شهد الطب في السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً في طرق تشخيص السرطان وعلاجه ولم يعد الأمر يقتصر على الأدوية الكيميائية أو العمليات الجراحية فقط، بل ظهر توجه جديد يجمع بين علم الجينوم والطب النووي لتقديم علاج دقيق وموجه يعتمد على الخصائص الوراثية لكل مريض. علم الجينوم هو دراسة الشفرة الوراثية للإنسان وتحليل الجينات والطفرات التي قد تؤدي إلى أمراض مثل السرطان، بينما الطب النووي هو فرع طبي يستخدم النظائر المشعة في التشخيص والعلاج من خلال تتبع هذه المواد داخل الجسم أو تسليطها على مناطق الإصابة لتدمير الخلايا المريضة بدقة.
عندما ندمج بين المجالين يصبح بالإمكان تصميم خطة علاج شخصية لكل مريض بناءً على تركيبته الجينية الخاصة بدلاً من اعتماد خطط علاج عامة للجميع. فعلى سبيل المثال إذا أصيب مريض بسرطان البروستات وتم تحليل نسيج الورم وراثياً قد تظهر طفرات معينة مثل BRCA2 وهذه الطفرة تفتح الباب لاستخدام علاج مشع خاص يستهدف هذا النوع من الطفرات فقط، ما يعني استهداف مباشر للخلايا السرطانية دون الإضرار بالخلايا السليمة.
من التطبيقات المتقدمة لهذا الدمج هو استخدام نظائر مشعة مثل Gallium-68 لتحديد أماكن الورم بدقة من خلال التصوير النووي (PET)، ثم استخدام نظير آخر مثل Lutetium-177 أو Actinium-225 مرتبط بجزيء يستهدف الخلايا المصابة لتدميرها من الداخل وهي طريقة تُعرف بالعلاج النووي الموجه جينياً. وقد أثبتت هذه الطريقة فعاليتها في عدة دراسات، من بينها دراسة حديثة أجريت في أستراليا أظهرت تحسناً كبيراً لدى أكثر من 70 بالمئة من مرضى سرطان البروستات المقاوم للعلاجات التقليدية وكانت الآثار الجانبية أقل بكثير من العلاجات التقليدية.
كما بينت دراسات أخرى أن تقنيات الطب النووي لا تقتصر على العلاج فقط، بل تساعد أيضاً في فهم طبيعة الورم من خلال الصور الشعاعية التي قد تعكس وجود طفرات جينية معينة مثل KRAS أو EGFR في سرطان الرئة ما يساعد الأطباء على اتخاذ قرارات أكثر دقة بشأن العلاج المناسب. والأهم من ذلك أن هذه التقنيات تسمح أيضاً بمتابعة تطور الورم من خلال تحليل الحمض النووي الذي تطلقه الخلايا السرطانية في الدم مما يوفر طريقة آمنة وسريعة لمراقبة فعالية العلاج واكتشاف أي علامات لعودة المرض في مراحله المبكرة.
لا تزال هناك بعض التحديات رغم التقدم الكبير مثل ارتفاع تكاليف التحاليل والتقنيات، والحاجة إلى مراكز طبية مجهزة وأطباء متخصصين في الجينوم والطب النووي معاً، لكن مع تسارع التطور في التكنولوجيا خاصة في مجال النانو والذكاء التحليلي من المتوقع أن تصبح هذه العلاجات أكثر توفراً ودقة في المستقبل القريب.
إن الدمج بين علم الجينوم والطب النووي لا يعد مجرد تطور طبي بل هو خطوة نحو طب أكثر إنسانية، حيث يتم تصميم العلاج بما يتناسب مع كل مريض على حدة، مما يعزز فرص الشفاء ويقلل من المعاناة ويفتح آفاقاً واسعة لعلاج السرطان بطريقة أذكى وأكثر أماناً ويمنح المرضى أملاً حقيقياً في الشفاء بحلول علمية دقيقة ومبنية على أساس بيولوجي فردي.







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN