التفسير بالمأثور/الامامة/الإمام الباقر (عليه السلام)
ابن المتوكل، عن
السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن عبد الله ابن محمد الهمداني، عن إسحاق
القمي قال: دخلت على أبي جعفر الباقر عليه السلام فقلت له: جعلت فداك أخبرني عن
المؤمن يزني ؟ قال: لا، قلت: فيلوط ؟ قال: لا، قلت: فيشرب المسكر ؟ قال:
لا، قلت: فيذنب، قال: نعم ؟ قلت: جعلت فداك لا يزني ولا يلوط ولا يرتكب السيئات،
فأي شئ ذنبه ؟ فقال: يا إسحاق قال الله تبارك وتعالى: { الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ
كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم: 32] وقد يلم المؤمن بالشئ الذي ليس
فيه مراد. قلت: جعلت فداك أخبرني عن الناصب لكم يظهر بشئ أبدا ؟ قال: لا. قلت: جعلت
فداك فقد أرى المؤمن الموحد الذي يقول بقولي ويدين الله بولايتكم وليس بيني وبينه
خلاف يشرب المسكر، ويزني، ويلوط، وآتيه في حاجة واحدة فاصيبه معبس الوجه، كامح
اللون، ثقيلا في حاجتى، بطيئا فيها ; وقد أرى الناصب المخالف لما أنا
عليه ويعرفني بذلك فآتيه في حاجة فاصيبه طلق الوجه، حسن البشر، متسرعا في حاجتي،
فرحا بها، يحب قضاءها، كثير الصلاة، كثير الصوم، كثير الصدقة، يؤدي الزكاة، ويستودع
فيؤدي الامانة !. قال: يا إسحاق ليس تدرون من أين أوتيتم ؟ قلت: لا والله،
جعلت فداك إلا أن تخبرني، فقال: يا إسحاق إن الله عز وجل لما كان متفردا بالوحدانية
ابتدأ الاشياء لا من شئ، فأجرى الماء العذب على أرض طيبة طاهرة سبعة أيام مع لياليها،
ثم نضب الماء عنها فقبض قبضة من صفاوة ذلك الطين، وهي طينتنا أهل البيت، ثم قبض
قبضة من أسفل ذلك الطينة، وهي طينة شيعتنا، ثم اصطفانا لنفسه، فلو أن طينة شيعتنا
تركت كما تركت طينتنا لما زنى أحد منهم، ولا سرق، ولا لاط، ولا شرب المسكر، ولا
اكتسب شيئا مما ذكرت، ولكن الله عز وجل أجرى الماء المالح على أرض ملعونة سبعة أيام
ولياليها، ثم نضب الماء عنها ; ثم قبض قبضة، وهي طينة ملعونة من حمأ مسنون، وهي
طينة خبال، وهي طينة أعدائنا، فلو أن الله عز وجل ترك طينتهم كما أخذها لم
تروهم في خلق الآدميين، ولم يقروا بالشهادتين، ولم يصوموا، ولم يصلوا، ولم يزكوا،
ولم يحجوا البيت، ولم تروا أحدا منهم بحسن خلق، ولكن الله تبارك وتعالى جمع الطينتين
طينتكم وطينتهم فخلطهما وعركهما عرك الاديم، ومزجهما بالمائين فما رأيت من أخيك
من شر لفظ أو زنا، أو شئ مما ذكرت من شرب مسكر أو غيره، فليس من جوهريته ولا من
إيمانه، إنما هو بمسحة الناصب اجترح هذه السيئات التي ذكرت ; وما رأيت من الناصب من
حسن وجه وحسن خلق، أو صوم، أو صلاة أو حج بيت، أو صدقة، أو معروف فليس من جوهريته،
إنما تلك الأفاعيل من مسحة الايمان اكتسبها وهو اكتساب مسحة الايمان. قلت: جعلت فداك
فإذا كان يوم القيامة فمه ؟ قال لي: يا إسحاق أيجمع الله الخير والشر في موضع واحد ؟ إذا
كان يوم القيامة نزع الله عز وجل مسحة الايمان منهم فردها إلى شيعتنا، ونزع مسحة
الناصب بجميع ما اكتسبوا من السيئات فردها على أعدائنا، وعاد كل شئ إلى عنصره الاول
الذي منه ابتدأ ; أما رأيت الشمس إذا هي بدت ألا ترى لها شعاعا زاجرا متصلا بها
أو بائنا منها ؟ قلت: جعلت فداك الشمس إذا هي غربت بدا إليها الشعاع كما بدا منها، ولو
كان بائنا منها لما بدا إليها. قال: نعم يا إسحاق كل شيء يعود إلى جوهره الذي منه
بدا، قلت: جعلت فداك تؤخذ حسناتهم فترد إلينا ؟ وتؤخذ سيئاتنا فترد إليهم ؟ قال:
إى والله الذي لا إله إلا هو ; قلت: جعلت فداك أجدها في كتاب الله عز وجل ؟ قال:
نعم يا إسحاق ; قلت: في أي مكان ؟ قال لي: يا إسحاق أما تتلو هذه الآية ؟
" أولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما " فلم يبدل الله سيئاتهم
حسنات إلا لكم والله يبدل لكم.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 5 / صفحة [ 246 ]
تاريخ النشر : 2024-04-01