التفسير بالمأثور/المعاد/النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
أحمد بن محمد بن عيسى، عن سعيد بن جناح،
عن عوف بن عبد الله الازدي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أراد الله تبارك وتعالى قبض روح المؤمن قال: يا
ملك الموت انطلق أنت وأعوانك إلى عبدي فطال ما نصب نفسه من أجلي، فأتني بروحه لأريحه
عندي، فيأتيه ملك الموت بوجه حسن، وثياب طاهرة، وريح طيبة، فيقوم بالباب فلا يستأذن
بوابا، ولا يهتك حجابا، ولا يكسر بابا، معه خمسمائة ملك أعوان، معهم طنان الريحان،
والحرير الابيض، والمسك الاذفر فيقولون: السلام عليك يا ولي الله ابشر فإن الرب يقرؤك
السلام، أما إنه عنك راض غير غضبان، وابشر بروح وريحان وجنة نعيم، قال: أما الروح فراحة
من الدنيا وبلائها، وأما الريحان من كل طيب في الجنة، فيوضع على ذقنه فيصل ريحه إلى
روحه، فلا يزال في راحة حتى يخرج نفسه، ثم يأتيه رضوان خازن الجنة فيسقيه شربة من الجنة
لا يعطش في قبره ولا في القيامة حتى يدخل الجنة ريانا، فيقول: يا ملك الموت رد روحي
حتى يثني على جسدي وجسدي على روحي، قال: فيقول ملك الموت: ليثن كل واحد منكما على صاحبه،
فيقول الروح: جزاك الله من جسد خير الجزاء، لقد كنت في طاعة الله مسرعا، وعن معاصيه
مبطئا، فجزاك الله عني من جسد خير الجزاء، فعليك السلام إلى يوم القيامة، ويقول الجسد
للروح مثل ذلك. قال: فيصيح ملك الموت: أيتها الروح الطيبة اخرجي من الدنيا مؤمنة مرحومة
مغتبطة، قال: فرقت به الملائكة، وفرجت عنه الشدائد، وسهلت له الموارد، وصار لحيوان
الخلد، قال: ثم يبعث الله له صفين من الملائكة غير القابضين لروحه، فيقومون سماطين
ما بين منزله إلى قبره يستغفرون له ويشفعون له، قال: فيعلله ملك الموت ويمنيه ويبشره
عن الله بالكرامة والخير كما تخادع الصبي امه، تمرخه بالدهن والريحان وبقاء النفس،
ويفديه بالنفس والوالدين، قال: فإذا بلغت الحلقوم قال الحافظان اللذان معه: يا ملك
الموت ارأف بصاحبنا وارفق فنعم الاخ كان ونعم الجليس لم يمل علينا ما يسخط الله قط،
فإذا خرجت روحه خرجت كنخلة بيضاء وضعت في مسكة بيضاء، ومن كل ريحان في الجنة فأدرجت
إدراجا، وعرج بها القابضون إلى السماء الدنيا، قال: فيفتح له أبواب السماء ويقول لها
البوابون: حياها الله من جسد كانت فيه، لقد كان يمر له علينا عمل صالح ونسمع حلاوة
صوته بالقرآن، قال فبكى له أبواب السماء والبوابون لفقده ويقولون: يا رب قد كان لعبدك
هذا عمل صالح وكنا نسمع حلاوة صوته بالذكر للقرآن، ويقولون: اللهم ابعث لنا مكانه عبدا
يسمعنا ما كان يسمعنا، ويصنع الله ما يشاء، فيصعد به إلى عيش رحب به ملائكة السماء
كلهم أجمعون، ويشفعون له ويسغفرون له، ويقول الله تبارك وتعالى: رحمتي عليه من روح،
ويتلقاه أرواح المؤمنين كما يتلقى الغائب غائبه، فيقول بعضهم لبعض: ذروا هذه الروح
حتى تفيق فقد خرجت من كرب عظيم، وإذا هو إستراح أقبلوا عليه يسالونه ويقولون: ما فعل
فلان وفلان ؟ فإن كان قد مات بكوا واسترجعوا ويقولون: ذهبت به امه الهاوية فإنا لله
وإنا إليه راجعون، قال: فيقول الله: ردوها عليه، فمنها خلقتهم وفيها اعيدهم، ومنها
اخرجهم تارة اخرى، قال: فإذا حمل سريره حملت نعشه الملائكة واندفعوا به اندفاعا والشياطين
سماطين ينظرون من بعيد ليس لهم عليه سلطان ولا سبيل، فإذا بلغوا به القبر توثبت إليه
بقاع الارض كالرياض الخضر، فقالت كل بقعة منها: اللهم اجعله في بطني، قال: فيجاء به
حتى يوضع في الحفرة التي قضاها الله له، فإذا وضع في لحده مثل له أبوه وامه وزوجته
وولده وإخوانه، قال: فيقول لزوجته: ما يبكيك ؟ قال: فتقول، لفقدك، تركتنا معولين، قال
فتجئ صورة حسنة قال: فيقول: ما أنت ؟ فيقول: أنا عملك الصالح، أنا لك اليوم حصن حصين
وجنة و سلاح بأمر الله قال: فيقول: أما والله لو علمت أنك في هذا المكان لنصبت نفسي
لك، وما غرني مالي وولدي، قال: فيقول: ياولي الله ابشر بالخير، فوالله إنه ليسمع خفق
نعال القوم إذا رجعوا، ونفضهم أيديهم من التراب إذا فرغوا، قد رد عليه روحه وما علموا،
قال: فيقول له الارض: مرحبا يا ولي الله، مرحبا بك، أما والله لقد كنت احبك وأنت على
متني، فأنا لك اليوم أشد حبا إذا أنت في بطني، أما وعزة ربي لأحسنن جوارك ولأبردن مضجعك،
ولأوسعن مدخلك، إنما أنا روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، قال: ثم يبعث الله
إليه ملكا فيضرب بجناحيه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه فيوسع له من كل
طريقة أربعين (فرسخا ظ) نورا، فإذا قبره مستدير بالنور، قال: ثم يدخل عليه منكر ونكير
وهما ملكان أسودان، يبحثان القبر بأنيابهما، ويطئنان في شعورهما، حدقتاهما مثل قدر
النحاس، و أصواتهما
كالرعد العاصف، وأبصارهما مثل البرق اللامع، فينتهرانه ويصيحان به ويقولان: من ربك
؟ ومن نبيك ؟ ومادينك ومن إمامك ؟ فإن المؤمن ليغضب حتى ينتفض من الا دلال توكلا على
الله من غير قرابة ولا نسب فيقول: ربي وربكم ورب كل شئ الله، ونبيي ونبيكم محمد خاتم
النبيين، وديني الاسلام الذي لا يقبل الله معه دينا، وإمامي القرآن مهيمنا على الكتب
وهو القرآن العظيم، فيقولان: صدقت ووفقت وفقك الله وهداك، انظر ما ترى عند رجليك، فإذا
هو بباب من نار فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ما كان هذا ظني برب العالمين. قال:
فيقولان له: يا ولي الله لا تحزن ولا تخش وابشر واستبشر ليس هذا لك و لا أنت له، إنما
أراد الله تبارك وتعالى أن يريك من أي شئ نجاك ويذيقك برد عفوه قد اغلق هذا الباب عنك
ولا تدخل النار أبدا، انظر ما ترى عند رأسك ؟ فإذا هو بمنازله من الجنة وأزواجه من
الحور العين، قال: فيثب وثبة لمعانقة حور العين لزوجة من أزواجه فيقولان له: يا ولي
الله إن لك إخوة وأخوات لم يلحقوا، فنم قرير العين كعاشق في حجلته إلى يوم الدين، قال:
فيفرش له ويبسط ويلحد، قال: فوالله ما صبي قد نام مدللا بين يدي امه وأبيه بأثقل نومة
منه، قال: فإذا كان يوم القيامة تجيئه عنق من النار فتطيف به، فإذا كان مدمنا على تنزيل
السجدة وتبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير وقفت عنده تبارك وانطلقت تنزيل السجدة
فقالت: أنا آت بشفاعة رب العالمين. قال: فتجئ عنق من العذاب من قبل يمينه فيقول الصلاة:
إليك عن ولي الله فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فتأتيه من قبل يساره فيقول الزكاة: إليك
عن ولي الله فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فتأتيه من قبل رأسه فيقول القرآن: إليك عن ولي
الله فليس لك إلى ما قبلي سبيل، فيخرج عنق من النار مغضبا فيقول: دونكما ولي الله وليكما،
قال: فيقول الصبر وهو في ناحية القبر: أما والله ما منعني أن ألي من ولي الله اليوم
إلا أني نظرت ما عندكم فلما أن حزتم عن ولي الله عذاب القبر ومؤونته فأنا لولي الله
ذخر وحصن عند الميزان وجسر جهنم والعرض عند الله: فقال علي أمير المؤمنين صلوات الله
عليه: يفتح لولي الله من منزله من الجنة إلى قبره تسعة وتسعين (تسعون ظ) بابا يدخل
عليها روحها وريحانها وطيبها ولذتها ونورها إلى يوم القيامة، فليس شئ أحب إليه من لقاء
الله، قال: فيقول: يا رب عجل علي قيام الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، فإذا كانت صيحة
القيامة خرج من قبره مستورة عورته، مسكنة روعته، قد اعطي الامن والامان، وبشر بالرضوان
والروح والريحان والخيرات الحسان، فيستقبله الملكان اللذان كانا معه في الحياة الدنيا
فينفضان التراب عن وجهه وعن رأسه، ولا يفارقانه ويبشرانه ويمنيانه ويفرجانه كلما راعه
شئ من أهوال القيامة قالا له: يا ولي الله لا خوف عليك اليوم ولا حزن، نحن للذين ولينا
عملك في الحياة الدنيا ونحن أولياؤك اليوم في الآخرة، انظر تلكم الجنة التي اورثتموها
بما كنتم تعملون. قال: فيقام في ظل العرش فيدنيه الرب تبارك وتعالى حتى يكون بينه وبينه
حجاب من نور فيقول له: مرحبا فمنها يبيض وجهه، ويسر قلبه، ويطول سبعون ذراعا من فرحته،
فوجهه كالقمر، وطوله طول آدم، وصورته صورة يوسف، ولسانه لسان محمد صلى الله عليه وآله،
وقلبه قلب أيوب، كلما غفر له ذنب سجد، فيقول: عبدي اقرأ كتابك فيصطك فرائصه شفقا وفرقا،
قال: فيقول: الجبار: هل زدنا عليك سيئاتك و نقصنا من حسناتك ؟ قال: فيقول: يا سيدي
بل أنت قائم بالقسط، وأنت خير الفاصلين، قال: فيقول: عبدي أما استحييت ولا راقبتني
ولا خشيتني ؟ قال: فيقول: سيدي قد أسأت فلا تفضحني فإن الخلائق ينظرون إلى، قال: فيقول
الجبار: وعزتي يا مسيء لا أفضحك اليوم، قال: فالسيئات فيما بينه وبين الله مستورة والحسنات
بارزة للخلائق، قال: فكلما عيره بذنب قال: سيدي لسعيي إلى النار أحب إلي من أن تعيرني.
قال: فيقول الجبار تبارك وتعالى: أتذكر يوم كذا وكذا أطعمت جائعا، و وصلت أخا مؤمنا
كسوت يوما، حججت في الصحاري تدعوني محرما، أرسلت عينيك فرقا، سهرت ليلة شفقا، غضضت
طرفك مني فرقا ؟ فإذا (فذاخ ل) بذا أماما أحسنت فمشكور، وأماما أسأت فمغفور، فعند ذلك
ابيض وجهه، وسر قلبه، ووضع التاج على رأسه، وعلى يديه الحلي والحلل، ثم يقول: يا جبرئيل
انطلق بعبدي فأره كرامتي، فيخرج من عند الله قد أخذ كتابه بيمينه فيدحو به مد البصر
فيبسط صحيفته للمؤمنين والمؤمنات وهو ينادي: " هاؤم اقرءوا كتابيه إني ظننت أني
ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية " فإذا انتهى إلى باب الجنة قيل له: هات الجواز،
قال: هذا جوازي مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم هذا جواز جائز من الله العزيز الحكيم
لفلان بن فلان من رب العالمين، فينادي مناد يسمع أهل الجمع كلهم: ألا إن فلان بن فلان
قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، قال: فيدخل فإذا هو بشجرة ذات ظل ممدود، وماء مسكوب،
وثمار مهدلة يخرج من ساقها عينان تجريان، فينطلق إلى إحداهما فيغتسل منها فيخرج عليه
نضرة النعيم، ثم يشرب من الاخرى فلا يكون في بطنه مغص ولا مرض ولا داء أبدا، و ذلك
قوله: " وسقاهم ربهم شرابا طهورا " ثم تستقبله الملائكة فتقول: طبت فادخلها
مع الخالدين، فيدخل فإذا هو بسماطين من شجر أغصانها اللؤلؤ، وفروعها الحلي والحلل،
ثمارها مثل ثدي الجواري الابكار، فتستقبله الملائكة معهم النوق والبراذين والحلي والحلل
فيقولون: ياولي الله اركب ما شئت، والبس ما شئت، وسل (سرظ) ما شئت، قال: فيركب ما اشتهى،
ويلبس ما اشتهى، وهو على ناقة أو برذون من نور، وثيابه من نور، وحليه من نور، يسير
في دار النور، معه ملائكة من نور، وغلمان من نور، ووصائف من نور، حتى تهابه الملائكة
مما يرون من النور، فيقول بعضهم لبعض: تنحوا فقد جاء وفد الحليم الغفور، قال: فينظر
إلى أول قصر له من فضة مشرفا بالدر والياقوت فتشرف عليه أزواجه فيقولون: مرحبا مرحبا
انزل بنا، فيهم أن ينزل بقصره، قال: فيقول الملائكة: سريا ولي الله فإن هذا لك وغيره،
حتى ينتهي إلى قصر من ذهب مكلل بالدر والياقوت فتشرف عليه أزواجه فيقلن: مرحبا مرحبا
ياولي الله انزل بنا، فيهم أن ينزل به فتقول له الملائكة: سريا ولي الله فإن هذا لك
وغيره. قال: ثم ينتهي إلى قصر مكلل بالدر والياقوت فيهم بالنزول بقصره فيقول له الملائكة:
سر يا ولي الله فإن هذا لك وغيره، قال: ثم يأتي قصرا من ياقوت أحمر مكللا بالدر والياقوت
فيهم بالنزول بقصره فيقول له الملائكة: سر يا ولي الله فإن هذا لك وغيره، قال: فيسير
حتى يأتي تمام ألف قصر كل ذلك ينفذ فيه بصره ويسير في ملكه أسرع من طرف العين، فإذا
انتهى إلى أقصاها قصرا نكس رأسه فتقول الملائكة: مالك يا ولي الله ؟ قال: فيقول: والله
لقد كاد بصري أن يختطف، فيقولون: يا ولي الله ابشر فإن الجنة ليس فيها عمى ولا صمم،
فيأتي قصرا يرى باطنه من ظاهره، وظاهره من باطنه، لبنة من فضة، ولبنة ذهب، ولبنة ياقوت،
ولبنة در، ملاطه المسك، قد شرف بشرف من نور يتلألأ، ويرى الرجل وجهه في الحائط وذا
قوله: " ختامه مسك " يعني ختام الشراب. ثم ذكر النبي صلى الله عليه وآله
الحور العين فقالت ام سلمة: بأبي أنت وامي يا رسول الله أما لنا فضل عليهن ؟ قال: بلى
بصلاتكن وصيامكن و عبادتكن لله، بمنزلة الظاهرة على الباطنة، وحدث أن الحور العين خلقهن
الله في الجنة مع شجرها، وحبسهن على أزواجهن في الدنيا، على كل واحدة منهن سبعون حلة،
يرى بياض سوقهن من وراء الحلل السبعين كما ترى الشراب الاحمر في الزجاجة البيضاء، وكالسلك
الابيض في الياقوت الحمراء، يجامعها في قوة مائة رجل في شهوة أربعين سنة، وهن أتراب
أبكار عذاري، كلما نكحت صارت عذراء " لم يطمثن إنس قبلهم ولا جان " يقول:
لم يمسهن إنسي ولا جني قط " فيهن خيرات حسان " يعني خيرات الاخلاق، حسان
الوجوه " كأنهن الياقوت والمرجان " يعني صفاء الياقوت وبياض اللؤلؤ. قال:
وإن في الجنة لنهرا حافتاه الجواري قال: فيوحي إليهن الرب تبارك و تعالى: أسمعن عبادي
تمجيدي وتسبيحي وتحميدي، فيرفعن أصواتهن بألحان وترجيع لم يسمع الخلائق مثلها قط، فتطرب
أهل الجنة، وإنه لتشرف على ولي الله المرأة ليست من نسائه من السجف فملات قصوره ومنازله
ضوءا ونورا، فيظن ولي الله أن ربه أشرف عليه، أو ملك من ملائكته، فيرفع رأسه فإذا هو
بزوجة قد كادت يذهب نورها نور عينية، قال: فتناديه: قد آن لنا أن تكون لنا منك دولة،
قال: فيقول لها: ومن أنت ؟ قال: فتقول: أنا ممن ذكر الله في القرآن: " لهم ما
يشاؤون فيها ولدينا مزيد " فيجامعها في قوة مائة شاب ويعانقها سبعين سنة من أعمار
الاولين، وما يدري أينظر إلى وجهها أم إلى خلفها أم إلى ساقها ؟ فما من شئ ينظر إليه
منها إلا رأى وجهه من ذلك المكان من شدة نورها وصفائها، ثم تشرف عليها اخرى أحسن وجها
وأطيب ريحا من الاولى، فتناديه فتقول: قد آن لنا أن يكون لنا منك دولة، قال: فيقول
لها ومن أنت ؟ فتقول: أنا من ذكر الله في القرآن: " فلا تعلم نفس ما اخفي لهم
من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ". قال: وما من أحد يدخل الجنة إلا كان له
من الازواج خمسمائة حوراء، مع كل حوراء سبعون غلاما وسبعون جارية كأنهن (كأنهم ظ) اللؤلؤ
المنثور، كأنهن اللولؤ المكنون – وتفسير المكنون بمنزلة اللؤلؤ في الصدف لم تمسه الايدي
ولم تره الاعين، وأما المنثور فيعني في الكثرة - وله سبع قصور في كل قصر سبعون بيتا،
في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون فراشا، عليها زوجة من الحور العين
" تجري من تحتهم الانهار " أنهار من ماء غير آسن، صاف ليس بالكدر "
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه " لم يخرج من ضرر المواشي " وأنهار من عسل مصفى
" لم يخرج من بطون النحل " وأنهار من خمر لذة للشاربين " لم يعصره الرجال
بأقدامهم، فإذا اشتهوا الطعام جاءهم طيور بيض يرفعن أجنحتهن فيأكلون من أي الالوان
اشتهوا جلوسا إن شاؤوا أو متكئين، وإن اشتهوا الفاكهة تشعبت إليهم الاغصان فأكلوا من
أيها اشتهوا، قال: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم
عقبى الدار " فبيناهم كذلك إذ يسمعون صوتا من تحت العرش: يا أهل الجنة كيف ترون
منقلبكم ؟ فيقولون: خير المنقلب منقلبنا وخير الثواب ثوابنا، قد سمعنا الصوت واشتهينا
النظر إلى أنوار جلالك وهو اعظم ثوابنا وقد وعدته ولا تخلف الميعاد، فيأمر الله الحجب
فيقوم سبعون ألف حجاب فيركبون على النوق والبراذين وعليهم الحلي والحلل فيسيرون في
ظل الشجر حتى ينتهوا إلى دار السلام، وهي دار الله دار البهاء والنور والسرور والكرامة،
فيسمعون الصوت فيقولون: يا سيدنا سمعنا لذاذة منطقك، فأرنا نور وجهك، فيتجلى لهم سبحانه
وتعالى حتى ينظرون إلى نور وجهه - تبارك وتعالى – المكنون من عين كل ناظر، فلا يتمالكون
حتى يخروا على وجوههم سجدا فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك يا عظيم. قال: فيقول:
عبادي ! ارفعوا رؤوسكم ليس هذه بدار عمل إنما هي دار كرامة ومسألة ونعيم قد ذهبت عنكم
اللغوب والنصب، فإذا رفعوها رفعوها وقد أشرقت وجوههم من نور وجهه سبعين ضعفا، ثم يقول
تبارك وتعالى: يا ملائكتي أطعموهم واسقوهم، فيؤتون بألوان الاطعمة لم يروا مثلها قط
في طعم الشهد وبياض الثلج ولين الزبد، فإذا أكلوه قال بعضهم لبعض: كان طعامنا الذي
خلفناه في الجنة عند هذا حلما. قال: ثم يقول الجبار تبارك وتعالى: يا ملائكتي اسقوهم،
قال: فيؤتون بأشربة فيقبضها ولي الله فيشرب شربة لم يشرب مثلها قط، قال: ثم يقول: يا
ملائكتي طيبوهم فتأتيهم ريح من تحت العرش بمسك أشد بياضا من الثلج تغير وجوههم وجباههم
وجنوبهم تسمى المثيرة فيستمكنون من النظر إلى نور وجهه، فيقولون: يا سيدنا حسبنا لذاذة
منطقك والنظر إلى نور وجهك لا نريد به بدلا ولا نبتغي به حولا، فيقول الرب تبارك وتعالى:
إني أعلم أنكم إلى أزواجكم مشتاقون، وأن أزواجكم إليكم مشتاقات، فيقولون: يا سيدنا
ما أعلمك بما في نفوس عبادك ؟ ! فيقول: كيف لا أعلم وأنا خلقتكم، وأسكنت أرواحكم في
أبدانكم، ثم رددتها عليكم بعد الوفاة فقلت: اسكني في عبادي خير مسكن، ارجعوا إلى أزواجكم،
قال: فيقولون: يا سيدنا اجعل لنا شرطا، قال: فإن لكم كل جمعة زورة ما بين الجمعة إلى
الجمعة سبعة آلاف سنة مما تعدون، قال: فينصرفون فيعطى كل رجل منهم رمانة خضراء، في
كل رمانه سبعون حلة لم يرها الناظرون المخلوقون، فيسيرون فيتقدمهم بعض الولدان حتى
يبشروا أزواجهم وهن قيام على ابواب الجنان، قال: فما دنى منها نظرت إلى وجهه فأنكرته
من غير سوء، فقالت: حبيبي ! لقد خرجت من عندي وما أنت هكذا، قال: فيقول: حبيبتي ! تلومينني
! أن أكون هكذا وقد نظرت إلى نور وجه ربي تبارك وتعالى فأشرق وجهي من نور وجهه، ثم
يعرض عنها فينظر إليها نظرة فيقول: حبيبتي ! لقد خرجت من عندك وما كنت هكذا فتقول:
حبيبي ! تلومني أن أكون هكذا وقد نظرت إلى وجه الناظر إلى نور وجه ربي فأشرق وجهي من
وجه الناظر إلى نور وجه ربي سبعين ضعفا، فتعانقه من باب الخيمة والرب تبارك وتعالى
يضحك إليهم فينادون بأصابعهم (بأصواتهم خ ل): الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا
لغفور شكور. قال: ثم إن الرب تبارك وتعالى يأذن للنبيين فيخرج رجل في موكب حوله الملائكة
والنور أمامهم، فينظر إليه أهل الجنة فيمدون أعناقهم إليه فيقولون: من هذا ؟ إنه لكريم
على الله، فيقول الملائكة: هذا المخلوق بيده، والمنفوخ فيه من روحه والمعلم للأسماء
هذا آدم، قد اذن له على الله، قال: ثم يخرج رجل في موكب حوله الملائكة قد صفت أجنحتها
والنور أمامهم قال: فيمد إليه أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا ؟ فتقول الملائكة
هذا الخليل إبراهيم، قد أذن له على الله، قال: ثم يخرج رجل في موكب حوله الملائكة قد
صفت أجنحتها والنور أمامهم، قال: فيمد إليه أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا ؟ فيقول
هذا موسى بن عمران الذي كلم الله موسى تكليما، قد اذن له على الله، قال: ثم يخرج رجل
في موكب حوله الملائكة قد صفت أجنحتها والنور أمامهم فيمد إليه أهل الجنة أعناقهم فيقولون:
من هذا الذي قد اذن له على الله ؟ فتقول الملائكة: هذا روح الله وكلمته، هذا عيسى بن
مريم، قال: ثم يخرج رجل في موكب في مثل جميع مواكب من كان قبله سبعين ضعفا، حوله الملائكة
قد صفت أجنحتها والنور أمامهم، فيمد إليه أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا الذي قد
اذن له على الله ؟ فتقول الملائكة: هذا المصطفى بالوحي المؤتمن على الرسالة سيد ولد
آدم هذا النبي محمد صلى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم كثيرا، قد اذن له على الله، قال:
ثم يخرج رجل في موكب حوله الملائكة قد صفت أجنحتها والنور أمامهم، فيمد إليه أهل الجنة
أعناقهم فيقولون: من هذا ؟ فيقول الملائكة: هذا أخو رسول الله صلى الله عليه وآله في
الدنيا والآخرة. قال: ثم يؤذن للنبيين والصديقين والشهداء، فيوضع للنبيين منابر من
نور، وللصديقين سرر من نور، وللشهداء كراسي من نور، ثم يقول الرب تبارك وتعالى مرحبا
بوفدي وزواري وجيراني، يا ملائكتي أطعموهم فطال ما أكل الناس وجاعوا، وطال ما روي الناس
وعطشوا، وطال ما نام الناس وقاموا، وطال ما أمن الناس وخافوا، قال فيوضع لهم أطعمة
لم يروا مثلها قط، على طعم الشهد، ولين الزبد، وبياض الثلج، ثم يقول: يا ملائكتي فكهوهم،
فيفكهونهم بألوان من الفاكهة لم يروا مثلها قط و رطب عذب دسم على بياض الثلج ولين الزبد،
قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: إنه لتقع الحبة من الرمان فتستر وجوه الرجال
بعضهم عن بعض، ثم يقول: يا ملائكتي اكسوهم، قال: فينطلقون إلى شجر في الجنة فيحبون
منها حللا مصقولة بنور الرحمن ثم يقول: طيبوهم، فتأتيهم ريح من تحت العرش تسمى المثيرة
أشد بياضا من الثلج تغير وجوههم وجباههم وجنوبهم، ثم يتجلى لهم تبارك وتعالى سبحانه
حتى ينظروا إلى نور وجهه المكنون من عين كل ناظر، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك
يا عظيم، ثم يقول الرب سبحانه تبارك وتعالى لا إله غيره: لكم كل جمعة زورة ما بين الجمعة
إلى الجمعة سبعة آلاف سنة مما تعدون.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 8 / صفحة [ 207 ]
تاريخ النشر : 2024-05-12