: عقيل الحمداني
ان المتتبع للسجال القائم ومنذ فترة ليست بالقصيرة بين الاجناس الادبية والذي تخبو حدته حينا ، ويشتد أواره حيناً آخر فيرقى للإحتدام الى درجة أطلق عليه البعض ( صراع الاجناس) يرى جلياً علو كعب الرواية وتزعمها المشهد الثقافي العربي كتابة وقراءةً ونقداً على حساب الاجناس الاخرى وخصوصاً الند الاكبر وأعني به الشعر ، فضلاً عن مزاحمة بقية اخواتها السرديات من قصة وقصة قصيرة ، هذا البروز الروائي يحتم علينا وضعه على بساط البحث والنقاش الموضوعي بعيدا عن الغلو والانفعال الذي دفع بالبعض الى نعي الشعر وإعلان دولة الرواية
بدءاً يجب أن لا نغفل قيمة الشعر المتغلغلة في بنيوية الاجناس الأخرى على اختلاف صورها وتجلياتها ، والتي تعد ملحاً ساحراً يذوي السرد دونه مجّاً لا يستطاب .. آخذين بنظر الإعتبار دوره الريادي في تمثيل هوية الامة عبر عصورها الادبية المتعاقبة ، كأيقونةٍ ثقافية رامزة للّسان العربي وفصاحته وبلاغته .
لكن ما سبب هذا التقهقر الشعري أمام المد الروائي ، وكيف نقرأ الجدل القائم حول افضلية أحدهما على الآخر في التعبير عن روح العصر ومتطلباته المرحلية المتقلبة والمتسارعة
أرى ان لهذه السطوة اسباب ذاتية ، واخرى مرحلية ؛ فمن المميزات الفنية الذاتية للرواية انها توفر مساحة اشتغال شاسعة يستطيع الكاتب من خلالها بث رسائله بين فصولها بنسقٍ حرٍّ تقل فيه الخطوط الحمراء ، قياساً بمحددات القولبة الشكلية والعروضية واللغوية التي تطارد الشاعر بيتاً بيتاً ، وتحصي حركات حروفه وسكناتها ، كما ان للحبكة الدرامية الروائية فعل السحر على القاريء فتأخذه على صهوة مخيالها الجامح الى عوالم ملونة ، تعيد انتاج الحدث من منظار رمزي تارة ، او تجتره تسجيلياً وتؤرشفه زمكانياً تارةً أخرى ، دون ان تغفل في الحالتين دقائق المشاعر والمناظر ، وهذا مما لا يتسنى غالباً للقصيدة ولغتها الإشارية .
فضلاً عن إستثمار الرواية للفنون التقنية السمعية والمرئية غاية الإستثمار ، فقلما نجد رواية راكزة لم تجد طريقها لهذه الفنون ، ولم تتم معالجتها سينمائياً وتليفزيونياً ، والإفادة من هذه المعطيات الهائلة التي توفرها حاستا السمع والبصر لتذوق النص بصورة رائعة ومختلفة ، في حين عجز الشعراء - تكاسلاً - عن ولوج هذه العوالم المبدعة ، ليظل الشعر حبيس الورق ما خلا بعض المحاولات الخجولة لمسرحته .
أما مرحلياً ، فقد نجحت الرواية في تقديم مقاربات ناجعة للتحولات المفصلية في مجتمعاتنا على جميع أطرها السياسية والاجتماعية والثقافية ، وأعملت خيالها الخصب في بلورة ساحة حرة لتداول الظواهر المجتمعية نقدا وتحليلا ، مما نتج عنه تحفيز ولادة أنساق فكرية مواكبة للتطور الحداثي المعاصر رسخت رؤى معينة ودحضت أخرى .
هذا الاكتساح الروائي الذي عرف السبر لجزئيات حياتنا المعاشة .. الى بيوتنا.. الى مخادعنا .. الى رفوف الدكاكين وبيادر الحقول ، قابله ركود واضح في الشعر الذي جلس منتظراً دعوة لأمسية عابرة او فرصة للاشتراك بمسابقة ما ، بفعل ضمور الوعي العام تجاهه والذي عملت على خلقه وتأصيله العديد من الجهات وفي مقدمتها المؤسسة الإعلامية التي تمظهرت كأبواق حكومية هزيلة حيناً ، أو " جنابر " تجارية نفعية حيناً آخر ، وانّى يشغل الوعي والثقافة والأدب والشعر فكراً لهاتين .
الموضوع كبير ومعمق ويحتاج مني لبسطٍ من القول يثقل كاهل المقال وأخشى ان يصيب القاريء بسأم ٍ ، لذا سأرجئه الى فُسحةٍ بحثيةٍ قادمة عسى ان تكون قريبة .







وائل الوائلي
منذ 1 يوم
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN