الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
العميدي
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج3، ص108-112
29-12-2015
4095
العميدي (1)هو أبو سعد (2) محمّد بن أحمد بن محمّد العميديّ، سكن مصر و ولي فيها ديوان الترتيب ثمّ عزل عنه سنة 413 ه ، في أيام الظاهر الفاطمي. و بعد أمد تولّى ديوان الإنشاء في صفر من سنة 432(خريف 1040 م) . و كانت وفاته يوم الجمعة في خامس جمادى الثانية 433(29/1/1041 م) .
كان أبو سعد العميديّ أديبا فاضلا عالما باللغة و النحو و كان شاعرا كثير الميل الى المحسّنات اللفظية في شعره و في نثره، كما كان كاتبا مترسّلا و لكن لم يصل إلينا شيء من رسائله. ثمّ هو مصنّف له: تنقيح البلاغة (في عشر مجلّدات) -انتزاعات القرآن-الإبانة عن سرقات المتنبّي لفظا و معنى-الإرشاد الى حلّ المنظوم و الهداية الى نظم المنثور (3) -العروض-القوافي.
و كتاب «الإبانة» ، كما جاء في انباه الرواة (3:47) ، كتاب «حسن يدل على اطّلاع كثير» . و الكتاب في ثمان و ثمانين صفحة فيه مقدّمة في النقد و في السبب الذي ألّف من أجله. ثمّ يأتي سرد طويل لأبيات نفر كثيرين من الشعراء أخذ المتنبّي منهم. و قد يعلّق العميديّ على مآخذ المتنبّي من الشعراء و يبيّن ما فيها من الضعف، و ربّما مدح قول المتنبّيّ برغم أنّه أخذ المعنى من غيره. فقد أورد العميديّ بيتين لبشّار بن برد و لأبي نواس هما على التوالي (ص 49) :
و ظنّ، و هو مجدّ في هزيمته... ما لاح قدّامه شخصا يسابقه (4)
فكلّ كفّ رآها ظنّها قدحا... و كلّ شيء رآه ظنه الساقي
ثمّ أورد قول المتنبّي:
و ضاقت الأرض حتّى كان هاربهم... إذا رأى غير شيء ظنّه رجلا
فعلّق عليه بقوله: «و هذا المعنى هو السحر الحلال الذي رزقه (المتنبّي) و حرمه غيره» .
و العميديّ يذهب مذهب ابن سلاّم الجمحيّ و مذهب ابن قتيبة في جيّد الشعر و رديئه (5) (راجع النصّ النثري) .
مختارات من آثاره:
- من مقدّمة كتاب «الابانة» :
و من لم يتميّز من العلوم بمزيّة تقدّم و تخصّص ساق المحسنين (6)بلسان ذم و نقص. . . . و أكثر آفات كتّاب زماننا و شعرائه أنّهم لا يهتدون لتعليل الكلام و تشقيقه (7)، و يتّبعون الهوى فيضلّهم عن منهج الحقّ و طريقه. فإذا سمعوا فصلا من كتاب أو بيتا من شعر ممّن لا يكاد يفهم و لا يجيل في الأدب قدحا (8)، و لا يعرف هجاء و لا مدحا، فهو يحكم على قائله بالسبق و التفخيم و الإجلال و التعظيم. . . (فقد) اعتمد (هؤلاء في ذلك) الاعتقاد دون الانتقاد و قبلوه بالتقليد و الاختيار و قابلوه بالامتثال دون الاعتبار. . . . و ليست هذه الخصلة من خصال الأدباء الذين هذّبتهم الآداب فصاروا قدوة و أعلاما، و درّبتهم العلوم فأصبحوا بين الناس قضاة و حكّاما. إنّما يذهب في مدح الشعراء و الكتّاب مذهب التقليد من يكون في علومه خفيف البضاعة قليل الصناعة. . . . . فأمّا من رزق من المعرفة ما يميّز (به) بين غثّ الكلام و سمينه و يفرّق بين سخيفه و متينه، (ثمّ) أوتي من العقل ما يحسن أن يعدل به في القضيّة غير عادل (9) عن الإنصاف و يحكم بالسويّة غير مائل الى الإسراف و الإجحاف (10)، فالأولى به ألاّ ينظر إلى أحد إلاّ بعين الاستحقاق و الاستيجاب (11)؛ و لا يجلّ أحدا الاّ بقدر محلّه من الآداب فلا يعظّم الجاهليّين (12) إذا أخّرتهم معايب أشعارهم، و لا يستحقر المحدثين لتأخّرهم (في الزمن) إذا قدّمتهم محاسن آثارهم. . . . .
و قد جرى يوما حديث المتنبّي في بعض مجالس أحد الرؤساء فقال أحد حاملي عرشه: «سبحان من ختم بهذا الفاضل الفحول من الشعراء و أكرمه و جعل له من المحاسن ما يعثره (13) فيه كلّ من تقدّمه. و لو أنصف لعلّق شعره كالسبع المعلّقات (على) الكعبة، و لقدّم على شعراء الجاهلية في الرتبة. . . . (و لم يقل) شاعر إسلاميّ و لا جاهليّ مثل قوله في صفة الفرس:
رجلاه في الركض رجل و اليدان يد... و فعله ما يريك الكفّ و القدم
لقد أبدع المتنبّي ما شاء و أغرب و أفصح عن الغرض و أعرب» .
فقلت: للأقيشر ما يقارب هذا المعنى في نعت فرسه، و هو قوله: . . . . .
رجلاه رجل و اليدان يد... إذا أحضرته، و المتن أذلق سالم (14)
فصاح و قال: «يا قوم، أ هذا شعر إنسان له مسكة من عقله بها (15) من فضّله؟ و اللّه، إنّ للمتنبّي غلمانا و أتباعا أجلّ من هذا البليد المجهول. من أيّ قبيلة هذا الساحر (16) الذي تكلّم بمثل هذا الفضول؟»
فقلت: عافاك اللّه! حديثنا في الإبداع لا في الأتباع (17)، و في الآداب لا في الأنساب. ليس تغني المتنبّي جلالة نسبه مع ضعف أدبه، و لا يضرّه خلاف دهره مع اشتهار ذكره.
و لقد تأمّلت أشعاره كلّها فوجدت الأبيات التي يفتخر بها أصحابه و تعتبر بها آدابه من أشعار المتقدّمين منسوخة و من معانيهم المخترعة مسلوخة. و إنّي لأعجب، و اللّه، من جماعة يغلون (18) في ذكر المتنبّي و أمره و يدّعون الإعجاز في شعره و يزعمون أن الأبيات المعروفة له هو مبتدعها و مخترعها و محدثها و مقترعها (19)، لم يسبق الى معناها شاعر و لم ينطق بأمثالها باد و لا حاضر (20). . . . .
و لست-يعلم اللّه-أجحد فضل المتنبّي و جودة شعره و صفاء طبعه و حلاوة كلامه و عذوبة ألفاظه و رشاقة نظمه، و لا أنكر اهتداءه لاستكمال شروط الأخذ إذا لحظ المعنى البديع لحظا و (لا) استيفاءه حدود الحذف إذا سلخ (المعنى) فكساه من عنده لفظا. و لا أشكّ في حسن معرفته بحفظ التقسيم (21) الذي يعلق بالقلب موقعه، و إيراد التجنيس الذي يملك النفس مسمعه. . . و غوصه في الفهم على ما يستصفى ماؤه و رونقه، و سلامة كثير من أشعاره من الخطأ و الخلل و الزلل و الدخل (22). . . . و أشهد أنّه عن درجته غير نازل و لا واقع، و أعرف أنه مليح الشعر غير مدافع. غير أنّي-مع هذه الأوصاف الجميلة-لا أبرّئه من سرقة، و لا أرى أن أجعله و أبا تمّام الذي كان ربّ المعاني في طبقة (23)، و لا ألحقه في سهولة الألفاظ و عذوبتها و رشاقة المعرض (24) و مجانبة التصنّع و التكلّف بالبحتريّ، و لا أقيسه في امتداد النفس و علم اللغة و الاقتدار على ضروب الكلام و تصوّر المعاني العجيبة و التشبيهات الغريبة و الحكم البارعة و الآداب الواسعة بابن الروميّ (25)، و لا أتهالك في مدحه تهالك من يتعصّب له تقليدا و يغلو فلا يجعل له بين هؤلاء و بينه من الفضلاء أمدا بعيدا. و لا أطعن في دينه و لا نسبه، و لا أذمّه لاعتقاده و مذهبه. . . . .
- قال أبو سعد العميديّ في الزهد على التجنيس:
إذا ما ضاق صدري لم أجد لي... مقرّ عبادة إلاّ القرافه
إذا لم يرحم المولى اجتهادي... و قلّة ناصري لم ألق رافه (26)
__________________
1) ذكر بروكلمان اثنين بلقب العميدي: ركن الدين أبا حامد محمد بن محمد السمرقندي العميدي (ت 615 ه-1218 م) ، و كان صوفيا (1:568، الملحق 1:785) ثم سيف الدين أبا الحسن علي بن أبي علي بن محمد الثعالبي العميدي (ت 631 ه-1233 م) و كان فقيها (1:494، الملحق 1:678) . .
2) في انباء الرواة (3:46) : أبو سعيد.
3) في انباه الرواة (3:46) يرد هذا العنوان مقسوما عنوانين كأنه اسم كتابين.
4) و ظن. . . أن ما (الذي، كل شيء) قدامه شخص (عدو له) يسابقه (ليقطع عليه الطريق) .
5) راجع الجزء الثاني، ص 244 و 329.
6) ذم المحسنين في النثر و النظم (جهلا منه بقواعد النقد) .
7) تشقيق الكلام: اخراجه أحسن مخرج (القاموس 3:251) ، اي تطلب أحسن ما يمكن أن ينطوي عليه من المعاني.
8) القدح (بالكسر) السهم، أو السهم قبل أن يلصق بآخره ريش (و يستخدم حينئذ في الميسر-لعب القمار) : لا يجيل في الادب قدحا: ليس له خبرة برواية الادب.
9) عادل: مائل (جائر، ظالم) .
10) الاسراف: التبذير (الانفاق في غير طاعة) : الحكم في الادب بالمبالغة من غير معرفة. أجحف به: ذهب به (نقصه شيئا من حقه) .
11) الاستيجاب (؟) : الاستجابة (القبول لما يقضي به الحق) .
12) في الاصل: الجاهلية (بالهاء) .
13) كذا في الأصل. اقرأ: يعثر (؟) كل من تقدمه (يخطئ فيه أولئك الذين جاءوا قبل المتنبي) .
14) أحضرته: جعلته يسابق (الخيل) . المتن: الظهر. أذلق: له حد، ظهره مستو (غير كثير الانخفاض) . و ذلق (بتشديد اللام) الفرس: ضمره.
15) المسكة (بالضم) : العقل الوافر. مسكة من عقل: قليل من عقل. -من عقله به من فضله (كذا في الأصل) يبدو أنه ينقص كلمة أو أكثر من كلمة قبل «بها» : «يتعلق بها» .
16) الساحر (كذا) . الشاعر (؟) .
17) الابداع (بكسر الهمزة) : الاحسان. الاتباع (بفتح الهمزة جمع تابع: خادم مقلد) .
18) غلا الرجل يغلو في أمر: بالغ، جاوز الحد.
19) مقترعها: مختارها، المختار لها، الذي اختارها.
20) البادي: البدوي. الحاضر: الساكن في الحضر (المدن) . البادي و الحاضر: جميع الناس.
21) التقسيم من وجوه البلاغة: التسهيم، نحو: «بيض صنائعنا خضر مرابعنا. . .» حفظ التقسيم (؟) .
22) الخطأ (الغلط، مجانبة الصواب) و الخلل (النقص، للجهل بالموضوع) و الزلل (الخطأ لقلة العلم) الدخل (الفساد في العقل أو الجسم) .
23) في طبقة-في طبقة واحدة (على مستوى واحد مع أبي تمام) .
24) رشاقة المعرض (؟) -العرض: التعبير (جمال التعبير) .
25) يرى العميدي أن «المتنبي» أدنى مرتبة من أبي تمام و البحتري و ابن الرومي كثيرا (أمدا بعيدا: مسافة طويلة) .
26) القرافة: مقبرة في مصر القديمة (بظاهر القاهرة) . رافه-رأفة.