أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-01
160
التاريخ: 28-9-2016
1754
التاريخ: 2024-04-20
754
التاريخ: 11-1-2017
1894
|
لقد صورت النقوش والرسوم التي بقيت من عهد الدولة القديمة وغيرها صورة واضحة تفسر لنا بجلاء أن المصري القديم، كان مغرما بالأزهار وزراعة البساتين، فكان يذكرها في شعره، ويتخذها رموزًا وشارات، ويجعلها تلعب في حياته دورًا هاما، حتى إن أحد فلاسفة اليونان كان يتغنى بالعناية التي أظهرها المصريون في تربية الأزهار. ولا غرابة في ذلك فإنهم كانوا يزينون بها جدران قاعات أعيادهم ويحلون بها موائد قربانهم، حتى إننا وجدنا مائدة قربان أمام صاحب المقبرة، وليس عليها شيء سوى الزهور (1). وكانت تحلى أواني الخمر بتيجان من الزهر تشبه قلائد الأزهار التي كان يضعها الخدم حول نحور الضيوف. أما النساء فكن يضعن الزهور على شعورهن وفي أيديهن. وقد ذكر المصري القديم في الوثائق التي تركها لنا أنه كان يتفيأ ظلال الأشجار اليانعة عندما كان ينتظر حبيبته وهي آتية إليه وصدرها مكلل بالزهور، وكان الفرعون نفسه يذهب إلى ساحة القتال في عربته ونحره مزين بأكاليل الزهر المختلف الأشكال والألوان. على أن فقراء القوم لم يهملوا التزين بالأزهار؛ إذ نجد غالبًا في رسوم الدولة القديمة أن الفلاحين كانوا يعلقون الأزهار حول نحورهم، وكذلك كانوا يزينون بها الحيوانات، كما نجد الثيران العظيمة التي كانت تربى لتذبح قربانا تحلى رقابها بأكاليل الزهر وتلف حول نحورها زهور البشنين كما يشاهد ذلك في مقبرة «تي» في سقارة والأميرة «حمت رع» في مقابر أهرام الجيزة. وكانت المومياء توضع على أسرة من الزهور اليانعة وحول جباهها تيجان من الزهور مثبتة بدبابيس، وفوق صدورها كانت توضع الأكاليل وطاقات الأزهار. وكانت تصنع هذه الزهور أحيانًا من الخشب، أو من الورق المقوى وتوضع بجانب المتوفى. وكانت توجد بجوار طاقات الزهور الطبيعية التي نسقتها يد الزهار. وكانت النائحات في يوم الدفن يحملن الزهور أمام عربة المتوفى حتى يصلن إلى القبر، ومن ثم كانت تأتي حاملات القرابين بالزهور كل يوم إلى المقبرة. كما يشاهد ذلك في نقوش الدولة القديمة، وكان أحب الزهور إلى المتوفى زهرتا البردي والبشنين «اللوتس». ومنذ أقدم العهود كانت تزرع البساتين وتقام في وسطها البرك التي تحيط بها أحسن زهور المشاتل كالبشنين والعنبر والبقلة المباركة، والأقحوان والنرجس، والزنبق الأبيض، وشجرة الغار الوردية اللون، والخشخاش، وكانت الزهور تقطف وتوضع في زهريات من كل الأنواع وتنمق بطريقة تكسبها هيئة طاقة الزهر، كما يشاهد ذلك في مقبرة العظيم «تسن» بمنطقة الأهرام ومقبرة «بتاح حتب» في سقارة. ومن كل ذلك يتضح لنا أن المصري بحكم البيئة الزراعية التي كان يعيش في وسطها عرف كيف ينشئ لنفسه زراعة وطنية قوية منقطعة القرين في تلك العهود، فلم يفلح في الوصول إلى ذلك بتأثير الموارد الطبيعية التي هيأها له وادي النيل الخصب فحسب، بل كان الفضل في ذلك أيضًا إلى جهوده التي لا تعرف الملل وإلى ذكائه الموروث، وإلى حبه للبحث وراء التقدم والنمو في هذه الناحية. ولا أدل على ذلك من بذله المجهود في تحسين آلات زراعته، وطرق استثمار أرضه، مما جعل وادي النيل في عهد الدولة القديمة البقعة التي ازدهرت فيها زراعة الحقول في وقت كانت فيه كل بلاد العالم عامة (اللهم إلا وادي نهر دجلة والفرات لا تزال في طفولتها في فن الزراعة. ولا شك في أن تقدم مصر وتفوقها في هذه الناحية أهم العناصر المادية التي جعلت مصر منبعا لمدنية العالم. ولا أدل على سرعة تقدم مصر في الزراعة من اختفاء أنواع النباتات النجيلية في مدة وجيزة، تلك النباتات التي لاحظ وجودها العالمان «شفينفورت» «وانجار» في قوالب اللبن التي بني بها أهرام دهشور منذ الأسرة الرابعة وحل محلها أنواع الغلال. حتى إن الأستاذ «بترى» لم يجد في خرائب «كاهون» في عهد الأسرة الثانية عشرة أي أثر لهذه النباتات السالفة الذكر. وقد كان المصري في كل عصور تاريخه يعمل جهد طاقته لجلب الأشجار والنباتات من الأقاليم المجاورة ليستثمرها في بلاده. ويبذل جهده ليجعلها صالحة للنمو في أرضه الخصبة فلا تلبث أن تستقر في مصر وتزدهر وتأتي أكلها، ولا أدل على ذلك من جملة الأشجار والزهور والنباتات التي جلبها تحتمس الثالث» معه من آسيا وصورها على جدران قاعة الأعياد التي أقامها في الكرنك والمعروفة بحجرة الزراعة، كما سنتكلم عن ذلك في حينه.
........................................
1- مقبرة «دواكا» بحائر الجامعة المضرية بمنطقة الهرم.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|