وقد جنهم الليل ونظر موسى إلى نار قد ظهرت كما قال الله: " فلما قضى موسى الاجل
وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم
منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون " فأقبل نحو النار يقتبس فإذا شجرة ونار
تلتهب عليها، فلما ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه ففزع منها وعدا ورجعت النار
إلى الشجرة فالتفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فأهوت نحوه
فعدا وتركها ثم التفت وقد رجعت إلى الشجرة، فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا
ولم يعقب أي لم يرجع، فناداه الله: أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين قال موسى
عليه السلام: فما الدليل على ذلك ؟ قال الله: ما في يمينك يا موسى ؟ قال: هي عصاي
قال: ألقها يا موسى، فألقاها فصارت حية ففزع منها موسى وعدا، فناداه الله: خذها
ولا تخف إنك من الآمنين، اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء، أي من غير علة،
وذلك أن موسى عليه السلام كان شديد السمرة فأخرج يده من جيبه فأضاءت له الدنيا،
فقال الله عزوجل: " فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين
" فقال موسى كما حكى الله: " رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون *
وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي
ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون * قال سنشد عضدك
بأخيك ونجعل لكم سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون ".
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 13 / صفحة [25]
تاريخ النشر : 2024-08-11