الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
نشوان بن سعيد الحميري
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج3، ص362-367
27-1-2016
5445
هو أبو سعيد نشوان بن سعيد (بن نشوان) بن سعد بن أبي حمير ابن عبيد اللّه بن القاسم بن عبد الرحمن من نسل ذي سحر، و أمّه عربية من ولد عشن من ملوك همدان. أمّا بلاده فهي وادي صبر (بفتح الصاد و الباء) في الشّمال الغربيّ من صعدة؛ و ليست صبر (بفتح الصاد و كسر الباء) الجبل المطلّ على تعزّ. و كان أكثر مقامه في حوث بين صنعاء و صعدة.
و تولّى نشوان بن سعيد القضاء في بعض مخاليف (1) اليمن. و يبدو أنه طمع في أواخر عمره بالملك فتحيّل على حصن و ملكه، قيل هو حصن في جبال صبر (بفتح الصاد و كسر الباء) و تسمّى بالسلطان. و قيل بل لم ينجح في ذلك. و قيل بل جمع نحو تسعمائة رجل و سار بهم في الجوف (2) حتّى وصل الى بيحان من شرقيّ اليمن فلم يتمّ له شيء. ثمّ دخل حضرموت، و كان ملكها في ذلك الحين عبد اللّه بن راشد فأعطاه عبد اللّه مالا جزيلا. و عاد نشوان من طريق الجوف فسقطت عليه عصابة نهبت جميع ما كان معه ما عدا كتبه. ثمّ عاد الى بلاده و وطنه خولان صعدة و استقرّ في حوث الى أن توفّي في 24 من ذي الحجّة من سنة 573 ه (14/6/1178 م) .
كان نشوان بن سعيد الحميريّ فقيها من فقهاء الزّيدية و معتزليّا و عالما باللغة و النحو و الأدب و التاريخ و الأنساب و أديبا مصنّفا للكتب. و كان شاعرا ينظم شعرا من جنس شعر العلماء قليل الرونق. و آثار نشوان بن سعيد كثيرة أشهرها القصيدة الحميريّة (أو النشوانية) ، و هي ملحمة (في أحداث التاريخ) تبلغ مائة و ثلاثين بيتا أراد نشوان بن سعيد أن يقصّ فيها أمجاد حمير كما كان الهمداني (ت 334 ه) قد فعل من قبل في كتاب «الإكليل في مفاخر قحطان و ذكر اليمن» و في «القصيدة الدامغة في فضل قحطان» . و لكنّ نشوان قصّر عن الهمدانيّ فأضاف الى قصيدته الحميرية كثيرا من الخرافات و المبالغات و الأقوال الطنّانة الفارغة و الأسماء الرنّانة المختلفة.
لنشوان بن سعيد الحميريّ من الكتب: شمس العلوم و دواء (شفاء) كلام العرب من الكلوم و صحيح التأليف و الأمان من التحريف (و هو معجم كبير مرتّب على حروف الهجاء. و لا يكتفي المؤلّف فيه بتفسير اللفظة تفسيرا لغويّا فحسب، بل يورد في عدد كبير من الألفاظ خصائصها الطبيعية و العلمية و الطبية، و ربّما استطرد الى التعليقات التاريخيّة و الأحكام الشرعية) -رسالة الحور العين (3) -شرح رسالة الحور العين (شرح المؤلّف في هذا الكتاب ما كان قد أشار اليه في الرسالة المجرّدة «الحور العين» ممّا مرّ فيها من إشارات اللغة و الصرف و النحو و العروض و القوافي و من الإشارات التاريخية الى عرب الجاهلية و الأمم القديمة و من المذاهب و الفرق الدينية المختلفة في الإسلام و غير الإسلام و من الآراء العلمية و الفلسفية) -التبيان في تفسير القرآن-رسالة في التصريف-أحكام صنعاء و زبيد-وصيّة (نشوان بن سعيد) لولده جعفر-أرجوزة في الشهور الرومية.
مختارات من آثاره:
- من القصيدة الحميرية:
الأمر جدّ و هو غير مزاح... فاعمل لنفسك صالحا، يا صاح (4)
كيف البقاء مع اختلاف طبائع... و كرور ليل دائم و صباح
الدهر أنصح ناصح يعظ الفتى... و يزيد فوق نصيحة النصّاح
تجري بنا الدنيا على خطر، كما... تجري عليه سفينة الملاّح (5)
شغل البريّة عن عبادة ربّه... مفتن-على دنياهم-و تلاح (6)
و محبّة الدنيا التي سلكت بهم... أبدا مع الأرواح و الأشباح (7)
كلّ البريّة شارب كأس الرّدى... من حتف أنف أو دم سفّاح (8)
لا تبتئس للحادثات و لا تكن... بمسرّة في الدهر، بالمفراح
بعدئذ يتساءل نشوان بن سعيد عن ملوك حمير و كيف ذهبوا (ماتوا) بعد أن قاموا بأعمال عظيمة و أقاموا لأنفسهم أمجادا في الشرق و الغرب ثم يحشّي الأبيات بأخبار منها الموثوق و منها المرجوح. فمن قوله مثلا:
أم أين شمّر يرعش الملك الذي... ملك الورى بالعنف و الإسجاح (9)
قد كان يرعش من رآه هيبة... و رنا إليه بطرفه اللّمّاح (10)
و به سمرقند المشارق سمّيت... للّه من غاز و من فتّاح (11)
و أتى بمالك فارس كيقاوس...في القيد يعثر مثخنا بجراح (12)
فأقام في بئر بمأرب برهة... في السجن يجأر معلنا بصياح (13)
فاستوهبت سعدى أباها ذنبه... فعفا و سيّره بحسن سراح (14)
و الأقرن الملك المتوّج تبّع... عرك البلاد بكلكل فدّاح (15)
و غزا بلاد الروم يبغي وادي ... الياقوت صاحب عزّة و طماح (16)
فقضى هنالك نحبه و أتى إلى... أجل معدّ للحمام متاح (17)
و يختم نشوان بن سعيد القصيدة بتسعة أبيات في الاعتبار بالموت و بأنه يأتي على جميع الناس و لا يستثني الملوك و لا الأقوياء و لا أصحاب الأمجاد:
أذواء حمير قد ثوت و ملوكها... في التّرب ملك ضرائح و صفاح (18)
أضحوا ترابا يوطئون كمثل ما... وطئت هوامد تربة و بطاح (19)
ذلّت لهم دنياهم ثمّ انثنت... ترميهم بالحافر الرّمّاح (20)
مطرت عليهم، بعد سحب سعودهم... سحب النحوس بوابل سحّاح
ما هابهم ريب المنون، و لا احتموا... عنه بأسياف و لا أرماح
كلاّ و لا بعساكر و دساكر... و جحافل و معاقل و سلاح (21)
سكنوا الثّرى بعد القصور و لهوهم... بمطاعم و مشارب و نكاح (22)
أضحت مدعثرة قصورهم التي... بنيت بأعمدة من الصفّاح (23)
و الدهر يمزج بؤسه بنعيمه... و يري بنيه الغمّ في الأفراح
- من مقدّمة كتاب «الحور العين» (24):
. . . . السلام عليك أيّتها العقوة التي لا تلمّ بها الشقوة، و الربوة الموقّرة عن الصبوة، ذات القرار المعين (25) و المستقرّ للحور العين، بعيدة عن رجم الظنون كأمثال اللؤلؤ المكنون، بيض الغرر و الترائب مقرونة الحواجب موشومة الرواجب، تفترّ عن درر الثغور و (عن) دراريّ طالعة لا تغور. . . . . و حديقة (26) الأدب التي لا تهيج و تربته التي أنبتت من كلّ زوج بهيج، وسيمة الأزهار جارية الأنهار غصونها دانية و عيونها غير آنية؛ لا خبت أنوارك و لا ذبل نوّارك. لأنت جنّة عدن الحقيقة بالسدن نحيّيك من بعد بالجنان و نشير إليك بأطراف البنان. . . . . . .
- من متن كتاب «الحور العين» (مجرّدا من الشرح) :
. . . . . و ما فعل أصحاب التناسخ في تنقّل الأرواح في الأجساد و صلاحها بعد الفساد، و مثوبة المحسنين بالأبدان الإنسيّة و الهياكل الحسّيّة و عقوبة المقدمين على الجرائم بأبدان أعجم البهائم، و دوام الدنيا على الأبد - و ما للمثرين من سبد و لا لبد-. و قيل هي مقالة بزرجمهر بن بختكان، و كم انقاد للغيّ حكيم و استكان. . . . . . .
و ما فعل الحرّانيّين عبدة النجوم و أصحاب الظنّ و الهجوم، في تدبير البروج و الأملاك على قدر نزولها في الأفلاك، و قضائها في الخيرات و الشرور على التوالي و المرور. و ليس في التنجيم غير ترجيم، و لا عند الكواكب نفع لواكن و لا واكب (27). . . . .
و أما فرق هذه الملّة (28) فللتّقاطع مستحلّة، يكفّر بعضهم بعضا و يرى عداوته فرضا. و قد أمسكت كلّ طائفة برئيس و عدّت حسنا منه كلّ بئيس. و لكلّ محاسن و مساو و قول ليس بمتساو. . . و من أوضع في المذاهب وقع في الغياهب، أو أغرق في البحث عن الفرق لم ير ناجيا من الغرق، أو نظر في الملل عثر على الزلل و أشرف على اختلاف مؤدّ الى إتلاف. . . . و إن صحّ ما روي عن المقاتلية فقد عبدت صنما كأصنام الجاهلية: زعمت أنّ معبودها كالآدميّ من لحم و دم يبطش بيد و يمشي على قدم. . . . . أو صحّ قول الغرابية في أبي تراب (29) أنّه أشبه بالنبيّ من الغراب بالغراب و أنّ جبريل غلط في تبليغ الرسالة، لقد نسبوا الغلط - جلّ عن ذلك - الى الواحد العليّ. . . . .
__________________
1) المخلاف (بكسر الميم) : المنطقة، المقاطعة.
2) الجوف: أواسط البلاد.
3) رسالة الحور العين و تنبيه السامعين: الحور (بضم الحاء) جمع حوراء (المرأة البيضاء الجميلة) و العين (بكسر العين) جمع عيناء (الظبية الواسعة العينين: المرأة الجميلة) . و معنى الحور في هذا الموضع «الكتب» (تفسير رسالة الحور، ص 5) . و يبدو أن المؤلف قد أراد بهذه الرسالة أن يجمع أكبر قدر ممكن من معارفه في أوراق يسيرة اعتقادا منه أن هذا الاسلوب مفيد للناشئين حتّى يحيطوا بأنواع العلوم.
4) الأمر-الأمر المهم (الموت) . صاح-ترخيم صاحب.
5) كما تجري السفينة بين أخطار البحر، كذلك نحن نعيش في الدنيا بين أخطارها.
6) التلاحي: التساب و التشاتم و لوم بعض الناس بعضا.
7) محبة الدنيا موجودة دائما في البشر (ما دامت الارواح في الاشباح-ما دام الناس أحياء!) .
8) الردى: الموت. من حتف أنف: الموت الطبيعي في الفراش. أو من دم سفاح (مسفوح، مسفوك) : قتلا.
9) . . . بالعنف مرة و بالإسجاح (اللين و التساهل) مرة.
10) رعش الانسان يرعش (بكسر العين في الماضي و فتحها في المضارع) : اهتز، اضطرب من الخوف أو البرد. هيبة-من الهيبة (الخوف) . و كذلك يخافه من رنا (تطلع) اليه بطرفه (ببصره) اللماح (الذي يختلس النظر اختلاسا من غير تثبت) .
11) سمرقند-مدينة كبيرة في التركستان (سميت به-سميت باسمه: سمر. . . شمر. . .) للّه من غاز و من فتاح: ما أعظمه غازيا للبلاد و فاتحا!
12) أتى بمالك فارس (بملك فارس) كيقاوس في القيد (أسيرا) . يعثر (بفتح الثاء أو كسرها أو ضمها) : يتعثر، يجر (قيوده) . مثخنا بجراح: كثير الجراح في بدنه.
13) حبس شمر يرعش أسيره كيقاوس (قابوس) في بئر، فكان قابوس يستجير بصوت مرتفع.
14) . . . و ما زالت سعدى بنت شمر يرعش تستعطف أباها على قابوس حتّى عطف أبوها عليه و أطلق سراحه و أعطاه مالا و ولاه على بلاد فارس على أن يدفع قابوس الخراج لشمر يرعش.
15) عرك البلاد بكلكل (صدر) فداح (ثقيل) -أخضع البلاد اخضاعا تاما.
16) . . . صاحب عزة و طماح: و هو معتز بنفسه لقوته و طامح الى أن يستولي على أوسع ما يمكن من الارض.
17) قضى نحبه: مات. الحمام: الموت. المتاح: المقدر.
18) أذواء (أصحاب) : ملوك، لأن اسماء ملوك اليمن هي هكذا: ذو يزن، ذو رعين الخ. ثوت (مكثت) في التراب: ماتوا. ملك: رهن، في قبضة (الموت) (لا يبرحون) . الضريح: القبر. الصفاح: قطع عريضة من الصخور (كناية عن أن الميت المقبور لا يستطيع أن يبرح قبره للصفاح الموجودة عليه) .
19) . . . اذا مات الانسان أصبح الناس يطئون عليه (يسيرون بأقدامهم على بقايا جسمه) كما يطئون الأشياء الأخرى في الارض.
20) الحافر في الفرس يقابل القدم في الانسان. الرماح: الذي يرمح (يضرب بحافره) .
21) الدساكر: المزارع (كناية عن اتساع الملك) . الجحافل: الجيوش. المعاقل: الحصون.
22) سكنوا الثرى (التراب) : ماتوا بعد (سكناهم) في القصور و (بعد) لهوهم: بعد الانغماس في الطعام و الشراب و اللهو مع النساء.
23) مدعثرة: متهدمة. الصفاح: الصخر.
24) نشوان بن سعيد يغرق، في هذه النصوص التالية، في المجازات-و في الاستعارات خاصة-و في الاشارات التاريخية و الفلسفية و الدينية الى حد لا يكفي فيه تفسير الألفاظ، فتركت شرح هذه القطعة.
25) أيتها الربوة ذات القرار (الربوة منادى مبني على الضم؛ ذات نعت «ربوة» منصوب لأنه مضاف إلى «القرار») .
26) يجوز في «حديقة» أن تكون منصوبة لأنها معطوفة على العقوة ثم هي مضافة. و لكني قطعتها إلى الرفع لبعد المسافة بينها و بين «العقوة» (خمسة عشر سطرا في الأصل) .
27) الواكب الماشي في موكب (البشر) . الواكن: المختبئ في وكن (بفتح الواو) أو وكنة (بضم الواو) : الطائر.
28) هذه الملة: الاسلام.
29) أبو تراب علي بن أبي طالب[عليه السلام].