الفقه لغة:((الفِقْهُ: الفهم وقد فَقِهَ الرجل بالكسر فِقْهاً وفلان لا يفقه ولا ينقه و أفْقَهْتُهُ الشيء هذا أصله ثم خص به علم الريعة والعالم به فَقِيهٌ وقد فَقُهَهُ الله تفقِيهاً و تَفَقَّهَهَ إذا تعاطى ذلك و فاقَهَهُ باحثه في العلم)). 1
وجاء في معنى الفقه:((الفِقْهُ: العلم بالشيء والفهمُ له، وغلبَ على عِلْم الدين لسِيادَتِه وشرفه وفَضْلِه على سائر أَنواع العلم كما غلب النجمُ على الثُّرَيَّا والعُودُ على المَنْدَل؛ قال ابن الأَثير: واشْتِقاقهُ من الشَّقِّ والفَتْح ،وقد جَعَله العُرْفُ خاصّاً بعلم الشريعة، شَرَّفَها الله تعالى ، وتَخْصيصاً بعلم الفروع منها)).2
ونقصد بالفقه الجعفري: المذهب الجعفري ويطلق لفظ المذهب عرفا على المرجع في أحكام الدين ، والمذهب الجعفري هو المذهب الفقهي الذي يتبعه أتباع المذهب الشيعي، وهو يشمل جميع السنة التي جاء بها الرسول محمد (صلى الله عليه واله) عن طريق الأئمة الاثنا عشر بدءا من الامام علي امير المؤمنين الى الامام المهدي محمد بن الحسن العسكري(عليهم السلام).
و((المَذْهَبُ: الـمُعْتَقَد الذي يُذْهَبُ إِليه ؛ وذَهَب فلانٌ لِذَهَبِه أَي لـمَذْهَبِه الذي يَذْهَبُ فيه.((3
ونسبة الجعفري الى الامام السادس من ائمة اهل البيت (جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي امير المؤمنين(عليهم السلام) المولود سنة : 83 هـ و المستشهد سنة: 148 هجرية.
وعندما كان مجمل مذهب الشيعة هي الرجوع الى اهل البيت (عليهم السلام) الا ان غلبة نعت المذهب الجعفري اشارة الى مذهب المعصومين (عليهم السلام) اجمعهم لأنّ الشيعة الأماميّة ترى أنّ كل إمام - من الإمام علي أمير المؤمنين إلى الامام المهدي(عليهم السلام)- يجب الأخذ بقوله ، والاستنان بسنته، لأنّ علمهم كما وردت بذلك النصوص واحد موروث من الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله لا يخـتلفون في أخذه ولا يروون عن غيره ، وعلمهم سلسلة واحدة يرثه الابن عن أبيه من دون اجتهاد فيه ولا تحريف في أخذه ونقله. كما ورد في الكافي:((عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين(عليه السلام)وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحديث رسول الله قول الله عز وجل)).4 كن الفرصة لم تسنح لواحد منهم في إظهار ما استودعهم الرسول صلّى الله عليه وآله وإبلاغ ما استحفظهم عليه ، كما سنحت للصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام)فإن الذي ساعد على بثّه للمعارف ونشره للعلوم الموروثة لهم -من سيّد الرسل(محمّد صلّى الله عليه وآله) - هو التغيير الذي حصل في السلطة وانتقالها من العهد الاموي الى العهد العباسي.الذي ولّد فراغا سياسيا بين ضعف الامويين في نهاية ملكهم وبداية ملك بني العباس جعل عصر الاماميين الباقر والصادق(عليهما السلام) في سعة من نشر علومهم.
وان الشيعة تلقّوا أحاديثهم من أهل بيت الوحي ومعدن العلم الذين جعلهم الرسول(صلى الله عليه وآله) عدلاً للقرآن الكريم، فقال: ((إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).5
وكان الحث من اهل البيت (عليهم السلام) لشيعتهم على حفظ الحديث، وتدوينه ونشره عملا بما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ((من حفظ من أمتي أربعين حديثاً ممّا يحتاجون إليه من أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً)). 6
وروي عن الصادق(عليه السلام): ((اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا، فإنّا لا نعدّ الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدّثاً، فقيل له: أو يكون المؤمن محدّثاً قال(عليه السلام): يكون مفهّماً، والمفهّم محدّث)). 7
وقد دعا الامام الصادق (عليه السلام) الى ضرورة اخذ العلم عنهم دون سواهم فهم اهله ومعدنه فقد ورد الحديث عنه(عليه السلام):((أما أنّه ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب إلا شيء أخذوه منّا أهل البيت، ولا أحد من الناس يقضى بحق وعدل إلا ومفتاح ذلك القضاء وبابه وأوّله سنّة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإذا اشتبهت عليهم الأمور كان الخطأ من قبلهم إذا أخطأوا والصواب من قبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذا أصابوا)). 8 وكان الامام جعفر الصادق (عليه السلام) يراجع تلاميذه ويدقق كتاباتهم ومعلوماتهم ويصحح ما اشكل الفهم فيه فعن((حمزة بن محمد الطيّار، قال: عرضت على أبي عبد الله (عليه السلام) بعض خطب أبيه، حتى انتهى إلى موضع، فقال (عليه السلام): ((كفّ، فأمسكت ثم قال لي: اُكتب وأملى عليّ: إنّه لا يسعكم فيما نزل بكم مما لا تعلمون، إلا الكفّ عنه والتثبّت فيه وردّه إلى أئمّة الهدى (عليهم السلام)، حتى يحملوكم فيه على القصد، ويجلو عنكم فيه العمى، قال الله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لاتعلمون})).9
وجعل الامام الصادق ذروة الامر وسنامه هو طاعتهم (عليهم السلام) أي الاخذ بما اتوا به من اقوال وافعال وتقريرات واوامر ونواهي من حلال وحرام.الخ.
فعن ((علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال: ذروة الامر وسنامه10 ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للامام بعد معرفته، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا}11)). 12
وعن جماعة ثقات عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال:((أعظم الناس ذنبا واكثرهم إثما على لسان محمد(صلى الله عليه وآله): الطاعن على عالم آل محمد (صلى الله عليه وآله)والمكذب ناطقهم والجاحد معجزاتهم على ان من أنكر المعجزات لعلي واولاده الأحد عشر مع اثباته للنبي(صلى الله عليه وآله)فإنه جاهل بالقرآن)).13
وعن المفضل في حال عدم فهم حديثهم قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام):((ما جاءكم منا مما يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردوه الينا)).14 وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله):((ان حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به الا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان فما ورد عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه وما اشمأزت منه قلوبكم وانكرتموه فردوه الى الله والى الرسول والى العالم من آل محمد وانما الهالك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول : والله ما كان هذا والله ما كان هذا والإنكار هو الكفر)).15
وفي البحار: ((عن الحجاج الخيبري قال:قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): إنا نكون في الموضع فيروى عنكم الحديث العظيم فيقول بعضنا لبعض القول قولهم فيشق ذلك على بعضنا فقال: كأنك تريد أن تكون اماما يقتدى بك أو به من رد الينا فقد سلم)).16
والنصوص الواردة الينا عنهم (عليهم السلام) تتضمن التسليم لهم والاخذ عنهم لا عن غيرهم في كل مورد من موارد الدين والدنيا باعتبارهم((الدُّعَاةِ إِلَى اللَّهِ وَالْأَدِلَّاءِ عَلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَالْمُسْتَقِرِّينَ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَالتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ وَالْمُخْلِصِينَ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْمُظْهِرِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ)). 17
وفي نص اخر ((مَنْ أَرَادَ اللَّهَ بَدَأَ بِكُمْ وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ)) كذلك نجد في رواية عن ((سفيان بن السمط قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): جعلت فداك يأتينا الرجل من قبلكم يعرف بالكذب فيحدث بحديث فنستبشعه فقال أبو عبدالله (عليه السلام): يقول لك إني قلت الليل إنه نهار أو النهار انه ليل قال: لا قال : فإن قال لك هذا إني قلته فلا تكذب به فإنك إنما تكذبني)). 18 وفي الكافي عن يحيى بن زكريا الأنصاري عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سمعته يقول:((من سره أن يستكمل الإيمان كله فليقل:القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني)). 19
ولما كانت شيعة اهل البيت(الاثنا عشرية)اصل معتقدهم هذا فتحتم عليهم - بعد الاخذ بكلام المعصومين (عليهم السلام) - ان تكون لهم محاكم خاصة تنظم امورهم بدل المحاكم التي تعتمد على غير فقه اهل البيت في القضاء لان مجرد التقاضي لاي جهة غيرهم(عليهم السلام) يعد مرق عن سنتهم وشريعتهم الا اللهم في حالات الاضطرار والتقية.
فعن ((محمد بن الحسن، عن الصفار، عن أحمد ابن محمد، عنابن أبي عمير، عن داود بن الحصين، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: والله ما جعل الله لأحد خيرة في اتّباع غيرنا وإن من وافقنا خالف عدوّنا، ومن وافق عدوّنا في قول أو عمل فليس منّا ولا نحن منهم)).20
وقد عكف الإمام الصادق(عليه السلام)على تثبيت أُسس التشيّع في الحديث وإرساء قواعده المُختلفة. وإلى ذلك يُشير الحسن بن علي بن زياد الوشّاء لأبي عيسى القمّي:((إنّي أدركت في هذا المسجد- يعني مسجد الكوفة - تسعمائة شيخ كل يقول: حدّثني جعفر بن محمد)). 21
ومشهورة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال، قال: قال أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): ((إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه)).22
ومقبولة عمر بن حنظلة قال: ((سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحل ذلك قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوانه حكماً فإنه قد جعلته عليكم حاكماً)). 23
وهما واضحتان في الدلالة على نصب وتعيين الإمام للقاضي.
وأشارتا إلى أهم صفة يلزم توفرها في القاضي وهي العلم بالأحكام الشرعية المأخوذة من روايات وأحاديث أهل البيت(عليهم السلام)، واستفادة الحكم منها، وهو ظاهر قوله (عليه السلام): من قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا.
وعلى هذا يجب ان نشير إلى ان القاضي الشرعي ملزم بأن يحكم بين المترافعين إليه والمتداعين عنده بالأحكام الشرعية التي يتوصل إليها عن طريق إعمال حديث اهل البيت (عليهم السلام).
والنصوص التي تؤيد هذا من القران الكريم كثيرة، منها الآيات التالية:
((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)).24
((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)). 25
((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)). 26
((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)).27
((وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ)).28
لذا نرى اليوم فقهاء الشيعة وعلمائهم اعتمدوا في روياتهم على أحاديث الإمام الصادق(عليه السلام)في غالب مروياتهم أمّا بالنص عليها أو إشارة إليها وبالتالي فهم عيال على رواة الحديث من اصحاب الصادق(عليه السلام). ولذلك اشتهر المذهب الامامي(الاثنا عشري) بالمذهب الجعفري.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)معجم: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية المؤلف: أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفى: 393هـ) تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار الناشر: دار العلم للملايين - بيروت الطبعة: الرابعة 1407 هـ - 1987 م.مادة ف ق هـ.
(2)معجم لسان العرب: ابن منظور مادة(الفقه).
(3) معجم لسان العرب: ابن منظور مادة(ذهب).
(4)الكافي : الكليني - ج 1 - ص 53.
(5)بصائر الدرجات: 433.
(6)بحار الانوار ج2 154.
(7)الكافي: 1/50.
(8)المحاسن: 1/146.
(9)المحاسن: 1/216.
(10) ذروة الامر بالضم وبالكسر أعلاه والامر الايمان أو جميع الأمور الدينية أو الأعم منها ومن الدنيوية، وسنامه بالفتح أي أشرفه وارفعه مستعارا من سنام البعير لأنه اعلا عضو منه .
(11) النساء: ٨٣ .
(12)الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - ١٨٦.
(13)الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - ج ١ - ص١٧.
(14)بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج52 ص463.
(15)الكافي : الكليني ج1 ص401.
(16)البحار ج25 ص365.
(17)تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج ٦ - ٩٦.
(18)البحار ج2 ص221.
(19)الكافي : الكليني ج1 ص391.
(20)وسائل الشيعة: 27/119.
(21)رجال النجاشي: 40.
(22)الكافي - الشيخ الكليني - ج ٧ - ٤١٢.
(23)وسائل الشيعة العاملي ج ١٨ / ٩٨، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي، الحديث ١.
(24)سورة المائدة:44.
(25)سورة المائدة:45.
(26)سورة المائدة:47.
(27)سورة المائدة:48.
(28)سورة المائدة:49.







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN