الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
ابن باجة
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة:
ص: 17-24
2025-07-02
25
ترجمة ابن باجة من القلائد
وأبو بكر بن باجّة الذي أشار إليه ابن خلدون: هو أبو بكر ابن الصائغ التجيبي السّرقسطي، الذي قال في حقّه لسان الدين في الإحاطة: إنّه آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس، وكان بينه وبين الفتح بن خاقان صاحب القلائد معاداة فلذلك هجاه في القلائد، وجعله آخر ترجمة فيها إذ قال ما نصّه (1) : الأديب أبو بكر ابن الصائغ، هو رمد عين (2) الدين، وكمد نفوس المهتدين، اشتهر سخفاً وجنوناً، وهجر مفروضاً ومسنوناً، فما يتشرّع، ولا يأخذ في غير الأضاليل ولا يشرع، ناهيك من رجل ما تطهّر من جنابة، ولا أظهر مخيلة إنابة، ولا استنجى من حدث، ولا أشجى فؤاده بتوارٍ في جدث، ولا أقر بباريه ومصوّره، ولا قرّ عن تباريه في ميدان تهوّره، الإساءة إليه أجدى من الإحسان، والبهيمة عنده أهدى من الإنسان، نظر في تلك التعاليم، وفكر في أجرام الأفلاك وحدود الأقاليم، ورفض كتاب الله الحكيم العليم، ونبذه وراء ظهره ثاني عطفه، وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واقتصر على الهيئة، وأنكر أن تكون له إلى الله تعالى فيئة، وحكم للكواكب بالتدبير، واجترم على الله اللطيف الخبير، واجترأ عند سماع النهي والإيعاد، واستهزأ بقوله تعالى {إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} (القصص: 85) فهو يعتقد أن الزمان دور، وأن الإنسان نبات أو نور، حمامه تمامه، واختطافه قطافه، قد محي الإيمان من قلبه فما له فيه رسم، ونسي الرحمن لسانه فما يمرّ له عليه اسم، وانتمت نفسه إلى الضلال وانتسبت، ونفت {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت} (غافر: 17) ، فقصر عمره على طرب ولهو، واستشعر كلّ كبر وزهو...، وهام بحادي القطار وسقا، فهو يعكف على سماع التلاحين، ويقف عليه كل حين، ويعلن بذلك الاعتقاد، ولا يؤمن بشيء قادنا إلى الله تعالى في أسلس مقاد، مع منشئ وخيم، ولؤم أصل وخيم (3) ، وصورة شوّهها الله تعالى وقبحها، وطلعة إذا أبصرها الكلب نبحها، وقذارة يؤذي البلاد نفسها، ووضارة يحكي الحداد دنسها، وفند لا يعمر إلا كنفه، ولدد لا يقوّم إلا الصّعاد جنفه، وله نظم أجاد فيه بعض إجادة، وشارف الإحسان أو كاده، فمن ذلك ما قاله في عبد حبشي كان يهواه، فاشتمل عليه أسرٌ سعّر حشاه (4) ، ونقله إلى حيث لم يعلم مثواه، فقال:
يا شائقي حيث لا أسطيع أدركه ... ولا أقول غداً أغدو فألقاه
أمّا النهار فليلي ضمّ شملته ... على الصّباح فأولاه كأخراه
أغرّ نفسي بآمالٍ مزورّة ... منها لقاؤك والأيّام تأباه
وله فيه لمّا بلغه موته، وتحقّق عنده فوته:
ألا يا رزق والأقدار تجري ... بما شاءت نشا أو لا نشاء
هل أنت مطارحي شجوي فتدري ... وأدري كيف يحتمل القضاء
يقولون الأمور تكون دوراً ... وهذا فقده فمتى اللّقاء
وله في الأمير أبي بكر ابن إبراهيم قدس الله تعالى تربته، وآنس غربته، مدائح انتظمت بلبّات الأوان، ونظمت على كل شتيت من الإحسان، فمن ذلك قوله:
توضّح في الدجى طرف ضرير ... سناً بلوى الصريمة يستطير
فيا بأبي ولم أبذل يسيراً ... وإن لم يكفهم ذاك الكثير
بريق لا تقل هو ثغر سلمى ... فتأثم، إنّه حوب وزور
فكيف وما أطلّ الليلُ منه ... ولا عبقت بساحته الخمور
تراءى بالسدير فزاد قلبي ... من البرحاء ما شاء السدير
فلولا أنّ يوم الحشر يقضي ... عليّ بحكم مولى لا يجور
دعوت على المشقّر أن يجازي ... بما تجزى به الدار الغرور
ومنها:
لقد وسع الزمان عليه عدوى ... وضرّ بشبله الليث الهصور
وقلّبنا الزمان فلا بطون ... تضمنت الوفاء ولا ظهور
سوى ذكرٍ أطارحه فلولا ال ... أمير لقد عفا لولا الأمير
همام جوده يصف السّواري ... وسطوته يعيّرها الهجير
وقلنا نحن كيف وراحتاه ... بحور يلتظي فيها سعير
فهل فيما سمعت به خصام ... يكون الخصم فيه هو العذير
وكان الأمير أبو بكر يعتقد له هذه الماتّة ويراها، ويجود أبداً ثراها، فلمّا ولي الثغر والشرق لم يغفله من رعي، ولم يكله (5) إلى شفاعة وسعي، وحمله على ما كان يعتقده فيه من المقت، واستعمله على ما كان يقتضيه خلق الوقت، من إقامة الوعد (6) ، وتسويغه كل نعيم رغد، وتغليب حجّة داحضة، وإنهاض عثرة غير ناهضة، فتقلد وزارته ودولته تزهى منه بأندى من الوسميّ المبتكر، وأهدى من النجم في الليل المعتكر، وألويته تميس زهواً ميس الفتاة، ورعيته تبتهج بملكه ابتهاج حيي بابن الموماة (7)، ومذاهبه يبسطها الفضل وينشرها، وكتائبه لا يكاد العدو يعسرها، فجاش إليه وانبرى، وراش في تنكيلهم وبرى، وأقطعهم ما شاء من مقابحته، وأسمعهم ما يصم بين ختمه ومفاتحته، فوغرت صدورهم السليمة، واعتلت صحة ضمائرهم بنفوسهم الأليمة، ولم يزل يأخذ في الإضرار بهم ولا يدع، ويعلن به ويصدع، حتى تفرق ذلك الجمع، وألقاه بين بصر السباب والسمع، وأفرد الدولة من ولاتها، وجرّدها من حماتها، فاستعجل العدو بذلك واستشرى، وزأر منه على سرقسطة ليث شرى، ولما رأى الشر قد ثار قتامه، وبدا من ليله إعتامه، ارتحل واحتمل، وقال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وأقام ببلنسية يشفي نفسه، ويستوفي أنسه، ونجوم سعدها كل يوم غائرة، والعدو يتربص بها أسوأ دائرة، ويروم منازلتها ثم يدع الاقتحام، ويريد التقدم إليها فيؤثر الإحجام، تهيباً لذلك الملك السريّ، والليث الجريّ، وفي خلال هذه المحاولة، وأثناء تلك المطاولة، عاجل الأمير أبا بكر حمامُه، واستسرّ فيها تمامه (8) ، وأجنّة الثرى، وحاز منه بدر دجنّة وليث شرى، فعطلت الدنيا من علاء وجود، وأطلّت عليها بفقده حوادث أجدبت تهائمها والنجود، وفيه يقول يرثيه بما يسيل الفؤاد نجيعاً، ويبيت به الأسى لسامعه ضجيعاً:
أيّها الملك قد لعمري نعى المج ... د نواعيك يوم قمن فنحنا
كم تقارعت والخطوب إلى أن ... غادرتك الخطوب في الترب رهنا
غير أنّي إذا ذكرتك والده ... ر إخال اليقين في ذاك ظنّا
وسألنا متى اللّقاء فقيل ال ... حشر قلنا: صبراً إليه وحزنا وكثيراً ما يغير هذا الرجل على معاني الشعراء، وينبذ الاحتشام من ذلك بالعراء، ويأخذها من أربابها أخذ غاصب، ويعوضهم منها كل هم ناصب، فهذا ممّا أطال به كمد أبي العلاء وغمه، فإنّه أخذه من قوله يرثي أمه (9):
فيا ركب المنون ألا رسولٌ ... يبلّغ روحها أرج السلام
سألت متى اللّقاء فقيل حتى ... يقوم الهامدون من الرّجام
ولما فاتت سرقسطة من يد الإسلام، وباتت نفوس المسلمين فرقاً منهم في يد الاستسلام، ارتاب بقبح أفعاله، وبرئ من احتذائه بتلك الآراء وانتعاله، وأخافه ذنبه، ونبا عن مضجع الأمن جنبه، فكرّ إلى الغرب ليتوارى في نواحيه، ولا يتراءى لعين لائمه و لاحيه، فلمّا وصل شاطبة حضرة الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين وجد باب نفاذه وهو مبهم، وعاقه عنه مدلول (10) عليه ملهم، فاعتقله اعتقالاً شفى الدين من آلامه، وشهد له بعقيدة إسلامه، وفي ذلك يقول، وهو معقول، ويصرح بمذهبه الفاسد، وغرضه المستاسد:
خفض عليك فما الزمان وريبه ... شيء يدوم ولا الحياة تدوم
واذهب بنفس لم تضع لتحلها ... حيث احتللت بها وأنت عليم
يا صاحبي لفظاً ومعنى خلته ... من قبل حتى بيّن التقسيم
دع عنك من معنى الإخاء ثقيله ... وانبذ بذاك العبء وهو ذميم
واسمح وطارحني الحديث فإنّه ... ليل كأحداث الزمان بهيم
خذني على أثر الزمان فقد مضى ... بؤس على أبنائه ونعيم
فعسى أرى ذاك النعيم وربّه ... مرح ورب البؤس وهو سقيم
هيهات ساوت بينهم أجداثهم ... وتشابه المحسود والمحروم
ولمّا خلص من تلك الحبالة ونجا، وأنار من سلامته ما كان دجا، احتال في إخفاء ماله، واستيفاء آماله، فأظهر الوفاء للأمير أبي بكر بالرثاء له والتأبين، وتداهيه في ذلك واضح مستبين، فإنّه وصل بهذه النزعة من الحماية إلى حرم، وحصل في ذمة ذلك الكرم، واشتمل بالرّعي، وأمن من كلّ سعي، فاقتنى قياناً، ولقنهن أعاريض من القريض وركّب عليها ألحاناً أشجى من النّوح، ولطف بها إلى إشادة الإعلان باللوعة والبوح، فسلك بها أبدع مسلك، وأطلعها نيرات ما لها غير القلوب من فلك، فمن ذلك قوله:
إنّ غراباً جرى ببينهم ... جاوبه بالثنيّة الصّرد
طاروا فها أنت بعدهم جسد ... قد فارق الروح ذلك الجسد
واكتتموا صبحةً بينهم ... فبئس والله ما الذي اعتمدوا وكقوله:
سلام وإلمام ووسميّ مزنة ... على الجدث النائي الذي لا أزوره
أحقاً أبو كبر تقضّى فلا يُرى ... ترد جماهير الوفود ستوره
لئن أنست تلك القبور بلحده ... لقد أوحشت أنصاره وقصوره ومن قلّة عقله ونزارته، أنّه في مدة وزارته، سفر بين الأمير أبي بكر رحمه الله تعالى وبين عماد الدولة بن هود رحمه الله تعالى بعد سعايات عليه أسلفها، وذخائر كانت له على يديه أتلفها، فوافاه أوغر ما كان عليه صدراً، وأصغر ما كان لديه قدراً، فآل به ذلك الانتقال، إلى الاعتقال، فأقام فيه شهوراً يغازله اعلحمام بمقلة شوهاء، وتنازله الأوهام بفطرته الورهاء، وفي ذلك يقول:
لعلّك يا يزيد علمت حالي ... فتعلم أيّ خطب قد لقيت
وإنّي إن بقيت بمثل ما بي ... فمن عجب الليالي أن بقيت
يقول الشامتون شقاء بختٍ ... لعمر الشامتين لقد شقيت
أعندهم الأمان من اللّيالي ... وسالمهم بها الزمان المقيت
وما يدرون أنّهم سيسقوا ... على كره بكأس قد سقيتُ
وعزم عماد الدولة يوماً على قتله، وألزم المرقبين به التحيّل على ختله، فنمي إليه الأمر الوعر، وارتمى به في لجج اليأس الذعر، فقال:
أقول لنفسي حين قابلها الردى ... فراغت فراراً منه يسرى إلى يمنى
قري تحمدي بعض الذي تكرهينه ... فقد طالما اعتدت الفرار إلى الأهنا ثم قضى له قدر قضى بإنظاره، وما أمضى من إباحته ما كان رهين انتظاره، ويمهل الفاجر حكمةً من الله تعالى وعلماً و {إنّما نملي لهم ليزدادوا إثماً} (آل عمران: 178).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القلائد: 300 - 306.
(2) القلائد: جفن
(3) الخيم: الطبيعة والأصل.
(4) القلائد: جواه.
(5) القلائد: لم يغفلها ... ولم يكلها؛ والضمير عائد على " الماتة ".
(6) القلائد: من إقامة كل وغد. ق: من إقامة وعد.
(7) كذا؛ وفي القلائد: ابتهاج جابر بعهد البوباة، وفي النصين خطأ في اسم العلم، أما البوباة والموماة فيدلان على شيء واحد هو الأرض المتسعة؛ وأرى أن الإشارة إلىمن اسمه " جرير " وهو المشهور باسم " المتلمس " إذ يقول في ذكر البوباة:
لن تسلكي سبل البوباة منجدة ... ما عاش عمرو وما عمرت قابوس والبوباة هنا ثنية في طريق نجد.
(8) يريد أنه كان بدراً كاملاً فأصابه السرار.
(9) شروح السقط: 1460، 1468.
(10) القلائد: شيحان مدلول.
الاكثر قراءة في تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
