لو فرضنا أنّ الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه) مجرّد زعيمٍ ذكيٍّ وعبقريٍّ، ليس مُسدّداً بعلمٍ خاصٍّ، ولا يدرك الغيب، فإنَّ هذا لا يجعل نجاحه في تأسيس دولةٍ عالميّةٍ مُزدهرةٍ أمراً مُستبعداً؛ إذ من المعقول أن يكون خروجه بعد فشل جميع الأنظمة، وهلاك كثيرٍ من النّاس بسبب الطّغيان والقهر، ويأس النّاس من الحكومات المُتعارفة، وبحثها عن بديلٍ مهما كان شكله ما دام خيراً من النظام السّائد والمُتعارف، فيكون خروج الإمام الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه) بعد خبرة التاريخ، ومعاصرة النّظم، وملاحظة ما يتمنّاه النّاس بقوّةٍ، موجباً لأن يهرع النّاس إليه، وسيتسابقون على نُصرته، لأنّه فتح لهم باب النّجاة، فيكون عامّة النّاس مع الطّليعة المُخلصة في مقابل المُتمصلحين والمُتجبّرين، ويسهل عليه القضاء عليهم وإحقاق الحقّ، وقد بيّنت الرّوايات حال زمن ظهوره (عجّل الله تعالى فرجه) وأنّه حالٌ سيٌّء جدّاً، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): "لا يخرج المهدي حتّى يبصق بعضُكم في وجه بعضٍ"(1)، وعنه (عليه السلام) " تكون فتنٌ، ثمّ تكون جماعةٌ على رأس رجلٍ من أهل بيتي، ليس له عند الله خلاقٌ، فيُقتل أو يموت، فيقوم المهديّ"(2).
وفي حديث النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن بعض ما جرى في عروجه المُبارك، وما حُدّث به عن زمن خروج الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه) يقول (صلى الله عليه وآله) " يكون ذلك إذا رُفع العِلم، وظهر الجهل، وكثر القرّاء، وقلّ العمل، وكثر القتل، وقلّ الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضّلالة والخونة، وكثر الشعراء، واتّخذ اُمّتك قبورهم مساجد، وحُلّيت المصاحف، وزُخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المُنكر وأمر أمّتك به ونهوا عن المعروف، واكتفى الرّجال بالرّجال، والنساء بالنساء، وصارت الأُمراء كفرةً، وأولياؤهم فجرةً، وأعوانهم ظلمةً، وذوو الرّأي منهم فسقةً"(3).
وعن أبي عبد الله الحُسين بن علي (عليه السلام) قال: "لا يكون الأمر الّذي ينتظرونه (ينتظرون (- يعني: ظهور المهدي (عجل الله فرجه الشريف)- حتّى يتبرّأ بعضكم من بعضٍ، ويشهد بعضكم على بعضٍ بالكفر، ويلعن بعضكم بعضًا، فقلت: ما في ذلك الزّمان من خيرٍ، فقال (عليه السلام): الخير كلّه في ذلك الزمان، يخرج المهديّ فيرفع ذلك كلّه"(4)، وعن حذيفة وأبي موسى سمعا رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) يقول: " إنّ بين يدي الساعة لأيّامًا ينزل فيها الجهل، ويكثر فيها الهرج، قالوا: وما الهرج يا رسول الله قال: القتل"(5).
وإذا كان هذا حال الواقع المُعاش يوم خروج الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه)، من حيث التدهور العامّ في الحقوق والعلاقات الاجتماعيّة، وضعف الوضع الاقتصاديّ، فإنَّ من الطّبيعي أن يتمسّك النّاس بمن يرفع مطالبهم داعياً إليها بإخلاصٍ ويبرهن عليها عملاً، ويُحقّق نجاحاتٍ مُستمرّةً، في الوقت الذي لا يُرى منه مناقضةٌ في مقام العمل، ومن يؤمن بالتجربة فقط لا يسعه أن ينكر إمكان تحقّق نجاح قائدٍ يملأ الدّنيا عدلًا إلاّ إذا جرّب مرارًا العيش في ظروف ذلك القائد ووجد تكرّر الفشل، فالتجربة لا تكشف حال المستقبل، ولا حال القائد ومقدار حكمته، ولا تعرّفُ المُناصرين له في ما سوف يأتي من الزّمان، فكيف للتجريبيّ أن يصل إلى النفيّ وعدم الإمكان
وهذا مع غض البصر عن مناقشة منهجية تسجل على متقمص المنهج التجريبي الحسي، وهي إن التجربة المجردة عن معلومات عقلية سابقة غاية ما توصل إليه في التجارب المتعاقبة وجود تقارن بين القيادات التي حاولت التغيير العالمي والفشل، وهذا لا يثبت تلازماً منطقياً، فيقبل العقل الانفكاك ـ كما ذكر الشهيد الصدر رحمه الله ـ فلا مانع من الناحية التجريبية من تكرر الظروف نفسها مع تحقق النجاح.
الهوامش:
1- الفتن لإبن حماد، بابٌ آخر من علامات المهديّ في خروجه، ح 960.
2- الفتن لإبن حماد، باب آخر من علامات المهدي في خروجه، ح 966.
3- كمال الدّين وتمام النّعمة، ج 1، نصّ الله جل جلاله على القائم (عجل الله تعالى فرجه) وأنّه الثاني عشر من الأئمّة (عليهم السلام)، ح 1.
4- عقد الدّرر في أخبار المنتظر، الباب الرابع، الفصل الأوّل، ح 120.
5- الفتن لإبن حماد، ما كان من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من التقدّم ومن أصحابه في الفتن التي هي كائنة، ح 49.







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN