قد يصدر الموكل توكيلا يترك فيه بياضا مخصصا لاسم الوكيل من الباطن فلا يذكر اسما معينا بالذات وإنما يترك البياض لكتابة اسم الوكيل من الباطن فيما بعد وهو ما يسمى بالوكالة من الباطن على بياض (1). والفرق واضح بين هذه الصورة وتلك التي سبقتها ففي الصورة السابقة إذ يقوم الموكل بتوكيل وكيل أصلي فيقوم هذا الأخير بتوكيل الغير عن نفسه (2). فان هذه الوكالة تختلف عن الوكالة التي يطلق عليها التوكيل على بياض. ففي هذه الصورة الأخيرة حيث يكون في اغلب الحالات التصرف محل الوكالة قليل الأهمية أو حيث لا يكون الشخص الوكيل محل اعتبار لدى الموكل . يترك الموكل في التوكيل بياضا لكتابه اسم الوكيل ممن يدفع إليه بهذا التوكيل فيكون الأخير وكيلا عن الموكل الأصلي في اختيار الوكيل من الباطن لتنفيذ تصرف معين (3).

ويمثل الأستاذ السنهوري لهذه الصورة باعتذار عضو في مجلس إدارة إحدى الجمعيات أو النوادي عن الحضور في الجلسة بشخصه فيرسل لمجلس الإدارة توكيلا على  بياض فيملى مجلس الإدارة البياض باسم احد أعضاء المجلس ليكون وكيلا عن العضو النائب في شان هذه الجلسة المعينة و كذلك دفع احد المساهمين في شركة بتوكيل على بياض لمساهم آخر بالحضور في جلسة الجمعية العامة للشركة فيملا المساهم الآخر البياض باسم احد أعضاء الجمعية العامة ليكون وكيلا عن المساهم الغائب .

   وثمة من يعترض على صحة الوكالة من الباطن على بياض وعنده أن عقد الوكالة يقوم على الاعتبار الشخصي وهذا الاعتبار لا يتفق مع توكيل شخص غير معين بالذات كما أن توكيل شخص غير معين بالذات يعد دليلا على عدم اهتمام الموكل بالتصرف محل عقد الوكالة . إلا انه يرد على هذا الاعتراض أن الموكل في التوكيل على بياض قد وكل من دفع إليه هذا التوكيل لا في القيام بالتصرف محل عقد الوكالة بل اختيار وكيل للقيام بهذا التصرف فيكون هناك وكالتان(4).

 الأولى :- صدرت من الموكل لمن تسلم التوكيل على بياض ومحلها توكيل شخص عن الموكل في تنفيذ تصرف معين وهذه الوكالة جائزة.

إما الثانية : فهي تنفيذ الوكالة الأولى فيوكل الوكيل شخصا معينا ينوب عن الموكل في تنفيذ التصرف ويقبل هذا الشخص المعين الوكالة وهذه أيضا وكالة جائزة ويلتزم هذا الشخص المعين بجميع التزامات الوكيل . ويجب أن يودى إلى الموكل الأصلي - لا إلى الوكيل الأول - الذي اختاره حسابا عن الوكالة ولا يجوز القول بأنه لم يكن إلا اسما مستعارا لوكيل آخر (5).

 ويعرف الفقه الإسلامي هذه الصورة من صور الوكالة من الباطن وان لم يسميها بالتوكيل على بياض إذ يميز هذا الفقه فيما يشترطه من شروط في الوكيل من الباطن حيث جاز للوكيل الأول توكيله . بين تعيين الوكيل من الباطن من الموكل وبين عدم تعيينه (6).

فقال بعضهم انه إذا لم يكن الوكيل من الباطن معينا من الموكل الأصلي فانه يشترط فيه الأمانة . إذ قالوا انه يشترط في الوكيل من الباطن في هذه الحالة أن يكون أمينا حيث لا مصلحة ولا نفع للموكل في أن يوكل من ليس بأمين .

وهذا إذا لم يعين الموكل  لوكيله الشخص الذي يرغب أن يوكله الوكيل إما أن عينه فحينذاك لا تشترط الأمانة بل أن الوكيل يوكله سواء أكان أمينا أم لا وذلك لان الموكل حيث عين الوكيل من الباطن فإنما يكون قد قطع بذلك نظر الوكيل الأول واستغنى عن رأيه في اختيار الوكيل من الباطن ولان الوكيل من الباطن يكون وكيلا عن الموكل لا عن الوكيل الأول (7).

وللتوكيل على بياض صور ثلاث تتمثل في عدم تعيين الوكيل ، وعدم تعيين الموضوع ، وعدم تعيين الوكيل والموضوع ونتناولها فيما يلي  :-

أولا :– عــدم تـعيـين الـوكـيـل .

عندما يلجا الموكل إلى تنظيم توكيل على بياض ، يخلو من ذكر اسم الوكيل على أن يجري تعيين أو ذكر اسم هذا الأخير في ما بعد ، يكون عادة العمل أو التصرف القانوني موضوع التوكيل محدود الأهمية لدرجة انه لا يهم الموكل معرفة اسم الشخص الذي سيتولى تنفيذ ذلك العمل (8).  كأن يعمد عضو مجلس الإدارة احد الجمعيات أو إحدى النوادي إلى تنظيم توكيل على بياض يرسله إلى مجلس الإدارة الذي يملاه بكتابة اسم احد أعضاء المجلس وان كان هذا النوع من التوكيل شائعا وقد أجاز الفقه والقضاء الفرنسيان في حالات كثيرة ، ما عدا الحالات التي يسئ فيها مجلس الإدارة استعمال ذلك التوكيل بغية الحصول على سلطات استثنائية إلا انه يبقى متعارضا وطبيعة عقد الوكالة الذي يكون فيه للاعتبار الشخصي شأن كبير (9).

نلفت هنا أن الوكيل في التوكيل على بياض يكون مسؤولاً تجاه الموكل  وليس تجاه الشخص ( الوكيل في الوكالة الأولى ). الذي تولى تكليفه كتقديم حساب عن أعمال الوكالة وما إلى ذلك من التزامات تقع على عاتق الوكيل ولا يجوز اعتباره اسما مستعارا لوكيل آخر أو نـائـب وكيل يؤدي حسـابا للـوكيل الأصلـي  (10).

ثانيا - عدم تعيين الموضوع .

يمكن أن يعمد الموكل إلى تنظيم توكيل على بياض يعين فيه اسم الوكيل ويكون خاليا من تعيين التصرف القانوني موضوع هذا التوكيل وغالبا ما يكون مثل هكذا توكيل توكيلا عاما لأداء عمل أو أكثر من أعمال الإدارة لا يستطيع الموكل تحديدها مقدما فيصار إلى التوكيل على بياض على أن يتولى الوكيل المعين تحديد تلك الأعمال في مـا بعـد  والخطـورة التـي ينـطوي عـليها هــذا النــوع مــن التـوكـيـل (11).

هي أن يتجاوز الوكيل حدود التوكيل المتفق عليها مع الموكل فإذا حصل أن تجاوز الوكيل حدود الوكالة ، فان تصرفه يبقى ساري المفعول بوجه الموكل ويستفيد منه الغير الذي تعامل بحسن نية مع الوكيل المتجاوز (12).

    ولكن يحق للموكل أن يقاضي الوكيل المتجاوز لأساءته ملء البياض بما لم يتم الاتفاق عليه ، وهنا يجب على هذا الموكل أن يثبت أولا أن التوكيل قد حصل على بياض وذلك بواسطة الإثبات الخطي ومن ثم ينتقل إلى إثبات واقعة تجاوز الوكيل وذلك عن طريق إثبات حدود الوكالة المتفق عليها (13).

 فمجرد إثبات حصول التوكيل على بياض لا يكفي للقول بحصول التجاوز ، لان قرينة قانونية تقوم في مصلحة الوكيل في التوكيل على بياض مؤداها انه كان ملتزما حدود الوكالة وهذه القرينة تفرض على الموكل إثبات عكسها كتابة  (14).

ثالثا - عدم تعيين الوكيل والموضوع .

يمكن للموكل في حالات نادرة أن يوقع على ذيل توكيل على بياض دون أن يذكر فيه اسم الوكيل والعمل أو الأعمال موضوع الوكالة .

 ومما لا شك فيه أن هذا النوع من التوكيل ينطوي على مخاطر عديدة ولا يلجا إليها الموكل إلا في ظروف قاسية وغالبا ما يعمد الموكل إلى تسليم هذا التوكيل إلى شخص ، إما أن يكون دائنا له أو موضع ثقته  (15).

_____________

1- ينظر عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، ج 7 ، ط 2 ، تنقيح المستشار ، محمد مصطفى ألفقي 1989  ، ص366 وما بعدها ،  وكما يجوز ترك بياض لاسم الوكيل فانه يجوز أيضا ترك بياض للتصرف محل الوكالة فيوكل الموكل شخصا معينا بالذات في تصرف لا يعينه بل يترك بياضا يملئه الوكيل بعد ذلك ويعين بنفسه التصرف الذي وكل فيه .

2- ينظر جليل حسن الساعدي ، بعنوان الوكالة من الباطن في القانون العراقي والمصري مع الإشارة للفقه الإسلامي ، المنشور في مجلة العلوم القانونية ، نصف سنوية ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، المجلد الرابع والعشرون ، العدد الأول ، سنه 2009  ،  ص82.

3- ينظر  جاسم العبودي النيابة عن الغير في التصرف القانوني ، بين الفقه الإسلامي . والقانون الوضعي ، جامعة بغداد . سنة 1991.   ، ص240 وينظر سعد حسين عبد. الوكالة من الباطن ، بحث مقارن في الشريعة الإسلامية والقانون ، منشور في مجلة كلية النهرين للحقوق تصدر عن كلية النهرين للحقوق ، م 6  العدد 9 نيسان     2002، ص147.

4- ينظر جليل حسن الساعدي ، بعنوان الوكالة من الباطن في القانون العراقي والمصري مع الإشارة للفقه الإسلامي ، المنشور في مجلة العلوم القانونية ، نصف سنوية ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، المجلد الرابع والعشرون ، العدد الأول ، سنه 2009 ،  ص83 وما بعدها .

5-  ينظر السنهوري ، مرجع سابق ، ص 367 الهامش رقم 2.

6- ينظر جليل حسن الساعدي ، مرجع سابق ،  ص84 وما بعدها .

7-  ينظر مغني المحتاج للشربينى ، ج 2، مطبعة مصطفى البابى بمصر  1377هـ ، ص 227، المغني لأبن قدامه ج 5 ، مكتبة القاهرة بلا تاريخ طبع ص 82 ، مواهب الجليل للحطاب ج 5 ، طبع مكتبة النجاح طرابلس ليبيا ، بلا تاريخ طبع ص227، تذكرة الفقهاء للحلي ج 2 ، المكتبة المرتضوية بلا تاريخ طبع ، ص116، البحر الزخار للمرتضى ج 5 ، مطبعة ألسنه المحمدية 1368، ص 58.

 8- ينظر السنهوري ، مرجع  سابق ، ص 367.

9- ينظر شربل طانيوس صابر عقد الوكالة في التشريع والفقه والاجتهاد ،   بيروت لبنان 1998  ، ص 90 وما بعدها .

10- ينظر قدري عبد الفتاح الشهاوي، أحكام عقد الوكالة في التشريع المصري والمقارن. منشاة المعارف الإسكندرية 2001 .  ، ص 48 وما بعدها .

11- ينظر شربل طانيوس صابر .مرجع سابق . ص 90.

12- ينظر السنهوري ، مرجع سابق ، ص 367.

13- ينظر  شربل طانيوس صابر، مرجع سابق ، ص 92.

14- ينظر قدري عبد الفتاح الشهاوي ، مرجع سابق،  ص 49.

15- ينظر  شربل طانيوس صابر، مرجع سابق ، ص 93.