النعم المعنوية / العقل
المؤلف:
الخطيب الشيخ حسين انصاريان
المصدر:
الاُسرة ونظامها في الإسلام
الجزء والصفحة:
ص 277 ــ 282
2025-10-25
37
لقد من الله سبحانه على الانسان بنعمٍ لا يقوى على معرفة قدرها وأهميتها أحد سواه جلت قدرته، وذلك كي يحيا الانسان طاهراً زاكياً نقياً.
وبعض هذه النعم يتمثل في العقل والكتاب والنبوة والامامة والعلماء ومجموعة الآثار المترتبة على هذه المناهل وتتجلى بصورة مجموعة من المسائل العقائدية العملية والأخلاقية.
العقل ـ والمراد منه قوة الادراك، حيث أنه يتولى إدراك الحق والباطل في الأمور النظرية، والخير والشر والمضار والمنافع في الأمور العملية.
وهو مجهز بحواس ظاهرة يدرك من خلالها ظواهر الأشياء، وحواس باطنة يدرك من خلالها المعنويات والروحيات كالإرادة والحب والبغض والرجاء والخوف ونحو ذلك، وهو يستخدم كلاً من هذه الحواس على ضوء ما يقتضيه الوضع والزمان، وله حكم نظري في النظريات وحكم عملي في العمليات.
والعقل فعال ما دامت له الغلبة في كيان الانسان وكانت جميع قوى الانسان رعية له، أما إذا تغلبت قوة ما في كيان الانسان على العقل آنذاك يصاب العقل بالضعف والشلل وينحرف الانسان عن صراط الاعتدال وينحدر إلى أودية الافراط والتفريط.
فالذين هووا في الافراط أو التفريط في حياتهم أنما ذلك نتيجة لغلبة شهوتهم وغضبهم وحرصهم وطمعهم على عقلهم.
ان إطلاق العنان للشهوات والغرائز، ومعاشرة اهل البدع والمعاصي، وانكار الحقائق، هي من العوامل التي تضعف العقل وتوهنه، وتشل هذه الموهبة الالهية.
وإذا ما عطل العقل عن العمل حينذاك يصعب بل يتعذر تشخيص الحق والباطل ومعرفة الحقائق، وعندها يستحق الانسان خزي الدنيا وعذاب الآخرة وأن تشبث بألف وسيلة من المكر والخداع لبلوغ الخير المادي وأمن الشر الظاهري (1).
وهذا ما يؤكده خطاب خزنة جهنم لأهلها: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 8 - 11].
والتعقل ممكن ما لم تكن قوة أخرى هي صاحبة الكلام في وجود الانسان. فإذا كانت الشهوة هي صاحبة الكلام حينها يفقد العقل قدرته على هداية الانسان.
سئل الامام الصادق (عليه السلام) عن العقل، قال: (ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان) (2).
فقيل له: فالذي كان في معاوية؟ فقال تلك النكراء، تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل
فأي نعمةٍ عظيمة هذه حيث يغدو الانسان في ظلها عبداً حقيقياً لله سبحانه ينال على أثرها الجنة.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (همة العقل ترك الذنوب واصلاح العيوب) (3).
ونور هذه النعمة من القوة بمكان بحيث أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (لو لم ينه الله سبحانه عن محارمه لوجب أن يتجنبها العاقل) (4).
وما يقصده (عليه السلام) هو أن هذه القوة المعنوية تتمتع بعظيم الادراك.
وجاء في باب العقل من كتاب غرر الحكم، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (العاقل من غلب هواه ولم يبع اخرته بدنياه، العاقل من عصى هواه في طاعة ربه، العاقل من يملك نفسه إذا غضب وإذا رغب وإذا رهب، شيمة العقلاء قلة الشهوة وقلة الغفلة) (5).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (انما يدرك الخير كله بالعقل، ولا دين لمن لا عقل له) (6).
وقد ورد في الكثير من الروايات أن عقاب الانسان يوم القيامة منوط بالعقل فهو ملاك المسؤولية والتكليف (7)، والانسان هو الذي يجب عليه استثمار العقل للتفريق بين الحق والباطل والخير والشر، والاقبال نحو الحقائق، وأن تعطيل العقل انما هو ذنب لا يغتفر.
يتعين على رب الأسرة صيانة العقل من جموع الشهوات والغرائز والمفاسد وذلك كي يتنعم بعقله الذي يعد مصباح الهداية والحجة الباطنية ومصدر إدراك الحق والباطل والخير والشر، وان لا يدع عقله يقع أسيراً للشهوات والأهواء النفسية وكذا يفعل مع افراد اسرته، اذ ان تعطيل العقل عن ممارسة دوره يجعل الانسان ينحدر من صف الأدمية إلى حضيرة الحيوانية.
وعلى هذا الصعيد، لا بد من الحؤول دون تردد المفسدين واهل البدع إلى البيت والاتصال بالعائلة، وعدم التردد على بيوتهم، وأن تخضع الزيارات والمعاشرات والضيافات للقواعد الاسلامية.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال عيسى بن مريم للحواريين: تحببوا إلى الله وتقربوا اليه، قالوا: يا روح الله بماذا تحب إلى الله وتتقرب؟ قال: ببغض أهل المعاصي والتمسوا رضى الله بسخطهم، قالوا: يا روح الله فمن نجالس اذن؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في عملكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله (8).
وقال الامام علي بن الحسين (عليه السلام): (مجالسة الصالحين واعية إلى الإصلاح) (9).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تجلسوا إلا عند كل عالم يدعوكم من خمس إلى خمس: من الشك إلى اليقين، ومن الرياء الى الاخلاص، ومن الرغبة إلى الرهبة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الغش إلى النصيحة (10).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا يأمن مجالس الأشرار غوائل البلاء) (11).
وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (اياكم ومجالسة الموتى، قيل يا رسول الله من الموتى؟ قال: كل غني أطغاه غناه) (12).
وعن علي (عليه السلام): (جانبوا الأشرار وجالسوا الأخيار) (13).
فإذا ما أردتم أن يسود العقل في حياتكم، جنبوا انفسكم وأهليكم مصاحبة الأشرار ومعاشرة المفسدين، وغلبة الشهوات.
وفي عصرنا الراهن تعتبر اشرطة الفيديو واللاقطات الفضائية من جملة الأشرار التي تلف البشرية قاطبة، فالجلوس امام مصدري الشر هذين يفسد العقل ويدمر الأخلاق ويطيح بصرح الانسانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ موجز عن حديث طويل في الميزان: ج 2، ص 247 ـ 251.
2ـ البحار: ج 1، ص 131.
3- ميزان الحكمة: ج 6، ص 419.
4ـ المصدر السابق.
5ـ غرر الحكم، باب العقل.
6- البحار: ج 77، ص 157.
7ـ الكافي: ج 1، ص 26.
8- البحار: ج 77، ص 147.
9ـ المصدر السابق: ج 78، ص 141.
10ـ المصدر السابق.
11ـ المصدر السابق: ج 74، ص 189.
12ـ المصدر السابق.
13ـ المصدر السابق.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة