اليوم هو العاشر من محرّم، اليوم الذي فيه سال دمُ الطهر، وفُجعت السماءُ بأعظم نكبةٍ بعد رحيل أمير المؤمنين الذي نادى فيه جبرائيل: تهدمت والله أركان الهدى
في هذا اليوم، وقفت كربلاء لتقيم على وجه التاريخ قيامةً خاصة ليست القيامة التي يُبعث فيها الخلق من القبور، بل قيامةً أقامها الحسين عليه السلام في الأرض، ليبعث بها ضمائر الأمم، ويوقظ بها الأرواح، ويكشف بها زيف الزمان.
كربلاءُ لم تكن معركة كانت صرخة الحق في وجه الظلم، وكانت وثبة الروح في وجه موت القيم. كانت القيامة التي بُعث فيها الدمُ ليفضح سيوفَ الباطل، وكانت صرخةً تقول:
"وما خرجتُ أشِرًا ولا بطرًا، ولا ظالمًا ولا مفسدًا، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدّي".
كربلاءُ قيامةُ المبادئ
كل شيء في كربلاء نطق بالحقيقة:الطفل الرضيع نطق، والسهم في نحره يصرخ: أيها الناس، أفيّ هذا العمر يُذبح الحسين الخيولُ داست صدره، وكأنها تدوس النور،
والشمس انكسفت في وضح النهار،
وحتى النهر جفَّ من الحياء، كيف يُذبح الحسين عطشانًا وهو قرب الماء
قال تعالى:{ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون} أي حياةٍ أكرم من حياة الحسين وأي رزقٍ أعظم من أن يصبح دمه مدرسةً يتخرّج منها الأحرار
كربلاءُ قيامة الوجدان
كل دمعة في عاشوراء هي بعثٌ للإنسانية،
كل لطمٍ على الصدر هو احتجاجٌ على ظلمٍ لا ينتهي،
كل موكبٍ، كل راية، كل دمعة طفلٍ على نحر الحسين،
كل زينبٍ تقف في وجه الطغيان وتقول:"ما رأيتُ إلا جميلًا"،
كلها هي امتدادٌ لتلك القيامة
كربلاء ليست ذكرى،
كربلاء ليست مأساةً تبكيها العيون فحسب،
كربلاءُ قضية،
كربلاء مشروع إلهي لإحياء أمةٍ ذابلة، وسقوطُ قناعٍ عن وجه دولةٍ تدّعي الخلافة والعدل وهي تقتل ابن بنت نبيها.
كربلاء قالت:"هيهات منّا الذلّة"،
وقالت:"إن كان دينُ محمدٍ لا يستقيم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني".
كربلاء قيامةٌ لا تموت
منذ أن سقط الحسين على أرضها، لم تعد كربلاء أرضًا، صارت منارة،
صارت قُبلةً للموجوعين، ملجأً للثائرين،
صارت وعدًا إلهيًا أن لا يُطفأ النور،
وأن كل يزيدٍ سيُفضح،
وأن كل سيفٍ على عنق الحسين سيتحول إلى لعنة على الظالمين.
قال الله عز وجل:{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا} وما أكثرهموإذا كان الحسين جسدًا قُطع بالسيوف، فإن فكره لا يُقطع،وإذا كان الحسين رأسًا رُفع على الرمح، فإن صوته لا يُسكت.وإذا كانت زينبُ أسيرةً يومًا، فإن كلمتها حرّرت التاريخ،ونطقت في قصر الطاغية بما ترتجف منه عروشُ الطغاة في كل زمان:"فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا"
كربلاء اليوم
يا سيدي يا أبا عبد الله
ها نحن بعد قرونٍ من شهادتك، لا نزال نحيا بك،
نتنفس كربلاء مع كل شهيق، ونبكيها مع كل زفير،
نمشي إليك حفاةً، ونقرأ اسمك في عيون أطفالنا،
كل ليلٍ نناديك، وكل يوم عاشر يعود علينا كأنك قُتلت للتو،
فجراحك لا تندمل، ودمك لا يزال حيًا،
وكلما أراد العالم أن يصمت، يعود صوتك أقوى.
كربلاء ليست صفحةً في كتاب، بل بدايةُ كتاب لا يُغلق حتى ظهور ولدك المهدي (عجل الله فرجه)
هو من سيأخذ بثأرك، ويقيم بقيادتك قيامة الأرض.
قال تعالى:{ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} فدمك يا أبا عبد الله، بُذل ليبقى الإسلام،
ليُكتب بالدم لا بالحبر،
ليبقى الناس أحرارًا،
ولتُرفع راية لا إله إلا الله،
ويُقال في كل عصرٍ وزمان: الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة.
السلام عليك يا قتيل العبرة،
السلام عليك يا ابن رسول الله،
السلام عليك يا من أقام الله بك الحجة على الظالمين،
وجعل دمك لعنًا على كل من رضي بقتلك أو سكت عنه،
السلام عليك وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك،
عليك مني سلام الله أبدًا ما بقيت وبقي الليل والنهار
الخاتمة
يجب أن نتعلّم من الحسين عليه السلام أن نكون حُسينيين لا في البكاء فقط، بل في الموقف والنهج، في الكلمة والدم، في الإباء والتضحية. فالحسين عليه السلام لم يُرد أن يُبكى فقط، بل أن يُتّبع، ولم يُرد أن تُحفظ كربلاء كذكرى، بل كمنهجٍ يُتجدد كل يوم. وإنّ يزيد لم يمت، بل يتكرر في كل عصر، بثوب جديد، وبظلمٍ أشد، وبوجهٍ مموّه
يزيد اليوم هو كل مستكبر، كل محتل، كل خائنٍ لأرضه ودينه، كل من يقتل الأبرياء ويستبيح الكرامات، ويطفئ نور الحق.
وعلينا نحن، إن كنّا صادقين في ولائنا، أن نتقدّم نحو أرواح شهدائنا الذين سلكوا طريق كربلاء الحديثة، ففارقونا وتركوا لنا الدم أمانة، والراية عهدًا لا يُنكث
أمثال السيّد المجاهد حاج قاسم سليماني، ورفيق دربه أبو مهدي المهندس، ومن سبقهم ورافقهم من الأبطال في ميادين الجهاد، من أمثال الشهيد حسن نصر الله ومن تبعه من أبناء محور الحسين.
لقد لبّوا نداء "هل من ناصرٍ ينصرني" بدمهم، ونحن مدعوّون لنلبّيه بسلوكنا، بثباتنا، برفضنا للذل، وبنُصرة المظلوم، وبأن نكون حيث أراد الحسين أن نكون:
أحرارًا، صادقين، قائمين بالقسط، لا تلهينا دنيا ولا تغرّنا شعارات.
الحسين ينادينافهلّا كنا حُسينيين حقًّا







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN