المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16333 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الإمام عليٌ (عليه السلام) حجّة الله يوم القيامة
2024-04-26
امساك الاوز
2024-04-26
محتويات المعبد المجازي.
2024-04-26
سني مس مربي الأمير وزمس.
2024-04-26
الموظف نفرحبو طحان آمون.
2024-04-26
الموظف نب وعي مدير بيت الإله أوزير
2024-04-26

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (64-68) من سورة غافر  
  
3121   01:26 صباحاً   التاريخ: 17-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الغين / سورة غافر /

قال تعالى : {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُو الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) هُو الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُو الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [غافر : 64 - 68] .

 

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

عاد سبحانه إلى ذكر الأدلة على توحيده فقال {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا} أي مستقرا تستقرون عليه {والسماء بناء} أي وجعل السماء بناء مرتفعا فوقها ولو جعلها رتقا لما أمكن الخلق الانتفاع بما بينهما .

ثم قال {وصوركم فأحسن صوركم} لأن صورة ابن آدم أحسن صور الحيوان وقال ابن عباس خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل بيده ويتناول بيده وكل من خلقه الله يتناول بفيه {ورزقكم من الطيبات} لأنه ليس شيء من الحيوان له طيبات المأكل والمشارب مثل ما خلق الله سبحانه لابن آدم فإن أنواع الطيبات واللذات التي خلقها الله تعالى لهم من الثمار وفنون النبات واللحوم وغير ذلك مما لا يحصى كثرة .

ثم قال {ذلكم الله ربكم} أي فاعل هذه الأشياء خالقكم {فتبارك الله رب العالمين} أي جل الله بأنه الدائم الثابت الذي لم يزل ولا يزال {هو الحي} معناه إن الذي أنعم عليكم بهذه النعم هو الحي على الإطلاق من غير علة ولا فاعل ولا بنية {لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين} أي مخلصين في دعائه وعبادته {الحمد لله رب العالمين} قال الفراء وهو خبر وفيه إضمار كأنه قال ادعوه واحمدوه على هذه النعم وقولوا الحمد لله رب العالمين وروى مجاهد عن ابن عباس قال من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين يريد قول الله {مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} .

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {قل} يا محمد لكفار قومك {إني نهيت} أي نهاني الله {أن أعبد الذين تدعون من دون الله} أي أوجه العبادة إلى من تدعونه من دون الله من الأصنام التي تجعلونها آلهة {لما جاءني البينات من ربي} أي حين أتاني الحجج والبراهين من جهة الله تعالى دلتني على ذلك {وأمرت} مع ذلك {أن أسلم لرب العالمين} أي استسلم لأمر رب العالمين الذي يملك تدبير الخلائق أجمعين .

ثم عاد إلى ذكر الأدلة فقال {هو الذي خلقكم} معاشر البشر {من تراب} أي خلق أباكم آدم من تراب وأنتم نسله وإليه تنتمون {ثم من نطفة} أي ثم أنشأ من ذلك الأصل الذي خلقه من تراب النطفة وهي ماء الرجل والمرأة {ثم من علقة} وهي قطعة من الدم {ثم يخرجكم طفلا} أي أطفالا واحدا واحدا فلذلك ذكره بالتوحيد قال يونس العرب تجعل الطفل للواحد والجماعة قال الله تعالى {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} والمعنى ثم يقلبكم أطوارا إلى أن يخرجكم من أرحام الأمهات أطفالا صغارا .

{ثم لتبلغوا أشدكم} وهو حال استكمال القوة وهذا يحتمل أن يكون معطوفا على معنى قوله {ثم يخرجكم طفلا} لتنشاوا وتشبوا {ثم لتبلغوا أشدكم} ويحتمل أن يكون معطوفا على معنى قوله {يخرجكم طفلا} والتقدير لطفوليتكم ثم لتبلغوا أشدكم .

{ثم لتكونوا شيوخا} بعد ذلك {ومنكم من يتوفى من قبل} أي من قبل أن يصير شيخا ومن قبل أن يبلغ أشده {ولتبلغوا أجلا مسمى} أي وليبلغ كل واحد منكم ما سمي له من الأجل الذي يموت عنده وقيل هذا للقرن الذي تقوم عليهم القيامة والأجل المسمى هو القيامة عن الحسن {ولعلكم تعقلون} أي خلقكم لهذه الأغراض التي ذكرها ولكي تتفكروا في ذلك فتعقلوا ما أنعم الله به عليكم من أنواع النعم وأراده منكم من إخلاص العبادة .

ثم قال {هو الذي يحيي ويميت} أي من خلقكم من تراب على هذه الأوصاف التي ذكرها هو الذي يحييكم وهو الذي يميتكم فأولكم من تراب وآخركم إلى تراب {فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} ومعناه أنه يفعل ذلك من غير أن يتعذر ويمتنع عليه فهو بمنزلة ما يقال له كن فيكون لأنه سبحانه يخاطب المعدوم بالتكون .

_______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص453-455 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَراراً والسَّماءَ بِناءً} . وصف سبحانه الأرض في هذه الآية بكلمة قرار ، وفي غيرها بكلمة مستقر وفراش ومهد ومهاد ، والمعنى واحد . ووصف السماء في هذه الآية بالبناء ، وفي غيرها بالسقف وذات البروج وذات الحبك ، والمراد بالسقف التشبيه به لأنها تظهر للعيان مثله ، وقال جماعة من المفسرين : ان المراد بالبروج النجوم ، والحبك الطرق . أما البناء فالمراد به انه تعالى احكم خلقها وزينها بزينة الكواكب ، كما في الآية 6 من سورة الصافات .

{وصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ورَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ} . خلق اللَّه الإنسان في أحسن خلقة وأحكمها وأدقها شكلا وقواما وأعضاء ، بالإضافة إلى البيان والإدراك وغيره من الغرائز . . ولعل أروع ما في خلق الإنسان هذا التلاؤم العجيب بينه وبين الكون أرضا وسماء بحيث جاء تصميمه على نحو يستطيع أن يستغل ويكيف ما في الكون من طاقات وخيرات حسب مصالحه وحاجاته . . ولولم يكن من دليل على وجود اللَّه وعظمته إلا هذا الكائن العجيب - الإنسان - لكفى . وبهذا نجد تفسير قوله تعالى : {وفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} 21 الذاريات . وتكلمنا عن ذلك مفصلا عند تفسير الآية 70 من سورة الإسراء ج 5 ص 66 فقرة بما ذا كرّم اللَّه بني آدم ؟

{هُو الْحَيُّ لا إِلهً إِلَّا هُو فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} .

هو الحي لأنه وهب الحياة ، وهو الواحد الأحد لأنه إله ، والألوهية في واقعها تستدعي التفرد والوحدانية ، ومعنى الإخلاص للَّه في الدين ان تؤمن به وحده ، وتتجه إليه دون سواه في جميع أقوالك وأفعالك . وتقدم مثله في الآية 29 من سورة الأعراف والآية 14 من السورة التي نحن بصددها . وقوله تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ} بعد قوله : وصوركم . . ورزقكم يشير إلى أن على الإنسان أن يحمد اللَّه ويشكره على نعمة الخلق والرزق .

{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ} . هذا هو الأسلوب الحكيم في الجدال والنقاش .

قال المشركون لرسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) : اعبد ما نعبد من الأصنام . . فقال سبحانه لنبيه الكريم : قل لهم : كيف أعبد الأصنام وقد نهاني ربي عن عبادتها ، وأمرني أن أسلَّم جميع أموري له وحده ، وألهمني الأدلة الكافية الشافية على أن معبودكم ليس أهلا للعبادة لأنه حجر لا ينفع ولا يضر . وتقدم مثله في الآية 41 من هذه السورة .

{هُو الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً ومِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ ولِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى ولَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} . تقدم مثله في الآية 70 من سورة النحل و5 من سورة الحج و14 من سورة المؤمنون و11 من سورة فاطر .

 

الفيلسوف (راسل) والأجل المسمى :

 

{هُو الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} . اللَّه سبحانه يوجد الموت والحياة في الأشياء الطبيعية ، ويوجد الطبيعة بجميع كواكبها بكلمة {كن} يوجدها من لا شيء ، فلا سديم ، وهو على ما قيل يشبه الدخان ، ولا غيره من قبل ، وإذا قال قائل : ومن الذي خلق اللَّه ؟ قلنا في جوابه :

ان معنى {اللَّه} انه خالق غير مخلوق ، وان ذاته بما هي تستدعي الوجود ولا تحتاج إلى موجد ، فإذا قال ثانية : هذه مجرد دعوى ، ويحق لنا أن نأتي بمثلها ونقول : ان ذات السديم مقتضية للوجود ولا تحتاج إلى موجد ، وإذا طالبنا من يؤمن باللَّه - ما زال الكلام للقائل - إذا طالبنا بالدليل على دعوانا طالبناه بدورنا بالدليل على دعواه ، إذا قال هذا قائل قلنا في جوابه : ان هذه الحياة وهذا النظام في الطبيعة لا يفسرهما الأثير ، ولا أي شيء لا حياة فيه ولا إدراك لأن فاقد الشيء لا يعطيه . . إذن ، لم يبق أمام العقل في تفسير الحياة والنظام في الطبيعة الا التسليم بوجود قادر حكيم خالق كل شيء ، ولا يفتقر إلى شيء ، وكل فرض غير هذا فإن العقل يأباه ، ومن أنكر صحته فليأت بخير منه ويدع من يشاء ونحن معه .

والخلاصة ان اللَّه سبحانه خلق الإنسان في أحسن تقويم ، ونقله من طور إلى طور حتى بلغ أجله المحتوم . . وإذا لم نر الخالق بالذات فقد رأينا آثاره والدلائل الدالة عليه في عظيم خلقه . . وما أحقر ما رأينا في جنب ما غاب عنا من قدرته وملكوته .

وبمناسبة قوله تعالى : {ولِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى ولَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} نذكر حادثة حصلت للفيلسوف الكبير (برتراند راسل) حين كان في السادسة والسبعين من عمره .

في سنة 1948 سافر راسل في الطائرة من أوسلو إلى لندن ، ولما قربت الطائرة من شاطئ النرويج سألته المضيفة ان كان من الضروري أن يدخن ؟ فقال لها :

ان لم أدخن فسوف أموت . وكان يجلس في مقدمة الطائرة ، فأشارت عليه أن يجلس في المؤخرة إذا أراد التدخين ففعل ، وما أن استقر به الجلوس حتى سقطت الطائرة في البحر ، فغرق كل من في مقدمتها ، ونجا من في المؤخرة . . ولا نجد تفسيرا لهذا إلا قوله تعالى : {ولِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى ولَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وانما قرن سبحانه الأجل المسمى بقوله : ولعلكم تعقلون ، ليشير إلى الملحدين الذين يفسرون هذه الحادثة وأمثالها بالصدفة .

________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص466-468 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء} إلى آخر الآية القرار المستقر الذي يستقر عليه ، والبناء - على ما قيل - القبة ومنه أبنية العرب للقباب المضروبة عليهم .

يذكر تعالى نعمة استقرار الإنسان على الأرض وتحت السماء .

وقوله : {وصوركم فأحسن صوركم} الفاء للتفسير والمعنى أحسن خلق صوركم وذلك أن الإنسان جهز من دقائق التجهيز في صورته بما يقوى به من الأعمال المتنوعة العجيبة على ما لا يقوى عليه شيء من سائر الموجودات الحية ، ويلتذ من مزايا الحياة بما لا يتيسر لغيره أبدا .

وقوله : {ورزقكم من الطيبات} هي الأرزاق المتنوعة التي تلائم بطبائعها طبيعة الإنسان من الحبوب والفواكه واللحوم وغيرها ، وليس في الحيوان متنوع في الرزق كالإنسان .

وقوله : {ذلكم الله ربكم} أي المدبر لأمركم ، وقوله : {فتبارك الله رب العالمين} ثناء عليه عز وجل بربوبيته لجميع العالمين ، وقد فرعه على ربوبيته وتدبيره للإنسان إشارة إلى أن الربوبية واحدة وتدبيره لأمر الإنسان عين تدبيره لأمر العالمين جميعا فإن النظام الجاري نظام واحد روعي في انطباقه على كل ، انطباقه على الكل فهو سبحانه متبارك منشأ للخير الكثير فتبارك الله رب العالمين .

قوله تعالى : {هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين} إلخ في جملة {هو الحي} إطلاق لا مقيد لا عقلا ولا نقلا مضافا إلى إفادة الحصر فمفادها أن له تعالى وحده حياة لا يداخلها موت ولا يزيلها فناء فهو تعالى حي بذاته وغيره كائنا ما كان حي بإحياء غيره .

وإذا فرض هناك حي بذاته وحي بغيره لم يستحق العبادة بذاته إلا من كان حيا بذاته ، ولذلك عقب قوله : {هو الحي} بقوله : {لا إله إلا هو} .

وقد سيقت الجملتان توطئة للأمر بدعائه ولا مطلق دعائه بل دعائه بالتوحيد وإخلاص الدين له وحده لأنه الحي بذاته دون غيره ولأنه المعبود بالاستحقاق الذاتي دون غيره ، ولذلك فرع على قوله : {هو الحي لا إله إلا هو} قوله : {فادعوه مخلصين له الدين} .

وقوله : {الحمد لله رب العالمين} ثناء عليه بربوبيته للعالمين .

قوله تعالى : {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين} معنى الآية ظاهر ، وفيه إياس للمشركين من موافقته لهم في عبادة آلهتهم} وقد تكرر هذا المعنى في سورة الزمر ويمكن أن يستأنس منه أن هذه السورة نزلت بعد سورة الزمر .

قوله تعالى : {هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة} إلخ المراد بخلقهم من تراب خلق أبيهم آدم من تراب فإن خلق غيره ينتهي إليه فخلقه من تراب هو خلقهم منه أو المراد بخلقهم من تراب تكوين النطفة من البسائط الأرضية .

وقوله : {ثم من نطفة} إلخ أي ثم خلقناكم من نطفة حقيرة معلومة الحال {ثم من علقة} كذلك {ثم يخرجكم} من بطون أمهاتكم {طفلا} أي أطفالا ، والطفل - كما قيل - يطلق على الواحد والجمع قال تعالى : {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ } [النور : 31] .

{ثم لتبلغوا أشدكم} اللام للغاية وكان متعلقها محذوف والتقدير ثم ينشئكم لتبلغوا أشدكم وهومن العمر زمان اشتداد القوى {ثم لتكونوا شيوخا} معطوف على {لتبلغوا} {ومنكم من يتوفى من قبل} فلا يبلغ أحد هذه المراحل من العمر كالشيخوخة وبلوغ الأشد وغيرهما .

{ولتبلغوا أجلا مسمى} وهو النهاية من الأمد المضروب الذي لا سبيل للتغير إليه أصلا ، وهو غاية عامة لجميع الناس كيفما عمروا قال تعالى : {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } [الأنعام : 2] .

ولذلك لم تعطف الجملة بثم حتى تتميز من الغايتين المذكورتين سابقا .

وقوله : {ولعلكم تعقلون} أي تدركون الحق بالتعقل المغروز فيكم ، وهذا غاية خلقة الإنسان بحسب حياته المعنوية كما أن بلوغ الأجل المسمى غاية حياته الدنيا الصورية .

قوله تعالى : {هو الذي يحيي ويميت} إلخ أي هو الذي يفعل الإحياء والإماتة وفيهما نقل الأحياء من عالم إلى عالم وكل منهما مبدأ لتصرفاته بالنعم التي يتفضل بها على من يدبر أمره .

وقوله : {فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} تقدم تفسيره كرارا .

________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص281-282 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

ذلكم الله ربّكم :

تستمر هذه المجموعة من الآيات الكريمة بذكر المواهب الإلهية العظيمة وشمولها للعباد ، كي تهب لهم المعرفة ، وتُربي في نفوسهم الأمل بالدعاء والتسليم وطلب الحوائج من الله تعالى .

والطريف في الأمر هنا أنّ الآيات السابقة كانت تتحدث عن «النعم الزمانية» من ليل ونهار ، بينما تتحدث هذه المجموعة عن «النعم المكانية» أي الأرض القرار ، والسقف المرفوع (السماء) حيث تقول : {الله الذي جعل لكم الأرض قراراً} .

لقد خلق الله للإنسان الأرض كي تكون مقرّاً هادئاً ومستقراً آمناً له إنّه المكان الخالي من المعوقات الصعبة ، متناسق في تشكيلته مع تكوين الإنسان الروحي والجسدي ، حيث تتوفر في الارض المصادر المختلفة للحياة والوسائل المتنوعة والمجانية التي يحتاجها لمعيشته .

ثم تضيف الآية : {والسماء بناءاً} أي كالسقف والقبة فوقكم .

و«بناء» كما يقول «ابن منظور» في لسان العرب ، تعني البيوت التي كان عرب البادية يستفيدون منها ويستظلون تحتها كالخيم وما يستظل الإنسان تحته .

إنّه تعبير جميل ودال حيث يصوّر السماء كالخيمة التي تغطي أطراف الأرض ولا تنقص منها شيئاً . والمقصود بالسماء هنا الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض .

إنّ الخيمة الإلهية الكبيرة هذه تقلل من شدّة أشعة الشمس ، وعدمها يعرض الأرض إلى الأشعة الكونية الحارقة القاتلة لجميع الكائنات الحية الموجودة على الأرض ، لذلك نرى أنّ رواد الفضاء مضطرين لارتداء ملابس خاصة تحميهم من هذه الإشاعات .

إضافة إلى ما تقدم ، تمنع الخيمة السماوية سقوط الأحجار التي تنجذب من السماء نحو الأرض ، حيث تقوم بإحراقها بمجرّد وصولها إلى غلاف الأرض ليصل رمادها بهدوء الى الأرض .

وإلى هذا المعنى تشير الآية (32) من سورة الأنبياء ، حيث يقول تعالى : { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء : 32] .

ثمّ ينتقل الحديث من آيات الآفاق إلى آيات الأنفس ، فيقول تعالى : {وصوركم فأحسن صوركم} . القامة متوازنة خالية من الإنحراف ، وجه في تقاطيع جميلة لطيفة وفي منتهى النظم والإستحكام ، إذ يمكن بلمحة واحدة التمييز بين الكائن البشري وبين الموجودات والكائنات الأُخرى .

إنّ الهيكل الإنساني الخاص يؤهل الإنسان لإنجاز مختلف الأعمال من الصناعة والزراعة والتجارة والإدارة ، وهو بامتلاكه للأعضاء المختلفة يعيش مرتاحاً مستفيداً من مواهب الحياة وعطايا الخالق .

الإنسان على خلاف أغلب الحيوانات التي تشرب الماء بفمها ، فإنّه يحمل المشروبات والمأكولات بيديه ، ويقوم بشرب الماء في منتهى الدّقة واللطافة ، وهذا الأمر يجعل الإنسان أقدر على انتخاب ما يشاء من الأشربة والأطعمة . ويجعل ما يتناوله نظيفاً غير مخلوط مع غيره . فهو مثلا يقشّر الفاكهة ويهذبها قبل تناولها ، ويرمي الأجزاء الزائدة .

لقد ذهب بعض المفسّرين في تفسير : (وصوركم فأحسن صوركم) إلى معنى أوسع من الصورة والشكل الظاهري والتكوين الداخلي ، فقال : إن المعنى يتضمن كل الإستعدادات والأذواق التي خلقها الله في الإنسان وأودعها فيه ، ففضله بها على كثير ممن خلق .

وفي آخر الحديث عن سلسلة هذه العطايا والمواهب الإلهية ، تتحدث الآية عن النعمة الرّابعة ، وهي الرزق الطيب بقوله تعالى : {ورزقكم من الطيبات} .

«الطيبات» تشتمل على معنى وسيع جدّاً ، وهي تشمل الجيد من الطعام واللباس والزوجة والمسكن والدواب ، وهي أيضاً تشمل الكلام والحديث الطيب الزكي النافع .

الإنسان يقوم بسبب جهله وغفلته بتلويث هذه المواهب الطاهرة والطيبات اللذيذة ، إلاّ أنّ الله أبقى على نقائها وطهرها في عالم الوجود .

بعد بيان هذه المجموعة الرباعية من النعم الإلهية التي تتوزع بين الأرض والسماء وبين خلق الإنسان ، تعود الآية للقول : {ذلكم الله ربّكم فتبارك الله ربّ العالمين} (2) .

إنّ هذه المواهب تعود لله مدبر الكون خالق السماوات والأرض ، لذلك فهو الذي يليق بمقام الرّبوبية لا غير .

الآية التي بعدها تستمر في إثارة قضية توحيد العبودية من طريق آخر . فتؤّكد انحصار الحياة الواقعية بالله تعالى وتقول : {هو الحي} .

إنّ حياته عين ذاته ، ولا تحتاج إلى الغير . حياته (جلّ وتعالى) أبدية لا يطالها الموت ، بينما جميع الكائنات الحية تتمتع بحياة مقرونة بالموت وحياتها محدودة وموقتة تسترفد هذه الحياة من الذات المقدسة .

لذلك ينبغي للإنسان الفاني المحدود المحتاج أن يرتبط في عبادته بالحي المطلق ، من هنا تنتقل الآية مباشرة إلى تقرير معنى الوحدانية في العبودية من خلال قوله تعالى : {لا إله إلاّ هو} .

وعلى اساس هذه الوحدانية تتقرّر قضية اُخرى يتضمنها قوله تعالى : {فادعوه مخلصين له الدين} واتركوا جانباً كلّ شيء غيره . لأنّها جميعاً فانية ، وحتى في حال حياتها فهي في تغيّر دائم «فالذي لا يتغيّر هو الله تعالى فقط . والذي لم يمت ولن يموت هو سبحانه فحسب» .

ثم تنتهي الآية بقوله تعالى : {الحمد لله ربّ العالمين} .

والتعبير القرآني درس للعباد بأن يتوجهوا الشكر والحمد إلى الخالق جلّ وعلا دون غيره ، فهو جزيل العطايا كثير المواهب مطلق النعم على عباده ، خاصّة نعمة الحياة والوجود بعد العدم .

الآية الأخيرة من المجموعة القرآنية ، هي في الواقع خلاصة لكل البحوث التوحيدية الآنفة ، وجاءت لكي تقضي على أدنى بارقة أمل قد يحتمل وجودها في نفوس المشركين ، إذ يقول تعالى موجهاً كلامه إلى النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) : (قل إنّي نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربّي) .

ولم ينهاني ربّي عن عبادة غيره فحسب ، بل : {وأمرت أن أسلم لربّ العالمين} . نهى عن عبادة الأصنام يتبعه ـ مباشرة ـ بدليل منطقي من البراهين والبينات ومن العقل والنقل ، في أن يسلم لـ : «ربّ العالمين» وفي هذه العبارة أيضاً دليل آخر على المقصود لأن كونه ربّ العالمين دليل كاف على ضرورة التسليم في مقابله .

ومن الضروري أن نشير إلى افتراق الأمر والنهي في هذه الآية ، فهناك أمر بالتسليم لله جلّ وعلا ، ونهي عن عبادة الأصنام ، وقد يعود السبب في التفاوت بين النهي والأمر إلى أنّ الأصنام قد تختص بصفة «العبادة» وحسب ، لذلك جاء النهي عن عبادتها . أما بالنسبة لله تعالى فبالإضافة إلى عبادته يجب التسليم له والإنصياع والإنقياد إلى أوامره وتعليماته .

لذلك نقرأ في الآيتين (11ـ12) من سورة «الزمر» قوله تعالى : {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} [الزمر : 11 ، 12] .

إنّ أمثال هذه الصيغ والأساليب المؤثرة يمكن أن نلمسها في كلّ مكان من كتاب الله العزيز ، فهي تجمع الليونة والأدب حتى إزاء الأعداء والخصوم ، بحيث لو كانوا يملكون أدنى قابلية لقبول الحق فسيتأثرون بالأسلوب المذكور .

ينبغي أن نلاحظ أيضاً التعبير في قوله تعالى : {إنّي أمرت . . . إنّي نهيت} أيّ عليكم أنتم أن تحاسبوا أنفسكم من دون أن يثير فيهم حسّ اللجاجة والعناد .

الكلام الأخير في هذه المجموعة من الآيات هو أنّها أعادت وصف الخالق بـ «ربّ العالمين» في ثلاث آيات متتالية :

تقول أولا : {فتبارك الله ربّ العالمين} .

ثم : {الحمد لله ربّ العالمين} .

وأخيراً : {أمرت أن أسلم لربّ العالمين} .

إنّه نوع من أنواع الترتيب المنطقي الذي يصل بين أجزائها وجوانبها فالآية الأولى تشير إلى البركة وديموميتها ، والثانية إلى اختصاص الحمد والثناء بذاته المقدسة دون غيره ، وأخيراً تخصيص العبودية وحصرها به دون غيره عزّ اسمه .

 

وقوله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [غافر : 67 ، 68] .

 

المراحل السبع لخلق الإنسان :

تتميماً لما تحدثت به الآيات السابقة عن قضية التوحيد ، تستمر الآيات التي بين أيدينا في إثارة نفس الموضوع من خلال الحديث عن «الآيات الأنفسية» والمراحل التي تطوي خلق الإنسان وتطوره ، من البدء إلى النهاية .

الآية الكريمة تتحدث عن سبع مراحل تكشف عن عظمة الخالق جلّ وعلا وجزيل مواهبه ونعمه على العباد .

يقول تعالى : {هو الذي خلقكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ يخرجكم طفلا ثمّ لتبلغوا أشدكم ثمّ لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمّى ولعلكم تعقلون} .

يتضح من سياق الآية الكريمة أنّ المرحلة الأولى أو بداية الإنسان في مسيرة الخلق والوجود تكون من التراب ، حيث خلق الله أبانا الأوّل آدم(عليه السلام) من تراب ، أو أنّ جميع البشر خلقوا من التراب ، ذلك أنّ المواد الغذائية التي تشكل قوام الإنسان ووجوده ، بما في ذلك النطفة ، سواء كانت حيوانية أم نباتية كلّها تستمد أساسها وأصولها من التراب .

المرحلة الثانية ، هي مرحلة النطفة التي تشمل جميع البشر كأصل ثان في وجودهم عدا آدم وزوجته حوّاء .

المرحلة الثّالثة التي تتكامل فيها النطفة وتنمو بشكل مستمر وتتحول إلى قطعة دم والمسمى بمرحلة «العلقة» .

بعد ذلك تتحول «العلقة» إلى «مضغة» أشبه ما تكون باللحم «الممضوغ» مرحلة ظهور الأعضاء ، ثمّ مرحلة الحس والحركة ، والآية لا تشير هنا إلى هذه المراحل الثلاث ، لكن الآيات الأُخرى أشارت إلى ذلك بشكل واضح .

المرحلة الرّابعة تتمثل في ولادة الجنين . بينما تتمثل المرحلة الخامسة في تكامل القوّة الجسمية التي قيل إنها تتم في سن الثلاثين ، حيث سيحرز الجسم الإنساني أكبر قدر ممكن من نموه وتكامل قواه .

وقال البعض : إنّ الإنسان يصل هذه المرحلة قبل هذا السن ، ومن الممكن أن تختلف هذه المرحلة عند الأشخاص إلى أن يحرز الإنسان فيها مرحلة «بلوغ الأشد» حسب التعبير القرآني .

بعد ذلك تبدأ مرحلة الرجوع القهقري إلى الوراء ، فيفقد الإنسان قواه تدريجياً ، فيصل إلى الشيب الذي يعتبر المحطة السادسة من محطات الإنسان .

أخيرأ ، تنتهي حياة كلّ إنسان في الأرض بالموت والإنتقال إلى العالم الآخر .

بعد كلّ هذه التغيرات والتطورات ، هل ثمّة من شك في قدرة وعظمة مبدىء عالم الوجود ، وألطاف الله ومواهبه على الخلق ؟!

الطريف أنّ الآية تستخدم في الإشارة إلى المراحل الأربع الأولى تعبير «خلقكم» لأنّ ليس للإنسان أي دور فيها ، حيث يتطور من التراب إلى النطفة ثمّ إلى العلقة فطفلا صغيراً من دون أن يكون له أي دور في هذه التحولات . لكن في المراحل الثلاث التي تلي الولادة ، أي مرحلة الوصول إلى أقصى القوة الجسمية ثمّ مرحلة الشيب وانتهاء العمر ، استخدمت الآية تعبير «لتبلغوا» و«لتكونوا» وفيها إشارة إلى كيان الإنسان الحرّ وفيها أيضاً ما يشير إلى الحقيقة التي تقول : إنّ نمو الإنسان ووجوده عبَر هذه المراحل الثلاث ، وتقدمه باطّراد أو تأخره ، يرتبط بشكل أو بآخر بحسن تدبير الإنسان أو سوء تدبير ، ، حيث يبلغ من الشيخوخة أو يموت مبكراً ، وهذا يدل على مدى الدقّة في استخدام التعابير القرآنية الآنفة الذكر .

وسبق أن أشرنا إلى أنّ التعبير بـ «يتوفى» الذي يتضمن معنى الموت ، لا يعني الفناء التام وفق المنطق القرآني ، بل إنّ ملك الموت يمسك الروح ويقبضها بإذنه تعالى وبحسب الأجل الإلهي المحتوم ، فتنقل الأرواح إلى عالم آخر ألا وهو عالم «البرزخ» .

إن تكرار مفاد هذا التعبير في القرآن الكريم ، يبيّن بوضوح نظرة الإسلام تجاه الموت ، هذا المفهوم الذي يخرج عن نطاق الفهم المادي الضيق الذي يقرن الموت بالفناء والعدم ، بينما الموت لا يعبِّر إلاّ عن انتقال الروح من هذا العالم إلى عال آخر هو عالم البقاء .

وقوله تعالى : {ومنكم من يتوفى من قبل} قد يكون إشارة إلى حصول الموت قبل مرحلة الشيخوخة ، أوقد يعني الإشارة إلى المراحل السابقة بأجمعها; بمعنى أنّ الموت قد يصيب الإنسان قبل أن يبلغ إلى مرحلة من المراحل السابقة .

ومن الضروري أن نشير هنا إلى أنّ جميع المراحل ، عدا المرحلة الأخيرة (أي بلوغ نهاية العمر وحلول الوفاة) قد عطفت بـ «ثم» وهي إشارة إلى السياق التسلسلي الترتيبي في سياق وجودها في حياة الإنسان ، فمرحلة «المضغة» لا تسبق ـ مثلاـ مرحلة «النطفة» وهكذا . وفي هذا النوع من العطف إشارة أيضاً إلى وجود الفاصلة بين مرحلة واُخرى .

أما عطف المرحلة الأخيرة بـ (الواو) فقد يكون السبب فيه أنّ نهاية العمر لا تكون بالضرورة بعد انتهاء مرحلة الشيخوخة ، إذ كثيراً ما يموت الإنسان قبل بلوغه إلى مرحلة الشيخوخة (هناك بحث عن «الأجل المسمى» ذيل الآية 2 سورة الأنعام والآية 34 من سورة الأعراف والآية 61 من سورة النحل) .

الآية الأخيرة في هذا البحث تتحدث عن أهم مظهر من مظاهر قدرة الله تبارك وتعالى متمثلة بقضية الحياة والموت ، هاتان الظاهرتان اللتان لا تزالان بالرغم من تقدم العلم وتطوره في نطاق الأمور الغامضة والمجهولة في معرفة الإنسان وعلمه .

قول تعالى : {هو الذي يحيي ويميت} .

إنّ الحياة والموت ـ بالمعنى الواسع للكلمة ـ بيد الله ، سواء تعلق ذلك بالإنسان أو النبات أو أنواع الحيوان والموجودات الأُخرى التي تتجلى فيها الحياة بأشكال متنوعة .

إنّ نماذج الحياة تعتبر أكثر النماذج تنوعاً في عالم الوجود وكل الكائنات تنتهي بأجل معين إلى الموت ، سواء في ذلك الكائن ذو الخلية الواحدة أو الحيوانات الكبيرة ، أو التي تعيش في الأعماق المظلمة للمحيطات والبحار ، أو الطيور التي تعانق السماء ، ومن الاحياء احادية الخلية السابحة في امواج المحيطات إلى الأشجار التي يبلغ طولها عشرات الأمتار ، فإنّ لكل واحد منها حياة خاصّة وشرائط معينة ، وبهذه النسبة تتفاوت عملية موتها ، وبدون شك فإن اشكال الحياة هي أكثر اشكال الخلقة تنوعاً وأعجبها .

إنّ الإنتقال من عالم إلى آخر; من الوجود المادي الى الحياة ، ومن الحياة في هذه الدّنيا الى ما بعد الموت يستبطن أسراراً وعجائب بليغة تحكي عظمة الخالق ومدى قدرته في هذه الخليقة العجيبة المتنوعة وكل واحدة من هذه القضايا المعقدة والمتنوعة لا تعتبر مشكلة وعسيرة في متناول قدرة الخالق جلّ وعلا ، حيث تتحقق بمجرّد إرادته .

لذلك تقول الآية في نهايتها بياناً لهذه الحقيقة : {فإذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون} .

إنّ كلمة «كن» وبعدها «فيكون» هي من باب عدم قدرة الألفاظ على استيعاب حقيقة الإرادة والقدرة الإلهية ، وإلاّ فليس ثمّة من حاجة إلى هذه الجملة ، لأنّ إرادة الله هي نفسها حدوث الكائنات ووجودها(3)بدون فصل .

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص111-118 .

2 ـ «ذلكم» اسم إشارة للبعيد . واستخدامها في مثل هذه الموارد كناية على العظمة وعلو المقام .

3 ـ راجع تفسير قوله تعالى : (كن فيكون) في أثناء الحديث عن الآية (117) من سورة البقرة .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



اللجنة التحضيرية للمؤتمر الحسيني الثاني عشر في جامعة بغداد تعلن مجموعة من التوصيات
السيد الصافي يزور قسم التربية والتعليم ويؤكد على دعم العملية التربوية للارتقاء بها
لمنتسبي العتبة العباسية قسم التطوير ينظم ورشة عن مهارات الاتصال والتواصل الفعال
في جامعة بغداد.. المؤتمر الحسيني الثاني عشر يشهد جلسات بحثية وحوارية