منذ أن بدأ البشر في التساؤل حول الكون، كان السؤال الأكثر إثارة للفضول هو: هل الكون لا نهاية له هذا السؤال ليس جديدًا، فقد حاول العديد من المفكرين والعلماء الإجابة عليه على مر العصور. ومع تقدم العلم والتكنولوجيا، أصبحنا نقترب أكثر فأكثر من فهم أعمق لهذه المعضلة الكونية. وعلى الرغم من أننا لم نصل بعد إلى إجابة قاطعة، فإن الأبحاث العلمية الحديثة في علم الفلك والنظريات الفيزيائية قد قربتنا خطوة إضافية نحو هذا الهدف.
بدأت أولى المحاولات لفهم الكون على نطاق أوسع مع اكتشاف إدوين هابل في عشرينيات القرن الماضي أن المجرات تتباعد عن بعضها البعض، مما قاد إلى استنتاج أن الكون في حالة توسع مستمر. هذا الاكتشاف كان الأساس لنظرية الانفجار الكبير، التي تفترض أن الكون نشأ قبل حوالي 13.8 مليار سنة من نقطة شديدة الكثافة والحرارة، ثم بدأ في التوسع حتى وصل إلى حالته الحالية. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل سيستمر هذا التوسع إلى الأبد، أم أن هناك حدًا معينًا قد يصل إليه
في أواخر القرن العشرين، توصل العلماء إلى اكتشاف مفاجئ بأن معدل توسع الكون لا يتباطأ، بل يتسارع. هذه الظاهرة دفعت إلى طرح مفهوم الطاقة المظلمة، وهي قوة غامضة يعتقد أنها تشكل حوالي 68 من مكونات الكون، وتعمل على دفع المجرات بعيدًا عن بعضها البعض بسرعة متزايدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك المادة المظلمة، التي تشكل حوالي 27 من الكون، وهي مادة غير مرئية تؤثر على الجاذبية وحركة المجرات. أما المادة العادية التي نعرفها مثل الكواكب والنجوم فلا تشكل سوى حوالي 5 فقط من إجمالي مكونات الكون.
إحدى القضايا الأساسية في تحديد ما إذا كان الكون لا نهائيًا أم لا تتعلق بشكله الهندسي. تشير أحدث الأبحاث، مثل الدراسة التي أجراها فريق من علماء الفيزياء الفلكية في جامعة هارفارد بقيادة البروفيسور آلان غودمان عام 2020، إلى أن الكون قد يكون مسطحًا، مما يعني أنه يمكن أن يستمر في التوسع إلى الأبد دون أن يعود للانكماش. ومع ذلك، هناك نظريات أخرى، مثل التي طرحها الفيزيائي روجر بنروز، تفترض أن الكون قد يمر بدورات متكررة من التوسع والانكماش في ظاهرة تعرف بـ"الكون الدوري".
من جهة أخرى، هناك فرضية مثيرة للجدل تعرف بنظرية الأكوان المتعددة، والتي تقترح أن الكون الذي نعيش فيه ليس الوحيد، بل هو جزء من مجموعة ضخمة من الأكوان الأخرى التي قد تكون موجودة في أبعاد مختلفة. وفقًا لهذه النظرية، التي تم دعمها بأبحاث أجراها عالم الفيزياء ماكس تيغمارك من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، قد يكون هناك عدد لا نهائي من الأكوان، لكل منها قوانينه الفيزيائية الخاصة. وعلى الرغم من عدم وجود دليل قاطع يدعم هذه الفرضية، فإن بعض العلماء يعتقدون أن ميكانيكا الكم والتضخم الكوني قد يشيران إلى إمكانية وجود مثل هذه الأكوان.
يعد التضخم الكوني أحد أهم النظريات التي قد تساعد في تفسير اتساع الكون بشكل لانهائي. تم اقتراح هذه النظرية لأول مرة من قبل الفيزيائي آلان غوث في ثمانينيات القرن الماضي، وتفترض أن الكون شهد فترة قصيرة جدًا من التوسع السريع بعد الانفجار الكبير، مما أدى إلى تشكيل بنية الكون كما نراها اليوم. وفقًا لهذه النظرية، فإن هذا التضخم قد يستمر في أجزاء مختلفة من الكون، مما يؤدي إلى خلق أكوان جديدة بشكل مستمر، وهو ما يدعم فرضية الأكوان المتعددة.
من ناحية أخرى، هناك نظرية الارتداد الكبير، التي تعتبر عكس الانفجار الكبير. يقترح بعض العلماء، مثل الفيزيائي نيل توروك من معهد بيرميتر، أن الكون قد يكون جزءًا من دورة لا نهائية من الانفجار والتقلص. بمعنى أنه بعد فترة طويلة من التوسع، قد يبدأ الكون في الانكماش بسبب الجاذبية، مما يؤدي إلى عودة كل شيء إلى نقطة مفردة ثم حدوث انفجار جديد يخلق كونًا جديدًا. هذه النظرية تقدم تفسيرًا بديلًا لمصير الكون، لكنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من الأدلة العلمية لإثبات صحتها.
في السنوات الأخيرة، بدأ الباحثون في استخدام الأمواج الجاذبية، التي تم اكتشافها لأول مرة عام 2015 بواسطة مرصد LIGO، كأداة جديدة لفحص طبيعة الكون وتوسعه. هذه الأمواج، التي تنشأ نتيجة تصادم الثقوب السوداء أو النجوم النيوترونية، قد توفر أدلة إضافية حول مستقبل الكون وما إذا كان سيظل يتمدد إلى الأبد أم لا.
إذن، هل الكون لا نهاية له لا يزال هذا السؤال مفتوحًا للنقاش، ولكن كل اكتشاف جديد يضيف قطعة جديدة إلى اللغز. ربما لن نحصل على إجابة نهائية في المستقبل القريب، ولكن الأبحاث المستمرة تجعلنا أقرب إلى فهم طبيعة الكون بشكل أعمق مما كنا نتخيله سابقًا.







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN