نظراً لسعة دائرة صلة الرحم من جهة، وعدم قدرة الإنسان على المداومة على هذه الصلة مع جميع الأرحام من جهة ثانية، فقد عنيت الآيات والأحاديث والروايات بمراعاة مسألة التراتب في صلة الرحم(1). ووفقاً للروايات الواردة فإنّ درجات صلة الرحم تنتظم بحسب الترتيب التالي:
1. الوالدان، والأولوية للأم؛ 2. الأخوة والأخوات؛ 3. سائر القرابة النسبية (العشيرة: الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبناء الأعمام... إلخ؛ 4. القرابة السببية (الأصهار و...) وسيأتيك تفصيل ذلك لاحقاً. طبعاً، يمهد الزواج السبيل للحقوق السبب بالنسب.
روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: خَمسُ تَمَرَاتٍ أَوْ خَمْسُ قُرَصِ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ يَمْلِكُهَا الإِنْسَانُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُمْضِيَهَا فَأَفْضَلُهَا مَا أَنْفَقَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى وَالِدَيْهِ ثُمَّ الثَّانِيَةُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ ثُمَّ الثَّالِثَةُ عَلَى قَرَابَتِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ الرَّابِعَةُ عَلَى جِيرَانِهِ الفُقَراءِ ثُمَّ الْخَامِسَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَهُوَ أَخَسُّهَا أَجْراً(2)؛ بمعنى أن للأقسام الخمسة جميعاً ثواب لأنها بأمر الله وفي سبيله بيد أن ثواب الصدقة أقل من ثواب الأمور الأربعة الأخرى.
وقال الإمام الحسين (سلام الله عليه): سمعت جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: [بالنسبة لمراعاة حقوق القرابة] ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُم أَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ وقال: لا صَدَقَةَ وَذُو رَحِمٍ مُحتاج(3).
وقال (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (سلام الله عليه): يَا عَلي! سِرْ سَنَتَيْنِ بَرَّ وَالِدَيْكَ وَسِرْ سَنَةٌ صِل رَحِمَك(4).
أمثلة صلة الرحم
العبارات التي تبين أمثلة ومصاديق الأقارب والأرحام الواردة في الآيات والأحاديث والروايات عبارة عن الوالدان، الأم، الأب، الأسرة، الابناء، البنت، الابن، الزوجة، الزوج، الأخ، الأخت، وسائر الأرحام النسبيين والأقارب السببيين مثل والد الزوجة وأم الزوجة والصهر... إلخ، حيث وردت روايات في كل من هذه القرابات بحسب الترتيب.
1ـ الإحسان بالوالدين
الوالدان
إن الإحسان بالوالدين (ضمن عنوانه الكلي) من الأهمية بحيث حتـى الشرك لا يحول دونه، ولكن طبعاً مع الاحتراز من عقائدهما الشركية، فقد نهت تعاليم الدين عن توجيه أدنى أساءة أو ضرر إليهما، وأوصت بالتعامل معهما بمنتهى التواضع والمحبة في حياتهما ومماتهما، وجعلت ذلك معادلاً للصلاة والجهاد والحج... إلخ؛ وشكرهما يعادل شكر الله. ولا شك أن ما ورد في آيات القرآن لخير دليل على أهمية الإحسان بالوالدين:
1. {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].
2. {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24].
3. {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].
عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (سلام الله عليه) قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(5).
وعن الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه) أنه قال: ثَلَاث لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَحَدٍ فِيهِنَّ رُحْصَةٌ: أَدَاءُ الأَمَانَة إِلى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ بَرَّيْنِ كَانَا أَوْ فَاجِرَيْنِ(6). ويستمر هذا التكليف تجاه الوالدين حتـى بعـد موتهما. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سَيِّدُ الأَبْرَارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ بَرَّ وَالِدَيْهِ بَعْدَ موتهما(7).
بعض أوقات الإحسان بالوالدين
ليس للإحسان بالوالدين وقت، ولكن في أوقات معينة يتضاعف ثوابه ويتنامى، حيث روي عن الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه): مَا مِنْ عَمَلٍ أَفْضَلَ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ دَمٍ مَسْفُوكِ أَوْ مَشْي فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَوْ ذِي رَحِمٍ قَاطِع(8).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ غُفِرَ لَهُ وَكُتِبَ بَراً(9).
بعض آثار الإحسان بالوالدين
رضا الله: رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ مَا كَتَبَهُ اللهُ فِي اللّوْحِ المَحْفُوظ: إِنِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا مَنْ رَضِيَ عَنْهُ وَالِدَاهُ فَأَنَا عَنْهُ رَاضٍ(10).
نزول رحمة السماء: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ بِالرَّحْمَةِ فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ: عِنْدَ نُزُولِ المطَرِ وَعِنْدَ نَظَرِ الْوَلَدِ فِي وَجْهِ الْوَالِدَيْنِ وَعِنْدَ فَتْحِ بَابِ الكعبة وعند النكاح(11).
الفوز بأعلى غرف الجنة: روي عن الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه) قوله: أَرْبَعُ مَنْ كُنَّ فِيهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْكَنَهُ اللهُ فِي أَعْلَى عِلَّيِّينَ فِي غُرَفٍ فَوْقَ غُرَفِ فِي مَحَلَّ الشَّرَفِ كُلَّ الشَّرَفِ... مَنْ أَنْفَقَ عَلَى وَالِدَيْهِ وَرَفَقَ بِهِمَا وَبَرَّهُمَا وَلَمْ يَحْزُنهما(12).
الفوز في ظلّ العرش الإلهي: روي عن الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) قوله: بَيْنَا مُوسَى بن عمران (سلام الله عليه) يُنَاجِي رَبَّهُ عزّ وجلّ إِذْ رَأَى رَجُلاً تَحْتَ ظِلَّ عَرْشِ الله عزّ وجلّ، فَقَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ أَظَلَّهُ عَرْشُكَ؟ فَقَالَ: هَذَا كَانَ بَارًا
بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَمْشِ بِالنَّمِيمَةِ(13).
علامة التشيّع: قال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): فَوَاللَّهُ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ
اتَّقَى اللَّهَ... وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ... وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْن(14).
الأم
معرفة منزلة الأم وفداحة ما تحمّلته في سبيل ابنها، هو مفتاح التعرف على مقامها الشامخ، وقد روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قوله: وَأَمَّا حَقُّ أُمِّكَ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتْكَ حَيْثُ لا يَحْتَمِلُ أَحَدٌ أَحَداً وَأَعْطَتْكَ مِنْ ثَمَرَةٍ قَلْبِهَا مَا لا يُعْطِي أَحَدٌ أَحَداً وَوَقَتْكَ بِجَمِيعِ جَوَارِحِهَا وَلَمْ تُبَالِ أَنْ تَجُوعَ وَتُطْعِمَكَ وَتَعْطَشَ وَتَسْقِيَكَ وَتَعْرَى وَتَكْسُوَكَ وَتَضْحَى وَتُظِلَّكَ وَتَهْجُرَ النَّوْمَ لِأَجْلِكَ وَوَقَتْكَ الْحُرَّ وَالْبَرْدَ لِتَكُونَ لَهَا، فَإِنَّكَ لا تُطِيقُ شُكْرَهَا إِلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِه(15).
حق الأم أولاً
حق الأم كبير وعظيم لدرجة أنه يفوق حتى حق الأب، ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِذَا كُنْتَ فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ فَإِنْ دَعَاكَ وَالِدُكَ فَلَا تَقْطَعْهَا(16)، وَإِنْ دَعَتْـكَ
وَالِدَتُكَ فَاقْطَعْهَا(17).
زيادة برّ الأم
عن الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه): قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (سلام الله عليه): يَا رَبِّ! أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ بِي، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ بِي ثَلَاثَاً. قَالَ يَا رَبِّ أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ بِأُمِّكَ. قَالَ: يَا رَبِّ أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ بِأُمِّكَ. قَالَ: أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ بِأَبِيكَ. قَالَ: فَكَانَ يُقَالُ لِأَجْلِ ذَلِكَ أَنَّ لِلأُمْ ثُلْتَي الْبِرِّ وَلِلأَبِ الثُّلث(18).
ملاحظة: على الرغم من تأكيد الأحاديث النبوية الشريفة على زيادة الإحسان بالأم قياساً بالأب، ولكن يبدو إنّ إيصاء النبي موسى (سلام الله عليه) بوالدته في الرواية أعلاه هو لخصوصية مكانتها عنده.
قال الإمام الرضا (سلام الله عليه) في تقدم حق الأم: وَاعْلَمْ أَنَّ حَقَّ الأُمِّ أَلْزَمُ الْحُقُوقِ وَأَوْجَبُهَا لِأَنَّهَا حَمَلَتْ حَيْثُ لا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَداً وَوَقَتْ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَجَمِيعِ الجُوَارِحِ مَسْرُورَةٌ مُسْتَبْشِرَةً بِذَلِكَ، فَحَمَلَتْهُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمُكْرُوهِ وَالَّذِي لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَرَضِيَتْ بِأَنْ تَجُوعَ وَيَشْبَعَ وَلَدِها وَتَظْمَأَ وَيَرْوَى وَتَعْـرَى وَيَكْتسِيَ وَيظِلَّ وَتَضْحَى فَلْيَكُنِ الشُّكْرُ لَهَا وَالْبِرُّ وَالرِّفْقُ بِهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كُنتُمْ لا تُطِيقُونَ بِأَدْنَى حَقَّهَا إِلَّا بِعَوْنِ اللهِ وَقد قَرن الله عزّ وجلّ حقها بحقه، فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14](19).
الأب
الخطوة الأولى في الإحسان بالأب معرفة حقه ومنزلته. فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): رِضا الرَّبِّ فِي رِضًا الْوَالِدَ وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدَ(20).
الأب، أصل النعم
قال الإمام زين العابدين (سلام الله عليه): وَأَمَّا حَقُّ أَبِيكَ فَتَعْلَمُ أَنَّهُ أَصْلُكَ وَأَنَّكَ فَرْعُهُ وَأَنَّكَ لَوْلاهُ لَمْ تَكُنْ، فَمَهُمَا رَأَيْتَ فِي نَفْسِكَ مِمَّا يُعْجِبُكَ فَاعْلَمْ أَنَّ أَبَاكَ أَصْلُ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِيهِ وَاحْمَدِ اللَّهَ وَاشْكُرْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ(21).
وقال الإمام الرضا (سلام الله عليه)، في ذلك: عَلَيْكَ بِطَاعَةِ الأَبِ وَبِرهِ وَالتَّوَاضُعِ والخضُوعِ وَالإِعْظَامِ وَالإِكْرَامِ لَهُ وَخَفْضِ الصَّوْتِ بِحَضْرَتِهِ فَإِنَّ الْأَبَ أَصْلُ الابْنِ وَالابْنَ فَرْعُهُ لَوْلاهُ لَمْ يَكُنْ يُقَدِّرُهُ اللهُ ابْذُلُوا هُمُ الْأَمْوَالَ وَالْجَاءَ وَالنَّفْسَ وَقَدْ أَرْوِي أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ فَجُعِلَتْ لَهُ النَّفْسُ وَالْمالُ تَابِعُوهُمْ فِي الدُّنْيَا أَحْسَنَ المتابَعَةِ بِالْبِرِّ وَبَعْدَ المَوْتِ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَالتَّرَحمِ عَلَيْهِمْ...(22).
طبعاً ليس معنى هذا أنّ للأب الحق في جفاء ولده، لأنه إن فعل ابتلي بعقوق الابن.
عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (سلام الله عليه): مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ؟ قَالَ: قُوتُهُ بِغَيْرِ سَرَفٍ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَقَوْلُ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) لِلرَّجُلِ الَّذِي أَتَاهُ فَقَدَّمَ أَبَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا جَاءَ بِأَبِيهِ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا أَبِي وَقَدْ ظَلَمَنِي مِيرَاثي مِنْ أُمِّي فَأَخْبَرَهُ الأَبُ أَنَّهُ قَدْ أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الرَّجُلِ شَيْءٌ أَفَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَحْبِسُ الأب للابن(23).
مواصلة بر الأب
أوصى الإمام الرضا (سلام الله عليه) بالدعاء للأب بعد الموت بقوله: عَلَيْكَ بِطَاعَةِ الأَبِ وَبِرهِ... وَبَعْدَ الْمَوْتِ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَالتَّرَحُمِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ مَنْ بَرَّ أَبَاهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يَدْعُ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ سَمَّاهُ اللَّهُ عَاقَا(24).
وروي عن الإمام محمد الباقر (سلام الله عليه) أنه قال: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَكُونُ بَارًا بِوَالِدَيْهِ في حَيَاتِهَا ثُمَّ يَمُوتَانِ فَلا يَقْضِي عَنْهُمَا الدَّيْنَ وَلا يَسْتَغْفِرُ ما فَيَكْتُبُهُ اللهُ عَاقاً(25).
قطعية الرحم بالوالدين
لقد ذم الله تعالى قطيعة الرحم بالوالدين وأنذر الذين يحقرون والديهم ويسيئون إليهم بسوء المنقلب.
وجاء في القرآن الكريم {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [الأحقاف: 17، 18].
لا تختص هذه الآية على الكافرين، وإنما هي تدور مدار إهانة الوالدين وتحقيرهم؛ كما يذم الله تعالى في آية أخرى هذا العمل بقوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23].
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إِيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ تُوجَدُ مِـنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَلَا يَجِدُهَا عَاقٌ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ...(26).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): أدْنَى الْعُقُوقِ أُفٍّ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ أَيْسَرَ مِنْهُ لنهى عنه(27)؛ وعنه (سلام الله عليه) أيضاً: مَنْ نَظَرَ إِلَى أَبَوَيْهِ نَظَرَ مَاقِتٍ وَهُمَا ظَالِمَانِ لَهُ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاة(28).
لعمري إنّ قتل الوالدين هو أشد مرحلة في عقوقها، فقد قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): إِنَّ فَوْقَ كُلِّ عُقُوقِ عُقُوقاً حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ أَحَدَ وَالِدَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فَوْقَهُ عُقُوق(29). والمقصود بعقوق الوالدين الظلم والأذى والعصيان الذي يوجب قطيعة الرحم بهما(30).
آثار سوء معاملة الوالدين
تترتب على سوء معاملة الوالدين(31) عقوبات في هذه الدنيا فضلاً عن عذاب شديد في الآخرة. وقد قال الله تبارك وتعالى في حديث قدسي شريف: بعزتي وَجَلالي وَارْتفاع مَكَاني! لَو أَنَّ العاقَ لِوالِدَيهِ يَعْمَل بِأَعْمَالِ الأَنبياء (سلام الله عليهم) جَميعاً لَم أَقْبَلْها مِنهُ(32).
وقال الإمام الهادي (سلام الله عليه): الْعُقُوقُ يُعَقِّبُ الْقِلَّةَ وَيُؤَدِّي إِلَى الذُّلَّةِ(33). وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): الذُّنُوبُ... الَّتِي تَرُدُّ الدُّعَاءَ وَتُظْلِمُ الْهَوَاءَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْن(34).
الدعاء للوالدين
بالإضافة إلى الإحسان بالوالدين، حري بالمؤمن أن يدعو لهما بدعاء الإمام زين العابدين (سلام الله عليه) ويسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقه توفيق الأدب إزاءهما واحترامهما وبرهما، وهذا الدعاء هو:
(1) اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَاخْصُصْهُمْ بِأَفْضَلِ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَسَلَامِكَ؛
(2) وَاخْصُصِ اللَّهُمَّ وَالِدَيَّ بِالْكَرَامَةِ لَدَيْكَ، وَالصَّلَاةِ مِنْكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ؛
(3) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَلهِمْنِي عِلْمَ مَا يَجِبُ هُمَا عَلَيَّ إِلهاماً، وَاجْمَعْ لِي عِلْمَ ذَلِكَ كُلِّهِ تَمَاماً، ثُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِمَا تُلْهِمُنِي مِنْهُ وَوَفِّقْنِي لِلنُّفُوذِ فِيهَا تُبَصِّرُنِي مِـنْ عِلْمِهِ حَتَّى لا يَفُوتَنِي اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ عَلَّمْتَنِيهِ، وَلَا تَنْقُلَ أَرْكَانِي عَنِ الْحُفُوفِ فِيمَا أَلهمْتَنِيهِ؛
(4) اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَمَا شَرَّفْتَنَا بِهِ، وَصَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، كَمَا أَوْجَبْتَ لَنَا الْحَقَّ عَلَى الْخُلْقِ بِسَبَبِهِ؛
(5) اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُها هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الأُمِّ الرَّؤُوفِ، وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وَبِرِي بِهمَا أَقَرَ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ، وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ حَتَّى أُوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا، وَأَقَدِّمَ عَلَى رِضَايَ رِضَاهُمَا وَأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وَإِنْ قَلَّ، وَأَسْتَقِلْ بِرِّي بِهِمَا وَإِنْ كَثُرَ؛
(6) اللَّهُمَّ خَفْضَ هُمَا صَوْتي، وَأَطِبْ لهُما كَلامِي، وَأَلِنْ لهُما عَرِيكَتِي، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وَصَيَّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً؛
(7) اللَّهُمَّ اشْكُرْ لهُمَا تَرْبِيَتِي، وَأَثْبُهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي، وَاحْفَظْ لهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنِّي في صِغَرِي؛
(8) اللَّهُمَّ وَمَا مَسَّهُمَا مِنِّي مِنْ أَذًى، أَوْ خَلَصَ إِلَيْهِمَا عَنِّي مِنْ مَكْرُوهِ، أَوْ ضَاعَ قِبلي لهُمَا مِنْ حَقٌّ فَاجْعَلْهُ حِطَّةٌ لِذُنُوبِهِمَا، وَعُلُوا فِي دَرَجَاتِهَما، وَزِيَادَة فِي حَسَنَاتِهَا، يَا مُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ؛
(9) اللَّهُمَّ وَمَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ أَسْرَنَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ ضَيَّعَاهُ لي مِنْ حَقِّ، أَوْ قَصَّرَا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِبٍ فَقَدْ وَهَبْتُهُ هُمَا، وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا، فَإِنِّي لا أَتَّسِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي، وَلَا أَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِي، وَلَا أَكْرَهُ مَا تَوَلَّيَاهُ مِنْ أَمْرِي يَا رَبِّ؛
(10) فَهُمَا أَوْجَبُ حَقًّا عَلَيَّ، وَأَقْدَمُ إِحْسَانًا إِلَيّ، وَأَعْظَمُ مِنَّةٌ لَدَيَّ مِنْ أَنْ أَقاصَّهُمَا بِعَدْلٍ، أَوْ أَجَازِيَهُمَا عَلَى مِثْلٍ، أَيْنَ إِذَاً يَا إِلهي طُولُ شُغْلِهِمَا بِتَرْبِيَتي وَأَيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا فِي حِرَاسَتِي وَأَيْنَ إِقْتَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ؛
(11) هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوْفِيَانِ مِنِّي حَقَّهُمَا، وَلَا أُدْرِكُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ لهُمَا، وَلَا أَنَا بِقَاضٍ وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ، وَوَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ، وَلا تَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ؛
(12) اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَاخْصُصْ أَبَوَيَّ بِأَفْضَلِ مَـا خَصَصْتَ بِهِ آبَاءَ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَأُمَّهَاتِهِمْ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ؛
(13) اللَّهُمَّ لَا تُنْسِنِي ذِكْرَهُمَا فِي أَدْبَارِ صَلَوَاتِي، وَفِي إِنًى مِنْ آنَـاءِ لَيْلِي، وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ نَهَارِي؛
(14) اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاغْفِرْ لِي بِدُعَائِي لهُمَا، وَاغْفِرْ لَّهُمَا بِرِّهِمَا بِي مَغْفِرَةٌ حَتْماً، وَارْضَ عَنْهُمَا بِشَفَاعَتِي لهُمَا رِضًى عَزْماً، وَبَلْغْهُمَا بِالْكَرَامَةِ مَوَاطِنَ
السَّلامَة؛
(15) اللَّهُمَّ وَإِنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لهُمَا فَشَفَعْهُمَا فِيَّ، وَإِنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لِي فَشَفَعْنِي فِيهِمَا حَتَّى نَجْتَمِعَ بِرَأْفَتِكَ فِي دَارِ كَرَامَتِكَ وَتَحَلَّ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ، إِنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَالْمَنَّ الْقَدِيمِ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(35)؛
2ـ الإحسان بالأسرة
الأسرة
إنها الملاذ الأول لاعتلاء الإنسان وسكينته(36) ما يجعل مهمة المحافظة عليها وصيانتها مسؤولية خطيرة وثقيلة، لأنّ في ذلك خلاصه من الآلام والعذابات الدنيوية والأخروية(37). لقد اعتنى القرآن الكريم والأحاديث والروايات الشريفة عناية خاصة بالأسرة وجاءت بجمهرة من الأحكام والتعاليم لرفعة الأسرة ورشادها، وتحقيق رفاهيتها واستقرارها وتعاليها من خلال تمثل تلك التعاليم، والتضرع إلى الله الباري لينعم عليها بالخلاص والسكينة.
عندما هاجر النبي ابراهيم (سلام الله عليه) مع زوجته وولده إلى مكة امتثالاً لأمـر ربه، رفع يديه متضرعاً إلى الله بالدعاء قائلاً: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]؛ وكذلك النبي لوط الذي دعــا قـومـه لـيـلاً ونهاراً ليؤمنوا ولكن لم يفلح في إنقاذهم من العذاب، فدعا ربه لنجاة المؤمنين من أسرته قائلاً:
{رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} [الشعراء: 169].
والنبي يعقوب (سلام الله عليه) من أجل تأمين حاجة أسرته قام بإرسال أبنائه إلى عزيز مصر لأخذ ما يسد رمقهم من القمح ليجتازوا محنة القحط التي حلت بهم، حتى أنه في المرة الثانية أرسل معهم ولده الأثير على قلبه بنيامين ليعودوا إلى أهلهم بالقمح(38).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ مَا أَنْفَقَ الْمُؤْمِنُ مِنْ نَفَقَةٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَأَهْلِهِ كُتِبَ لَهُ بِهَا صَدَقَةٌ وَمَا وَقَى بِهِ عِرْضَهُ كُتِبَ لَهُ صَدَقَةٌ(39) وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: خَيْرُكُمْ، خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي(40) وكذلك عنه (صلى الله عليه وآله): مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَاشْتَرَى تُحْفَةٌ فَحَمَلَهَا إِلَى عِيَالِهِ كَانَ كَحَامِلِ صَدَقَةٍ إِلَى قَوْمٍ محاويج(41).
قال الإمام الرضا (سلام الله عليه): مَنْ طَلَبَ هَذَا الرِّزْقَ مِنْ حِلِّهِ لِيَعُودَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ غُلِبَ عَلَيْهِ فَلْيَسْتَدِنْ عَلَى اللَّه وَعَلَى رَسُولِهِ مَا يَقُوتُ بِهِ عِيَالَهُ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَقْضِهِ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ قَضَاؤُهُ(42).
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه): إِذَا أَعْسَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضْرِبْ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغِي مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَلَا يَغُمَّ نَفْسَهُ وَعِياله(43).
وينبغي للإحسان بالأسرة أن يتناسب مع قدرات المرء وطاقته؛ وفي ذلك يقول الإمام الرضا (سلام الله عليه): صَاحِبُ النِّعْمَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْسِعَةُ عَن عِيَالِه(44).
مشاركة الرجل عياله في تناول الطعام
ينبغي للمؤمن أن يُشرك أسرته في جميع ملذاته ونعمه، بما في ذلك تناول الطعام. قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [النحل: 71].
وقال الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه) في التمثيل لهذه الآية الكريمة: لا يجوز
لِلرَّجُلِ أَنْ يَخصَّ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَأْكُولِ دُونَ عِيَالِهِ(45).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتبر تناول الرجل الطعام مع عيـاله مـن سـمات التواضع، وقد قال (صلى الله عليه وآله): ألا أُنبِّئُكُمْ بِخَمْسٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَلَيْسَ بِمُتَكَبِّرُ: اعْتِقَالِ الشَّاةِ وَلُبْسِ الصُّوفِ وَمُجَالَسَةِ الْفُقَرَاءِ وَأَنْ يَرْكَبَ الْحِمَارَ وَأَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مَعَ عياله(46).
أولوية الأسرة على غيرها
طبقاً للثقافة الإسلامية فإنّ أولوية الأسرة على غيرها تعد مبدأً رئيسياً، وقد دلّت روايات كثيرة على ذلك.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال إِذَا أَعطى الله أَحَدَكُمْ خَيْراً فَلْيَبْدَأَ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ(47)، وكذلك قال (صلى الله عليه وآله): ابْدَأُ بِمَنْ تَعُولُ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى(48).
وقال الإمام زين العابدين (سلام الله عليه): لَأَنْ أَدْخُلَ السُّوقَ وَمَعِي دَرَاهِمُ أَبْتَاعُ بِهِ لِعِيَالِي لَحَما وَقَدْ قَرِمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ نَسَمَة(49).
_________________________
(1) سورة البقرة، الآيتان 180 و 215.
(2) الكافي، ج 5، ص 65.
(3) الاختصاص، ص219.
(4) الفقيه، ج4، ص 361.
(5) الكافي، ج 2، ص 158.
(6) الكافي، ج 2، ص 162.
(7) بحار الأنوار، ج 71، ص 86.
(8) كتاب الخصال، ص 298.
(9) بحار الأنوار، ج 86، ص 359.
(10) مستدرك الوسائل، ج 15، ص 176.
(11) جامع الأخبار، ص 101.
(12) الأمالي، المفيد، ص 167.
(13) الأمالي، الصدوق، ص 180.
(14) الكافي، ج 2، ص 74.
(15) الفقيه، ج2، ص 621.
(16) كحكم فقهي، فإن قطع صلاة النافلة لا إشكال فيه، غير أنّ هذه الرواية بصدد بيــان فـضـل حـق الأم على حق الأب.
(17) مستدرك الوسائل، ج 15، ص 181.
(18) الأمالي الصدوق، ص 511.
(19) فقه الرضا (سلام الله عليه)، ص 334.
(20) سنن الترمذي، ج 3، ص 207.
(21) تحف العقول، ص 263.
(22) فقه الرضا (سلام الله عليه)، ص 334؛ بحار الأنوار، ج 71، ص 76ــ77.
(23) الكافي، ج 5، ص 136.
(24) فقه الرضا (سلام الله عليه)، ص 334؛ بحار الأنوار، ج 71، ص77.
(25) الزهد، ص 33.
(26) الكافي، ج 2، ص 349.
(27 و 28) الكافي، ج 2، ص 349.
(29) الكافي، ج 2، ص 348.
(30) أَدْنَى الْعُقُوقِ أُفٍّ ... إِذَا آذَاهُ وَعَصَاهُ وَتَرَكَ الإحسان إليه وَهُوَ البِرِّ بِهِ. وَأَصْلَهُ مِنَ الحَقِّ وَهُوَ الشَّق والقطع (مجمع البحرين، ج 5، ص 215، (ع ق ق)).
(31) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ... فَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَصِيرَ فِي حَدَّ مِنْ حُدُودِ الْكُفْرِ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي عُقُوقٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِم (الكافي، ج7، ص50) وقال الصادق (سلام الله عليه) عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِرِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْعَاقَ عَصِيّاً شَقِياً (علل الشرائع، ص 749).
(32) جامع السعادات، ج 2، ص271.
(33) بحار الأنوار، ج 71، ص 84.
(34) الكافي، ج 2، ص 448.
(35) الصحيفة الكاملة السجادية، دعاء 24.
(36) {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21]؛ كذلك: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189].
(37) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].
(38) سورة يوسف، الآيتان 58 - 68.
(39) مستدرك الوسائل، ج 7، ص 239.
(40) الفقيه، ج 3، ص 555.
(41) الأمالي الصدوق، ص 577.
(42) الكافي، ج5، ص93.
(43) تهذيب الأحكام، ج 6، ص 329. روي نفس الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع اختلاف قليل (عوالي اللئالي، ج 3، ص193).
(44) الكافي، ج 4، ص 11.
(45) تفسير القمي، ج 1، ص387.
(46) مستدرك الوسائل، ج 3، ص 254 - 255.
(47) الجامع الصغير، ج 1، ص73.
(48) الكافي، ج 5، ص 92.
(49) الكافي، ج 4، ص 12.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة