آية النور والنور الخاصّ لاولياء الله
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص41-44
2025-12-17
38
يهدي الله بهذا النور الخاصّ أفراداً من عباده أكملوا إيمانهم وأصبحوا في عداد الذين يشملهم قوله عزّ من قائل: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}.[1]
يهدي خاصّة عباده بهذا النور الذي تشرق به السماوات والأرض؛ وهو نور معنويّ يختصّ به، ويفوق جميع الأنوار الموجودة في السماوات والأرض علوّاً وغلبةً وقوّة.
وما أروع وأسمى الآيات الواردة في سورة النور، إذ تتكفّل بشرح هذا النور وكيفيّة نزوله في عالم الإمكان؛ ومنه يهدي الله خاصّة عباده، وقد جعله في بيوت رفيعة عظيمة من حيث الشأن والمنزلة. قال: جلّ شأنه: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ ولَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ويَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ والْآصالِ ، رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وإِقامِ الصَّلاةِ وإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والْأَبْصارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا ويَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ واللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}.[2]
يلاحظ في هذه الآيات أنّ الله قد أخبر بقوله: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ}، وأنه قال بأنّ نوره نور السماوات والأرض.
ثمّ جعل لنوره حجابين؛ وهما من نور أيضاً، ويضيئان من نوره؛ وتضيء السماوات والأرض منهما أيضاً. أحدهما المشكاة ونورها أقلّ إذ تأخذه ممّا في داخلها؛ وفي داخلها زجاجة تنير بواسطة المصباح.
فالمصباح- إذَن- يشعّ بالنور على الزجاجة التي هو في داخلها؛ ونور الزجاجة أكثر من نور المشكاة، وهو القيّم على النور. ولعلّ نور الأرض مكتسب من المشكاة؛ ويفوق ذلك نورُ السماوات من الزجاجة، لأنه يقول جلّ شأنه: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}.[3]
ولم يرد في هذه الآية الشريفة ذكر لما وراء السماوات والأرض، حتى يعلم من أين نوره. وكذلك لم يرد ذكر لمواصفات المصباح، غير أنه قال فقط: من شجرة زيتونة مباركة لا شرقيّة ولا غربيّة، لتُشرق عليها الشمس في بعض الاوقات، ولا تشرق في بعضها الآخر؛ وبالتالى فإنّ ثمرتها ستكون غير طريّة؛ بل هي تستمتع بنور الشمس المشرقة على العالم وتؤتي أفضل الأكل.
وقال كذلك: زيتها يضيء باستمرار ولو لم تمسسه نار.
ثمّ قال: مثل هذه المشكاة وما في داخلها في بيوت أذِن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وبالغدوّ والآصال كناية عن الاستمرار والمواظبة، رجال لا يلهيهم أمر من امور الدنيا عن الصلاة والزكاة والقيام بالاعمال الصالحة.
نعم هؤلاء الرجال هم أوليآء الله، لأنه تعالى يصفهم بقوله: إنّهم غير غافلين عن ذكر الله، وعن العمل الصالح. وهم غير محجوبين عن ذكره أبداً، وغير ملتفتين إلى غير الله؛ بل هم متوجّهون إلى الله فقط؛ وهذا هو معنى الولاية، وأصحابها هم أوليآء الله.
اولئكم من المخلصين الأطهار الذين قطعوا درجات الإخلاص، فبلغوا منزل الخُلُوص؛ واجتازوا اسم المخلِصين فأصبحوا من المخلَصِين.
[1] الآية 37، من السورة 24: النور.
[2] كان الناس في قديم الايّام يستضيئون بالفوانيس التي تُضاء بالزيت أو النفط. وكانوا يعملون فتحة في الجدار على هيئة الرفّ فيضعون الفانوس هناك، وكانوا يسمّون هذه الفتحة بالكوّة أو المشكاة.
[3] الآية 5، من السورة 32: السجدة.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة