فوائد الحجاب
المؤلف:
الخطيب الشيخ حسين انصاريان
المصدر:
الاُسرة ونظامها في الإسلام
الجزء والصفحة:
ص 213 ــ 219
2025-11-15
15
أن الخمار أو الحجاب الذي يستر محاسن المرأة وزينتها ويصونها من اعين المتطفلين الفاقدين للاب ومن انغمسوا بالشهوة الحيوانية، والوقوع في احابيل الشيطان، انما هو حكم قرآني وقانون إلهي ومسؤولية انسانية وعمل اخلاقي.
والحجاب الاسلامي - وأفضل انواعه الخمار الذي يمثل إرثاً تركته لنا رمز العفة والطهارة فاطمة الزهراء (عليها السلام) - لا يحول أبداً بين المرأة وبين طلب العلم وبلوغ الرشد والكمال، بل يصونها من الكثير من الاخطار والمصائد التي نصبها ذوو الطبائع الحيوانية في طريق الجميلات والفتيات، ويحافظ على طهارتها وعفتها وحيائها ويجعل ذلك منحصراً بزوجها، أو بمن سيكون من نصيبها في المستقبل أن لم تتزوج بعد.
ان جوهرة نفيسةً وجميلة كالمرأة إذا ما حفظت بين اكناف الحجاب فإنها ستكون بمأمن عن تطاول المتلصصين والناهبين والراكسين في وحل المعصية والرذيلة.
فإذا ما تحصنت الشابات عن الانظار ولم تقع أعين الناس على وجوههن الطاهرة البريئة، حينها ستخمد جذوة الأهواء والرغبات، وستنطفئ، نيران الغرائز والشهوات ولا تقضي بلهيبها على طهارة أمةٍ بكاملها ولا تدمر صرح المبادئ، المعنوية لبلد بأكمله.
وإذا لم تقع أعين الشباب على جمال الفتيات والنساء ومحاسنهن التي تبهر الانظار في الشارع والسوق والمتنزهات والاماكن العامة والمستشفيات والمؤسسات والمراكز التجارية، لا يطلقون حينها العنان لنظراتهم وأهوائهم وميولهم في مطاردة الفتيات والتجاوز على نواميس الناس، ولا يُصابون بالركود الذهني والانهيار العصبي والبلوغ العاجل، ولا يلجأون إلى الاستمناء واللواط والزنا ولا يستحوذ عليهم شرود الافكار والمنغصات والقلق وفقدان الاهتمام بالتحصيل العلمي، والعلاقات غير المشروعة والأمراض النفسية، وبالتالي تعطيل قدراتهم الانسانية.
بناءً على ذلك ينبغي القول، أن الحجاب واجب على المرأة، وفرض مبرم ولا شك في كفر من ينكره وخروجه عن الاسلام وهو يعلم بأنه من ضروريات الدين وهو من أوامر الله التي وردت في القرآن الكريم.
والشاب الذي ينكر الحجاب لا يمكنه الزواج من المسلمة، إذ أن هذا الزواج باطل ولا يترتب أي أثر للعقد الموقع بينهما، والعلاقة التي تجمعهما تعتبر علاقة محرمة، وأبناؤهما ابناء حرام وفعلهما بحكم الزنا، وكذا الحال بالنسبة للمرأة التي تنكر الحجاب فإن الأحكام ذاتها تجري بحقها.
فالحجاب يحافظ على وقار المرأة وشخصيتها وكرامتها وعظمتها ويحتفظ بجمالها ومحاسنها للزوج فحسب.
وفي نفس الوقت الذي تلتزم به المرأة بحجابها فإن بإمكانها تسلق مدارج التحصيل العلمي وطي سبيل الكمال والفضائل، وما يثار من أن الحجاب يمثل حائلاً لها في طريق التكامل والرقي ما هو الا من وساوس الشيطان وايحاء فكري خاطئ القاه المستعمرون الناهبون واللصوص الذين ينقضون على النواميس واذناب الشرق والغرب.
ان حالة التآلف التي تسود كيان العائلة واستحكام العلاقة بين الزوجين ودوام الحياة الزوجية واستكانة قلوب الرجال ورسوخ انسجام الرجل ومحبته مع زوجته الشرعية وتشييد الكيان العائلي وتوطيد ثقة الرجل وركونه لزوجته، كل ذلك مرهون بالتزام نساء البلد بالحجاب وعدم وقوع انظار الرجال على محاسن وجمال غير نسائهم.
فإذا ما تسنى للرجال ان تمتد ايديهم للنساء بيسر وسهوله وفي جميع المرافق الاجتماعية فلن يكون هنالك ضمان للمحافظة على محبتهم وتعلقهم بزوجاتهم وسيؤدي تهيج شهواتهم ورغباتهم إلى قتل حالة الرغبة فيهم نحو حياتهم الزوجية وسيتحولون إلى معاول تدمر كيان العائلة الدافئ.
أن الاضرار الناجمة عن السفور وإطلاق العنان للنساء والحرية الممنوحة لهن بنمطها الغربي، مما لا تعد ولا تحصى، فقد تسبب السفور إلى الآن بإغواء الملايين من الرجال، وانزلاق آخرين في الموبقات، وتفشي الطلاق بين الأوائل، وبروز ظاهرة الغرام بين الرجل والمرأة المتزوجة، والعلاقات غير المشروعة. وكما أراد اليهود والنصارى فقد أصبح سبباً في خروج الكثير من الرجال والنساء من رحاب الاسلام والتدين.
وقد شعر الذين أرسوا قواعد السفور بالانزعاج من هذه الظاهرة معتبرين إياها من الظواهر المشؤومة التي برزت خلال القرون المتأخرة.
لقد كان نظام الاسرة في إيران نظاماً قوياً راسخاً يقوم على أساس الحياء والعفاف والاتزان والآداب، والايمان والتقوى ومن النادر أن يحصل فيه، بيد إنه ومنذ أن سلط الاستعمار ذلك الجاهل اللئيم والخائن القذر رضا خان بهلوي وبادر إلى خلع الحجاب من النساء تبدل وضع البيت والأسرة فارتفعت حالات الطلاق إلى الحد الذي بلغت فيه طلبات الطلاق المقدمة إلى المحاكم خلال الفترة الاخيرة من حكم هذه العائلة سيئة الصيت ما بين ستة آلاف إلى سبعة آلاف طلب في الشهر الواحد، فأصبح المتزوجون بلا نساء والمتزوجات بلا رجال، وبذلك فقد انضمت الفئتان إلى المجتمع متفرغين من رباط الزوجية واخذوا بنشر الفساد والافساد.
وبعد واقعة كشف الحجاب كان المرجع الكبير آية الله الشاه آبادي (رحمه الله) - وكما نقل لي من استمع له - ينادي كراراً من على منبره وفي المحافل العامة والخاصة: ان رضا خان بسطوه على الحجاب وقتله للثائرين ضد السفور في مسجد گوهرشاد وحرم الامام الرضا (عليه السلام) قد قصم ظهر مائة واربعة وعشرين الف نبي!!
نعم، فإن ذلك العارف المتأله البصير الذي كان مجتهداً متضلعاً في الأحكام الاسلامية والفلسفة ومتبحراً قل نظيره، كان يعتبر كشف الحجاب والسفور قصماً لظهور رسل الله!!
يقول سيد قطب في كتابه (هل نحن مسلمون؟): طبقاً للوثائق التي بحوزتي، فإن أحد البابواب جمع كافة القساوسة والكاردينالات في الفاتيكان وطلب منهم تقديم ما يقترحونه من أجل القضاء على الاسلام واخماد جذوته بأسلوب لا يكلف الفاتيكان والمسيحية الكثير من التكاليف، فتشكلت اللجان لهذا الغرض، وبادر الكل لأبداء وجهات نظرهم، ومن بين جميع الآراء والنظريات حظي رأي واحد بموافقة البابا وسائر القساوسة والكاردنيالات. ومفاد هذا الرأي: أن أمضى سلاح وأزهد سبيل للقضاء على الاسلام يتمثل في اخراج النساء المسلمات من الحجاب وتعريضهن امام الشباب والرجال سافرات في الزقاق والسوق والاماكن العامة والمتنزهات وصالات السينما والمؤسسات والمراكز التجارية والمسارح والمراكز الاجتماعية!
وقد جرى تنفيذ ذلك على ايدي الخونة، وقد ساعدت رغبات ونزوات من ضعف ايمانهن أو فقدن الايمان على اضرام نار هذه الفتنة المدمرة، ووصل الحال في البلاد الاسلامية ولا سيما في إيران إلى أن يمحى الاسلام من الوجود، الاسلام الذي يعتبر حصيلة جهود الانبياء والأئمة والعلماء، ويخمد نبراس هدايته، الا أن يد الحق تعالى امتدت من جديد عن طريق سليل النبوة وحفيد الامامة، أي محطم الاصنام الخميني الكبير (رحمه الله) لتوجه صفعة للمناهبين وتنقذ الاسلام من قيود الاشرار وتعيد الحجاب لتستر به نواميس المسلمين.
يتعين على ابناء الأمة الإسلامية الحافظة على هذه الثورة التي قادها ذلك الرجل الالهي، والدفاع عن قيمها وان لا يدعوا مجالاً للأعداء في تشويه هذا النور أو اخماده ويعيدوا الشعب الإيراني إلى الوراء، كي يتسنى تصدير ثقافة الثورة بكل صلابة وثبات واعادة سائر الشعوب الإسلامية إلى حظيرة الاسلام.
من خلال ما تقدم ندرك أهمية قول المفكر الشهيد المطهري الذي طالما نادى في خطبه، ان الحجاب صيانة وليس تقييداً.
نعم، فالحجاب صيانة للمرأة وزوجها واسرتها والمجتمع لا سيما الشباب ومن لم يدخلوا بيت الزوجية بعد، صيانة من آلاف الاخطار وشتى المفاسد. وسداً يقف امام انهيار كيان الاسرة الدافئ.
وقد أكد المحققون أن حجاب المرأة قد ذكر في أربع عشرة آية من آيات القرآن الكريم فيما يعتقد البعض أن هذا المعنى يستشف من ما يناهز الخمس وعشرين آية.
في كلام الأمير المؤمنين (عليه السلام) مع ابنه الحسن (عليه السلام) - وبالحقيقة أنه (عليه السلام) يخاطب الناس جميعاً - يقول (عليه السلام): (وأكفف عليهن من ابصارهن بحجابك إياهن فإن شدة الحجاب خير لك ولهن من الارتياب، وليس خروجهن بأشد من دخول من لا يوثق به عليهن وأن استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فالفعل) (1).
وفي رواية. يقول الراوي، كنت قاعداً في البقيع مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم دجن ومطر إذ مرت امرأة على حمار فهوت يد الحمار في وهدة فسقطت المرأة فأعرض النبي (صلى الله عليه وآله) بوجهه، قالوا: يا رسول الله انها متسرولة، قال: اللهم اغفر للمتسرولات ثلاثاً، يا أيها الناس اتخذوا السراويلات فأنها من استر ثيابكم وحصّنوا بها نساءكم إذا خرجن) (2).
على المرأة ان تعترف بعبوديتها لله تعالى وترعى ما وهبها من نعم، ورعاية مواهب المنعم والمالك والرب الحقيقي تتمثل بتعظيمه والخشية من المعاد ومحكمته، وأن تطيع أحكامه التي وردت في القرآن الكريم وجرت على لسان الانبياء والائمة كي تأمن هي وأسرتها ومجتمعها من الوقوع فريسة للسفور والتبرج، وقد قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].
ومما يؤسف له أن الكثير من البنات والنساء في هذا الزمان وعلى امتداد عالمنا قد سلكن طريق التحلل واطلقن العنان لشهواتهن وغرائزهن وبسطن مائدة الفساد والافساد بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، وما يحز في النفس إن طائفة من بنات المسلمين ونسائهم ممن يحسبن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد اخذن بتقليد تلكم النساء.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) بشأن هاتيك النساء: (يظهر في آخر الزمان واقتراب الساعة، وهو شر الأزمنة، نسوة كاشفات عاريات، متبرجات، من الدين خارجات في الفتن داخلات مائلات إلى الشهوات مسرعات إلى اللذات، مستحلات المحرمات، في جهنم خالدات) (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- البحار: ج 77، ص 214.
2- ميزان الحكمة: ج 2، ص 259.
3ـ الوسائل: ج 14، ص 19.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة