الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
المهذّب أبو طالب الدمشقي
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج3، ص381-386
27-1-2016
3382
هو المهذّب أبو طالب محمّد بن حسّان بن أحمد بن الحسن بن الخضر اليمنيّ الأصل الدمشقيّ المولد، لا نعرف من تفاصيل حياته الاّ جملة العماد الأصفهاني (خريدة القصر-دمشق 1:335-336) : «و زارني في دمشق في المدرسة التي كنت أدرّس فيها (1)، لمودّة يصفيها، في رابع عشر ربيع الأوّل سنة إحدى و سبعين و خمسمائة.
كان المهذّب الدمشقيّ قليل الرغبة في لقاء الناس، برغم ما انطوت عليه نفسه من المودّة الصحيحة الصادقة. و كان ناثرا أنيق الأسلوب جميل الخيال و شاعرا متين السبك جيّد المعاني و لكنّ شعره قليل الرونق. و أغراض شعره الغزل و النسيب و الوصف و الشكوى و الأدب.
مختارات من آثاره:
- للمهذّب الدمشقيّ رسالة طويلة يمتزج فيها الشعر بالنثر عنوانها «النسر و البلبل» اختصرها العماد الاصفهاني. و في ما يلي نموذج منها (و أوّلها) :
طار طائر عن بعض الشجر، و قد هبّ نسيم السحر و انفلق عمود الفلق و انخرق قميص الغسق (2) مشهور بالقسر موسوم بالنسر، و الليل قد شابت ذؤابته و ابيضّت قمّته (3)، و انهزم زنج الظلماء من صولة روم الضياء. . . . و علا حتى صار روحا لأجساد السحب و نديما لدراري الشهب و عديلا للأفلاك و نزيلا للأملاك (4):
فكأنّه للشمس جسم و السهى... عين، و للمرّيخ قلب يخفق (5)
كأنّما أجنحته ركّبت من العواصف و استلبت من البروق الخواطف، و أخذت من رمز الألفاظ و استعيرت من غمز الألحاظ. . . كأنّه سهم رشق عن قوس القضاء أو نجم أشرق في أفق السماء. و الأرض تحته دخانيّة اللون مائيّة الكون (6). . . . يقبض أجنحته و يبسط و يصعد الى السماء تارة و يهبط. . . . . حتّى أشرف. . . على روض أريض (7) و ظلّ عريض، و أنهار متدفّقة و أشجار مونقة، و طلّ منثور و ورد و منثور (8)، و مكان بهج و زهر أرج (9)، و حديقة نديّة النبات و بقعة مسكيّة النفحات: عنبرية الأرجاء كافوريّة الهواء. . .
كليالي الوصال بعد صدودٍ... من حبيب كالبدر، بل هي أشهى
و من نرجس كأجفان الملاح أو كإشراق تبلّج الصباح، منكّس الأعراق مطرق الأحداق قائم على ساق خضرة ألفيّة نضرة (10). . .
و كم في الروض من بدع و صنعٍ... و آيات تدلّ على القديم (11)
و أسرار يحار العقل فيها... فليس تكون إلاّ من حكيم (12)
و من غصون تجتمع و تفترق و تترنّح و تعتنق، و النسائم تحلّ عقد أزرار الزهر (13)، و الأهوية تفتح أقفال أبواب الحصر (14)، و الشمس تسفر و تنتقب، و حاجب الغزالة (15) يبدو و يحتجب. و العهاد يتعاهد بالقطار أكنافها (16)، و السحب تطرّز بالبروق عذبها و أطرافها (17). و هي آية من آيات الربيع أظهرها للعيان، و معجزة من معجزات القدير أقامها على الزمان (18). . .
فوقف (19) في الهواء حين رآها و قال: هذه غاية النفس و مناها! . . . . أين المذهب (20) و قد حصل المطلب؟ و أين الرواح و قد أسفر الصباح؟ و من بلغ غاية مراده لم يلتفت الى حسّاده، و من نال الأماني لم يبال بالمباني! . . .
فبينما هو صافّ الأجنحة (21) عليها ينظر من الأفق بعين التعجّب إليها، إذ سمع صوتا من بلبل سحريّ على وكر شجري يناغي (22) النسائم بنغمة مزماره و رنّة أوتاره. . . ينثر درّا من عقود ألحانه، و لؤلؤا من أصداف افتنانه بين أفنانه، و يرجّع (23) قراءة مكتوب غرامه و يتلو آيات حزنه في مصحف آلامه. . .
فقال: هذه غريبة أخرى من غرائب القدر، و عجيبة ثانية لم ترها العين و لا هجمت (24) في الفكر، و كاسات خمر تدار في الخمر (25) . . . ثمّ هوى الى القرار (26) لينظر من النافخ في المزمار. فرأى البلبل. . . فقال: السلام عليك من طائر صغير حقير يظهر في صورة كبير خطير، و شاد (27) ظريف طريف بلا أليف و لا حليف، كأنّه سواد خال في بياض خدّ الحبيب أو ظلمة حال المحبّ شاهد وجه الرقيب (28) . . . ويحك! من أين لك هذه الملح المسكيّة النشر و المنح (29) العنبريّة العطر؟ . . .
فقال له البلبل: يا من سبح في بحر التخليط و عام، و ظنّ أن القدر يعطي و يمنع بالأجسام فيعرض عن الصغار و يقبل على العظام. أمّا صغري فلا أقدر على تغييره، و الأمر للصانع الحكيم في تدبيره (30) . أ ما علمت أن الأرواح لطائف و هي أشرف من الأجسام، و الأجسام كثائف (31) و المعتبر فيها جودة الأفهام. و إنسان العين صغير و يدرك الأكوان و الألوان، و الإنسان عظيم و المعتبر فيه الأصغران: القلب و اللسان. . . . . و أمّا النغمة التي قرع طرف سمعك سوط لذّتها، و رشق هدف قلبك نبل (32) طيبتها، فإنّني رصّعت شذرها (33) في عقد ألحاني على نغم بعض الأغاني. و ذلك أنّ هذه الروضة فجّرت أنهارها و غرست أشجارها. . . . و هيّئت على أمر مقدّر لبعض ملوك البشر، فهو يأتيها كلّ ليلة إذا ولّى النهار و أظلمت الأقطار. . . . مع من يختار من أصفيائه، و قد أشعلت له الشموع و اتّقدت بأشعّتها الربوع و نصبت ستائر القيان (34) و اصطفّت صفوف الحور و الولدان و أفرغت شموس الخندريس في أفلاك الكؤوس. . . (35)
و ينقضي ليلهم في لهو و طرب و جدّ و لعب، و هزج و رمل (36) و اعتناق و قبل، و أحاديث كقطع الرياض، و محادثات كبلوغ الأغراض، حتّى يخرج الليل من إهابه و يعرّج على ذهابه و يسفر الصباح (37). . . .
فقال النسر: إنّك سقيتني بحديثك أسكر شراب و فتحت لي بأخبارك أغرب باب. كيف السبيل الى المبيت لتعلّم هذه النغم الشهيّة؟ . . فقال البلبل: بالجدّ و الاجتهاد تدرك المراد. . . و ما حصّلت الأماني بالتواني، و لا ظفر بالأمل من استوطأ فراش الكسل (38). . . . فاذا تقوّست قامة النهار و جعلت رجل الشمس في قيد الاصفرار(39)، و ولّت مواكب النور لقدوم سلطان الديجور، و أنارت روضة السماء بزهر الكواكب (40) و طلعت الشهب من كلّ أفق و جانب، فأت إلى هذا المكان عسى أن تسعدك بمطلوبك عناية الزمان، و اختف عن رامق (41) يراك فانّه أعون على مبتغاك. . .
فلمّا سمع النسر هذا المقال ودّعه و طار. و قال: لعلّ في الانتظار بلوغ الأوطار. و أثبت في نفسه الرجوع و قال(42): أمنع عيني هذه الليلة لذة الهجوع. . . . ثمّ سقط على بعض الأشجار متوخّيا بزعمه مضيّ النهار. و أدركه الكرى فنام و غرق في بحر الكرى و عام. و كلّما حرّكت سواكنه داعيات الطلب. . . قال: الليل بعد في إبّان شبابه، و لعلّه ما جاء الملك مع أصحابه. و ساعة تكفي العاقل، و لمحة تشفي الفاضل. . . و كم نائم حصل مراده و ساهر أخطأه إسعاده.
و لم يزل في رؤيا أحلام الأباطيل و إقامة المعاريض الفاسدة التأويل (43) حتّى وضح فلق الصبح (44) من مشرقه. . . و بدا حاجب أمّ النجوم و امتدّت أشعّتها على التخوم (45). فتنبّه من رقدة غفلته و طار من وكر جهالته. و أمّ (46) روضة البلبل طائرا و نزل عليه دهشا حائرا، و قد تفرّق جمع الملك في السكك (47) تفرّق الشهب في الفلك، و غلّقت أبوابها و تفرّقت أصحابها.
فقال له البلبل: يا هذا، ما الذي شغلك حتّى أشغلك (48)؟ و ما الذي منّاك (49) حتّى عدمت مناك؟ أ ما علمت أنّ من استلذّ المنام و استطاب الأحلام عدم المرام؟ . . . .
فلمّا أكثر البلبل على النسر العتاب و انغلقت (على النسر) أبواب الصواب، ودّعه (النسر) و طار و قد عدم الأوطار. و كذلك حال ذوي الأحوال و من له دعوى الصدق في المقال. و العقّال يؤاخذون بخطراتهم و يطالبون بعثراتهم، و يهجرون لأجل لحظة و يقطعون بسبب لفظة. . . .
_____________________
1) المدرسة العمادية.
2) ظهر نور الصباح (كأن النور حينما يشرق كالعمود يفلق سواد الليل) . الغسق: الظلام.
3) القسر: الإجبار، أخذ الفريسة بالقدرة و العنف. قمة الليل: أعلاه (رأسه) . الذؤابة: ضفيرة الشعر.
4) الزنج: السودان. الروم: اليونان (و هم شعب أبيض في مقابلة الزنج السود) .
5) السها و السهى: كوكب خفي في بنات نعش.
6) مائية الكون: تتألف من الماء (الكون: الوجود-مصدر «كان») .
7) أريض: زكي (الرائحة) معجب للعين.
8) مونق: جميل يعجب العين. الطل: الندى الساقط في الليل. منثور متفرق. المنثور: نوع من الزهر يكون ألوانا مختلفة.
9) أرج: طيب الرائحة.
10) الاعراق جمع عرق: الساق الأخضر الذي ينتهي بزهرة. مطرق الأحداق (العيون) : زهرة النرجس ثقيلة بالنسبة الى الساق الذي تقوم عليه. من أجل ذلك تنحني الساق و تبدو الزهرة عليها كأنها عين مطرقة (تنظر إلى الارض) مفكرة أو خجلة. ألفية: تشبه الحرف «ألف» (مستقيمة) .
11) آيات: علامات، براهين. القديم: اللّه الذي كان موجودا قبل كل شيء.
12) الحكيم: اللّه (الذي أوجد كل شيء على نظام معين ليؤدي عملا مخصوصا) .
13) تحل عقد أزرار الزهر: تجعل براعم الزهر تتفتح (؟) .
14) الأهوية (جمع هواء) تفتح أقفال أبواب الحصر (السجن، الحصن!) -المعنى غامض.
15) الغزالة: الشمس.
16) العهاد: المطر في أول موسم الشتاء. تعاهد (هنا) اعتني بالأمر (توالي سقوط المطر) . القطار: المطر. أكنافها: أطرافها (جميع جهاتها) .
17) العذبة: طرف العمامة، رؤوس الأغصان، الخ.
18) القدير: اللّه.
19) فوقف النسر.
20) المذهب: الذهاب.
21) صاف الأجنحة: جاعلا جناحيه هادئين و هو يحوم في طيرانه (؟) .
22) يناغي: يلاطف، يقارب، يقابل.
23) الافتنان: التفنن، الإتيان بالأشياء متنوعة. الأفنان (جمع: فنن بفتح ففتح) : الاغصان. رجع (بتشديد الجيم) : ردد الصوت في حنجرته، أجاد الغناء.
24) هجس الأمر في باله: خطر له.
25) الخمر (بفتح ففتح) : الستر من الشجر و غيره.
26) هوى الى القرار: سقط، نزل، انخفض. القرار: المستقر من الارض.
27) الشادي: المغني.
28) الخال: نكتة سوداء مجسمة تكون في الوجه (و هي معدودة في سمات الحسن و الجمال) . الرقيب: المراقب: الذي يتتبع المحبين ليفسد عليهم خلواتهم.
29) الملح جمع ملحة (بالضم) : الكلمة المليحة الطريفة. المنحة (بالكسر) : العطية.
30) الصانع الحكيم: اللّه. تدبيره: ايجاد الاشياء على ما قضاه و أحكمه.
31) كثائف جمع كثيفة: مؤلفة من مادة ثقيلة.
32) النبل جمع نبلة (بفتح النون) : السهم.
33) الشذرة (بالفتح) : القطعة الصغيرة من الذهب توضع بين حبات العقد (من اللؤلؤ أو أنواع الخرز) . رصع (هنا) : زين.
34) ستائر القيان: ستائر تنصب حتى يغيي القيان من ورائها (حتى لا يشتغل النظر بما يفوّت على الأذن لذة السماع) .
35) الخندريس: الخمر. أفلاك الكؤوس: كؤوس الخمر التي تدور على الحاضرين كما تدور الكواكب في أفلاكها.
36) الهزج الرمل من أنواع الغناء.
37) الاهاب: الجلد: خرج الليل من اهابه: خلع عنه السواد (اقترب النهار) . أسفر الصباح: كشف عن جهة، طلع.
38) استوطأ الفراش: وجده وطيا (مريحا) . استوطأ فراش الكسل: لذ له الكسل.
39) تقوست قامة النهار: انحنت قامته (كناية عن أن النهار أصبح شيخا، صار في آخره) .
40) الديجور: الظلام. نارت و أنارت، ضاءت. زهر الكواكب: الشديدة اللمعان.
41) الرامق: الناظر.
42) أثبت في نفسه الرجوع: عزم على الرجوع.
43) الاتيان باعتراضات قد يكون ظاهرها كأنه صحيح بينما تأويلها (باطنها، حقيقتها) فاسد.
44) فلق الصبح: ظهور عمود النور في الصباح واضحا.
45) أم النجوم: الشمس. التخوم: اطراف الأرض.
46) أم: قصد.
47) السكك جمع سكة (بكسر السين) : الطريق.
48) شغله: ألهاه. أشغله (ليست في القاموس) : ملأ وقته بالعمل و صرفه عن مقصده.
49) مناك: أطمعك بالحصول على ما هو فوق طاقتك.