أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-05
644
التاريخ: 16-3-2022
1365
التاريخ: 2023-11-06
1231
التاريخ: 2023-05-06
1155
|
يقول تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 58].
نوقشت مفردة "القرية" في الآية مورد البحث من جهتين؛ الأولى في أنه: هل المراد من القرية هو أرض بيت المقدس، أم "أريحا" (وهي إحدى مدن الشام)، أم مصر، أم إحدى القرى الواقعة في الطريق، أم حي من أحياء البادية الذي سكنه بنو إسرائيل لفترة من الزمن قبل هبوطهم المدينة (وهو ما ذُكر في الآيات الثلاث التالية)؟
والثانية هي: هل إن القرية التي أمروا بدخولها على كل حال كانت على مستوى قرية فعلاً أم كانت في عداد المدن. وفي الحالة الثانية لابد من الإجابة على هذا التساؤل: لماذا لم يُعبّر: "ادخلوا هذه المدينة"؟
فأما الجهة الأولى، فإن أهم الأدلة المقامة على كون هذه القرية بيت المقدس هي آية سورة المائدة التي تقول: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21] لكن هذا الاستدلال غير تام؛ وذلك لأن هذه الآية ترتبط بعهد ما قبل التيه في الصحراء بينما تتعلق الآية محط البحث بما بعده، والشاهد على أن العقوبة على تمرد بني إسرائيل التي ذكرت بعد تلك الآية هي ذات التيه في الصحراء: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 26] في حين أن العقاب المترتب على عصيان الأمر المذكور في الآية محط البحث هو نزول "الرجز" من السماء وفناء الفئة الظالمة الفاسقة من بني إسرائيل: {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقرة: 59].
طبعاً هناك قرينتان على أن المراد من القرية هي تلك الأرض المقدسة (مع أن الأمر في هذه الآية هو غير الأمر الوارد في الآية 21 من سورة "المائدة"؛ أي إن هذه الآية تتعلق بنهاية التيه في البادية وتلك الآية ترتبط بما قبل التيه والتحيّر إحدى هاتين القرينتين هي التعبير بالقول: فكلوا منها حيث شئتم رغداً؛ إذ أن هذا التعبير يدل على وفرة النعم في هذه القرية وكونها مباركة. وبالنتيجة فهو يشبه هذا التعبير: {بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: 1] الوارد بخصوص الأرض المقدسة في جملة من الآيات، وهو إذا لم يكن مختصاً بالبركات المادية ولم يكن كناية عن كثرة النعم الظاهرية خاصةً، فهو قطعاً شامل لها أيضاً.
والثانية هي الامر بالسجود والاستغفار حال الدخول: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58]، لأن مثل هذا التعبير يدل على القدسية الخاصة بهذا المكان وانه من الممكن التقرب إلى الله تعالى والاستغفار من سوابق الذنوب بشرف هذا المكان.
بالطبع لا يمكن لهاتين القرينتين إثبات المسألة المشار إليها إلا في حدود الاحتمال وفي صورة كون القرية المذكورة في هذه الآية هي جزء من {الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} [المائدة:21] وليس كلها؛ وذلك أولاً: لان علة عدم دخول بني إسرائيل في بادئ الأمر كانت وجود العمالقة الجبارين وعدم شهامة وجرأة بني إسرائيل لمحاربتهم، وفي حال بقاء العمالقة في الأرض المقدسة كان لابد لخوف بني إسرائيل أن يبقى قائماً (لأنه يُفهم مما اقترفوه من خطيئة "التبديل": فبدل الذين ظلموا ... أن روحية التذرع والتمرد لم تفارقهم بعد وفي هذه الحالة إذا كانت هذه القرية هي عين تلك الأرض المقدسة، فيجب أن تتكرر تلك الذرائع ذاتها.
ثانياً: لأن الظاهر من مجموع الآيات أن جميع تلك القضايا مرتبطة بزمان حياة نبي الله موسى وأنه طبقاً لأقوال عدد من المفسرين وحسب ما جاء في التوراة المعاصرة (1) فإن بني إسرائيل لم يدخلوا الأرض المقدسة في حياة موسى بل دخلوا أريحا (في بلاد الشام الحالية وهي في الحقيقة جزء من الأرض المقدسة) بعد رحيله وبقيادة وصيه يوشع ومن هذا المنطلق فإن الفيض الكاشاني استناداً إلى التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري قد طبق القرية على أريحا (2).
ثالثاً: لأن المقصود من الأرض المقدسة هو مجموعة الأراضي المقدسة، أي منطقة الشامات، التي كانت بحسب شهادة التاريخ مهداً لأنبياء الله وأرضاً لظهور الأديان العظيمة ولا يُقال لمنطقة واسعة كهذه: هذه القرية. فما يظهر من هذا التعبير هو أنها كانت مدينة أو قرية لابد وفقاً للقرينتين أعلاه - أن تكون مكاناً مقدساً من ناحية وتتمتع بنعم وفيرة من ناحية أخرى. إذن فإما أن يكون المراد من القرية هو خصوص مدينة أريحا وهي إحدى مدن فلسطين الحاليّة وجزء من مجموع الأرض المقدسة، حيث في هذه الحالة يكون الأمر ادخلوا قد صدر في زمان حياة موسى الكليم الله وتم إبلاغه من قبله، حتى وإن كان قد غادر الدنيا في حين تنفيذه وقد دخل بنو إسرائيل هذه البلاد عن طريق أريحا بعد فتح القدس على يد يوشع (3).
وإما أن يكون المقصود من القرية هو مدينة بيت المقدس الحالية. وهذا طبعاً يكون مقيّداً بأن هذا الأمر لم يصدر في زمان موسى ويوشع بل هو أحد الأوامر المنزلة على بني إسرائيل على طول تاريخهم وفي زمان أنبيائهم الآخرين، أو أنه إذا كان قد نزل في زمان موسى الكليم فهو من جملة الأحكام الناظرة إلى الآتين من أبناء بني إسرائيل في المستقبل وأن موسى كان يقرأه على بني إسرائيل والشاهد على هذا الكلام هو أنه طبقاً لتحقيق البلاغيه - لم تكن في زمان موسى قرية باسم بيت المقدس. فقد كتب الله ما يلي:
... قرية بيت المقدس الذي بناه سليمان وهو من موسى ... فإن التوراة الرائجة تذكر أن موسى كان يذكر لهم من وحي الله أحكام مجيئهم إلى المكان الموعود] الذي يختاره الله بعد الخيمة كما في سفر التثنية متفرقاً من الفصل الثاني عشر إلى الحادي والثلاثين (4).
وتأسيساً على ما مرّ فإن التعيين القطعي للقرية المذكورة بالاعتماد على القرآن الكريم ليس بالأمر الميسور ولو كان العلم بها ضرورياً لكانت طرحت في القرآن حتماً. فالمهم هنا هو ما تستوحى منه العبر من تحليل قصة بني إسرائيل في هذا المضمار.
وأما الجهة الثانية فهناك شواهد على أن المراد من القرية في الآية مدار البحث هو المدينة وليس القرية. وهذه الشواهد هي كالتالي:
1. الأمر الذي أصدره موسى إلى الجميع والقاضي بدخول تلك القرية؛ وذلك لأن القرية بمعناها المتعارف لا تتسع لكل ذلك العدد (الذي يصل - وفقاً لبعض النقول - إلى ستمائة ألف نسمة (5)).
2. وفرة النعم وأنهم كانوا يجدون كلّ ما يشاؤون بكثرة: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} [البقرة: 58].
تنويه:
1. بسبب عدم الثبوت فقد تجنب بعض كبار أهل المعرفة تعيين أن القرية كانت بيت المقدس أم أريحا، إلا أنهم أخبروا من خلال المعالم الإقليمية الخاصة - عن مزار موسى الكليم الذي يقع في بلدة بريصا بالقرب من أريحا (6).
2. إن جملة: {فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا} [البقرة: 58] (7) هي دليل على أن القصد من دخول القرية، أي المراد من قوله: ادخلوا هذه القرية ، كان اختيارها للسكنى؛ وذلك لأن العيش الرغيد والأكل الوافر والطيب يتحققان غالباً في ظل السكن والإقامة والاستيطان. وعلى هذا الأساس فقد جاء التعبير في سورة الأعراف" بقوله: {اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} [الأعراف: 161]، وإن المقصود من الأكل في هذه الآية، كما هو في قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، هو مطلق التصرف وليس خصوص أكل الطعام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. راجع الكتاب المقدس (العهد القديم)، سفر التثنية، الاصحاح 34، ص 336.
2. تفسير الصافي، ج 1، ص 120.
3. راجع الكتاب المقدس (العهد القديم)، سفر التثنية، الاصحاح 32 و 33، ص 331 - 336؛ وصحيفة يوشع، الاصحاح 1، ص337- 338.
4. آلاء الرحمن، ص192.
5. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 250؛ والجامع لأحكام القرآن، مج 1، ج 1، ص 394.
6. راجع رحمة من الرحمن، ج 1، ص138.
7. لقد مر البحث عن مفردات هذه الآية في تفسير تسنيم، ج 3، ص 365 367.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|