ولاية المؤمنين لبعضهم مشروطة بالهجرة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص22-27
2025-12-15
51
المراد بـ {الَّذِينَ آمَنُوا وهاجَرُوا} الطائفة الاولى من المهاجرين الذين هاجروا قبل نزول السورة؛ والمراد من قوله: والَّذِينَ آوَوْا ونَصَرُوا الأنصار الذين أووا النبيّ والمؤمنين المهاجرين ونصروهم؛ وكان المسلمون ينحصرون يومئذٍ في هاتين الطائفتين إلّا قليل ممّن آمن بمكّة فبقي فيها ولم يهاجر.
وقد جعل الله في هذه الآية ولاية بين المهاجرين والأنصار، وبين المهاجرين أنفسهم، وبين الأنصار أنفسهم. وهذه الولاية أعمّ من ولاية الميراث، وولاية النصرة، وولاية الأمن.
فكلّ كافر آمن وهاجر ولايته نافذة عند الجميع. وبناءً على هذا، فالبعض من الجميع سيكون وَليّ البعض الآخر؛ وكلّ مهاجر وليّ كلّ مهاجر؛ وكلّ أنصاريّ وليّ كلّ أنصاريّ؛ وكلّ مهاجر وليّ كلّ أنصاريّ؛ وكلّ أنصاريّ وليّ كلّ مهاجر.
وكما قال العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه: لا شاهد على صرف الآية إلى ولاية الإرث بالمؤاخاة التي كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم جعلها في بدء الهجرة بين المهاجرين والأنصار، وكانوا يتوارثون بها زماناً حتى نسخت بآية {وَ أُولُوا الْأَرْحامِ}[1].
والشاهد على عموميّة معنى الولاية في هذه الآية هو استثناء النصرة؛ لقولة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}!
وعلى كلّ تقدير فلمّا لم يمكننا أخذ الولاية في هذه الآية بمعناها الحقيقيّ العامّ، وهو رفع الحجاب الكلّيّ، فإنّا مضطرّون إلى أخذها بمعناها العامّ الذي هو أقرب إلى المعنى الحقيقيّ، وهو هنا أعمّ من الولاية في الإرث، والولاية في النصرة، والولاية في الأمن من الضرر.
وإجمالًا، فإنّ المعنى الحقيقيّ للولاية ممّا نستنتجه من بحثنا هذا، هو أن يحصل شيئان فصاعداً حصولًا ليس بينهما ما ليس منهما؛ وهذا هو المعنى الحقيقيّ لها، ثمّ استعاروا ذلك للقُرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، وسائر صور القُرب؛ وهذا كلام الراغب، بَيدَ أنّ استاذنا العلّامة رضوان الله عليه قال بعد التأكيد والإصرار على صحّة هذا المعنى في مجالات عديدة: «و الظاهر أنّ القرب الكذائيّ المعبّر عنه بالولاية، أوّل ما اعتبره الإنسان إنّما اعتبره في الأجسام وأمكنتها وأزمنتها؛ ثمّ استُعير لأقسام القرب المعنويّة على عكس ما ذكره الراغب لأنّ هذا هو المحصّل من البحث في حالات الإنسان الأوّليّة. فالنظر في أمر المحسوسات والاشتغال بأمرها أقدم في عيشة الإنسان من التفكّر في المعقولات والمعاني وأنحاء اعتبارها والتصرّف فيها.[2]
ولسنا هنا بصدد الخوض في الاختلاف بين الاتّجاهين؛ وإن كانت نظرية استاذنا العلّامة صائبة، ومدعومة بالدليل التجريبيّ والحسّيّ، بَيدَ أنّ معنى الولاية- على التقديرين- واحد؛ وهو رفع الحجاب بين شيئين بحيث لا يفصل بينهما أيّ شيء آخر. وفي ضوء ذلك فأينما قيل: لله وَلاية، وإنّه وَليّ ومَوْلى، فالقصد هو انعدام أيّ واسطة وحجاب بين ذاته المقدّسة وبين جميع الكائنات المُوَلّى عليها في عالم الإمكان تكويناً وتشريعاً غيره.
ولا يمكن لموجود أنّ يكون حاجباً بصورة مستقلّة؛ ويكون واسطة في الاتّصال بين ذاته، ونوره، وصفاته الجمالية والجلالية، وبين الكائنات.
وكلّ ما يُفرض من حجاب وواسطة فهو منه، لا من غيره، وله معنى إليّ تبعيّ لا معنى استقلاليّ؛ وحيثما قلنا على نحو الإطلاق وبدون قيد وقرينة: رسول الله وليّ الله؛ وعلى وليّ الله، والأئمّة الأطهار أوليآء الله، ولهم مقام الولاية، فمعنى ذلك أنهم بلغوا في مقام العرفان والشهود درجة لم يبق معها أيّ حجاب وفصل بينهم وبين ربّهم غير أنفسهم ووجوداتهم؛ ولو كان هناك حجاب، فهو وجودهم نفسه، وهو الحجاب الأقرب، وواسطة الفيض على الموجودات.
وليس هناك اختلاف في هذه المسألة سواء في الولاية التكوينيّة، أو التشريعيّة. وبكلمة بديلة، في الولاية الحقّة الحقيقيّة، أو الاعتباريّة. لأنّ من لوازم القرب الحقيقيّ- لا القرب المجازيّ والاعتباريّ- هو الواسطة في الفيض، وتدبير الامور في عالم ما وراء الطبيعية. وهذا الأمر أمر قسريّ وضروريّ بلغته ذواتهم المقدّسة. وطبيعيّاً فقد جاءتهم الولاية الاعتباريّة والتشريعيّة أيضاً تالية للولاية الحقيقيّة.
[1] «تفسير الميزان» ج 9، ص 144 و145.
[2] «تفسير الميزان» ج 6، ص 9.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة