أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/الإمام الصادق (عليه السلام)
عن عبد الله بن
سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال
: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وجلس أبو بكر مجلسه ، بعث إلى وكيل
فاطمة صلوات الله عليها فأخرجه من فدك.
فأتته فاطمة
عليها السلام فقالت : يا أبا بكر! ادعيت أنك خليفة أبي وجلست مجلسه ، وأنت بعثت
إلى وكيلي فأخرجته من فدك ، وقد تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله صدق بها
علي ، وأن لي بذلك شهودا. فقال : إن النبي (ص) لا يورث.
فرجعت إلى علي
عليه السلام فأخبرته ، فقال : ارجعي إليه
وقولي له : زعمت أن النبي صلى الله عليه وآله لا يورث ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ
داوُدَ ) ، وورث يحيى زكريا ، وكيف لا أرث أنا أبي؟! فقال عمر : أنت معلمة ، قالت
: وإن كنت معلمة فإنما علمني ابن عمي وبعلي.
فقال أبو بكر :
فإن عائشة تشهد وعمر أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول : النبي
لا يورث.
فقالت : هذا أول
شهادة زور شهدا بها ، وإن لي بذلك شهودا بها في الإسلام ، ثم قالت: فإن فدك إنما
هي صدق بها علي رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولي بذلك بينة.
فقال لها : هلمي
ببينتك. قال : فجاءت بأم أيمن وعلي عليه السلام
، فقال أبو بكر : يا أم أيمن! إنك سمعت من رسول الله (ص) يقول في فاطمة؟
فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن فاطمة سيدة نساء أهل
الجنة ، ثم قالت أم أيمن : فمن كانت سيدة نساء أهل الجنة تدعي ما ليس لها؟! وأنا
امرأة من أهل الجنة ما كنت لأشهد بما لم أكن سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله
، فقال عمر : دعينا يا أم أيمن من هذه القصص ، بأي شيء تشهدين؟.
فقالت : كنت
جالسة في بيت فاطمة عليها السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله جالس حتى نزل
عليه جبرئيل ، فقال : يا محمد! قم فإن الله تبارك وتعالى أمرني أن أخط لك فدكا
بجناحي ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله مع جبرئيل عليه السلام ، فما لبث أن رجع ، فقالت فاطمة عليها السلام
: يا أبت! أين ذهبت؟ فقال: خط جبرئيل عليه السلام لي فدكا بجناحه وحد لي حدودها ، فقالت : يا
أبت! إني أخاف العيلة والحاجة من بعدك ، فصدق بها علي ، فقال : هي صدقة عليك ،
فقبضتها ، قالت: نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أم أيمن! اشهدي
، ويا علي! اشهد.
فقال عمر : أنت
امرأة ولا نجيز شهادة امرأة وحدها ، وأما علي فيجر إلى نفسه.
قال : فقامت
مغضبة وقالت : اللهم إنهما ظلما ابنة نبيك حقها ، فاشدد وطأتك عليهما ، ثم خرجت
وحملها علي على أتان عليه كساء له خمل ، فدار بها أربعين صباحا في بيوت المهاجرين
والأنصار والحسن والحسين عليهما السلام معها ، وهي تقول : يا معشر المهاجرين
والأنصار! انصروا الله وابنة نبيكم ، وقد بايعتم رسول الله صلى الله عليه وآله
يوم بايعتموه أن تمنعوه وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، ففوا لرسول الله
صلى الله عليه وآله ببيعتكم ، قال : فما أعانها أحد ولا أجابها ولا نصرها.
قال : فانتهت
إلى معاذ بن جبل فقالت : يا معاذ بن جبل! إني قد جئتك مستنصرة ، وقد بايعت رسول
الله صلى الله عليه وآله على أن تنصره وذريته وتمنع مما تمنع منه نفسك وذريتك ،
وإن أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها ، قال : فمعي غيري؟ قالت : لا ، ما
أجابني أحد ، قال : فأين أبلغ أنا من نصرك؟ قال : فخرجت من عنده. ودخل ابنه ، فقال
: ما جاء بابنة محمد إليك؟ قال : جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر فإنه أخذ منها فدكا
، قال : فما أجبتها به؟ قال : قلت : وما يبلغ من نصرتي أنا وحدي ، قال : فأبيت أن
تنصرها؟
قال : نعم ، قال
: فأي شيء قالت لك؟ قال : قالت لي : والله لا نازعتك الفصيح من رأسي حتى أرد على
رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال : فقال : أنا والله لا نازعتك الفصيح من
رأسي حتى أرد على رسول الله صلى الله عليه وآله ، إذ لم تجب ابنة محمد.
قال : وخرجت
فاطمة صلوات الله عليها من عنده وهي تقول : والله لا أكلمك كلمة حتى أجتمع أنا
وأنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم انصرفت.
فقال علي عليه السلام لها : ائتي أبا بكر وحده فإنه أرق من الآخر ،
وقولي له : ادعيت مجلس أبي وأنك خليفته وجلست مجلسه ، ولو كانت فدك لك ثم
استوهبتها منك لوجب ردها علي ، فلما أتته وقالت له ذلك ، قال : صدقت ، قال : فدعا
بكتاب فكتبه لها برد فدك.
فخرجت والكتاب
معها ، فلقيها عمر فقال : يا بنت محمد! ما هذا الكتاب الذي معك؟ فقالت : كتاب كتب
لي أبو بكر برد فدك ، فقال : هلميه إلي ، فأبت أن تدفعه إليه ، فرفسها برجله ـ
وكانت عليها السلام حاملة بابن اسمه : المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ، ثم لطمها
، فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقف ، ثم أخذ الكتاب فخرقه.
فمضت ومكثت خمسة
وسبعين يوما مريضة مما ضربها عمر ، ثم قبضت.
فلما حضرتها
الوفاة دعت عليا صلوات الله عليه فقالت : إما تضمن وإلا أوصيت إلى ابن الزبير ،
فقال علي عليه السلام : أنا أضمن وصيتك
يا بنت محمد ، قالت : سألتك بحق رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنا مت أن لا
يشهداني ولا يصليا علي ، قال : فلك ذلك.
فلما قبضت صلوات
الله عليها ، دفنها ليلا في بيتها ، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها ، وأبو
بكر وعمر كذلك ، فخرج إليهما علي عليه السلام
، فقالا له : ما فعلت بابنة محمد؟! أخذت في جهازها يا أبا الحسن؟ فقال علي
عليه السلام : قد والله دفنتها ، قالا :
فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها؟ قال : هي أمرتني.
فقال عمر :
والله لقد هممت بنبشها والصلاة عليها ، فقال علي صلوات الله عليه : أما والله ما
دام قلبي بين جوانحي وذو الفقار في يدي فإنك لا تصل إلى نبشها ، فأنت أعلم، فقال
أبو بكر : اذهب ، فإنه أحق بها منا ، وانصرف الناس.
ـ وروى العلامة
في كشكوله ـ المنسوب إليه ـ عن المفضل بن عمر قال : قال مولاي جعفر الصادق عليه السلام : لما ولي أبو بكر بن أبي قحافة قال له عمر :
إن الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها ، فامنع عن علي وأهل بيته الخمس ،
والفيء ، وفدكا، فإن شيعته إذا علموا ذلك تركوا عليا وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا
وإيثارا ومحاباة عليها، ففعل أبو بكر ذلك وصرف عنهم جميع ذلك.
فلما قام ـ أبو
بكر بن أبي قحافة ـ أمر مناديه : من كان له عند رسول الله (ص) دين أو عدة فليأتني
حتى أقضيه ، وأنجز لجابر بن عبد الله ولجرير بن عبد الله البجلي.
قال : [ قال ]
علي عليه السلام لفاطمة عليها السلام :
صيري إلى أبي بكر وذكريه فدكا ، فصارت فاطمة إليه وذكرت له فدكا مع الخمس والفيء ،
فقال : هاتي بينة يا بنت رسول الله.
فقالت : أما فدك
، فإن الله عز وجل أنزل على نبيه قرآنا يأمر فيه بأن يؤتيني وولدي حقي، قال الله
تعالى : ( فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) فكنت أنا وولدي أقرب الخلائق إلى رسول
الله (ص) فنحلني وولدي فدكا ، فلما تلا عليه جبرئيل عليه السلام : ( وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) ، قال
رسول الله صلى الله عليه وآله : ما حق المسكين وابن السبيل؟
فأنزل الله
تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ )
، فقسم الخمس على خمسة أقسام ، فقال : ( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ
أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى
وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ
) فما لله فهو لرسوله ، وما لرسول الله فهو لذي القربى ، ونحن ذو القربى. قال الله
تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي
الْقُرْبى ) .
فنظر أبو بكر بن
أبي قحافة إلى عمر بن الخطاب وقال : ما تقول؟ فقال عمر : ومن اليتامى والمساكين
وأبناء السبيل؟ فقالت فاطمة (ع) : اليتامى الذين يأتمون بالله وبرسوله وبذي القربى
، والمساكين الذين أسكنوا معهم في الدنيا والآخرة ، وابن السبيل الذي يسلك مسلكهم.
قال عمر : فإذا الخمس والفيء كله لكم ولمواليكم وأشياعكم؟! فقالت فاطمة عليها السلام
: أما فدك فأوجبها الله لي ولولدي دون موالينا وشيعتنا ، وأما الخمس فقسمه الله
لنا ولموالينا وأشياعنا كما يقرأ في كتاب الله. قال عمر : فما لسائر المهاجرين
والأنصار والتابعين بإحسان ؟ قالت فاطمة : إن كانوا
موالينا ومن أشياعنا فلهم الصدقات التي قسمها الله وأوجبها في كتابه ، فقال الله
عز وجل : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ
عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ).. إلى آخر القصة ، قال
عمر : فدك لك خاصة والفيء لكم ولأوليائكم؟ ما أحسب أصحاب محمد يرضون بهذا!! قالت
فاطمة : فإن الله عز وجل رضي بذلك ، ورسوله رضي به ، وقسم على الموالاة والمتابعة
لا على المعاداة والمخالفة ، ومن عادانا فقد عادى الله ، ومن خالفنا فقد خالف الله
، ومن خالف الله فقد استوجب من الله العذاب الأليم والعقاب الشديد في الدنيا
والآخرة. فقال عمر : هاتي بينة يا بنت محمد على ما تدعين؟! فقالت فاطمة (ع) : قد
صدقتم جابر بن عبد الله وجرير بن عبد الله ولم تسألوهما البينة! وبينتي في كتاب
الله ، فقال عمر : إن جابرا وجريرا ذكرا أمرا هينا ، وأنت تدعين أمرا عظيما يقع به
الردة من المهاجرين والأنصار!. فقالت عليها السلام : إن المهاجرين برسول الله
وأهل بيت رسول الله هاجروا إلى دينه ، والأنصار بالإيمان بالله ورسوله وبذي القربى
أحسنوا ، فلا هجرة إلا إلينا ، ولا نصرة إلا لنا ، ولا اتباع بإحسان إلا بنا ، ومن
ارتد عنا فإلى الجاهلية. فقال لها عمر : دعينا من أباطيلك ، وأحضرينا من يشهد لك
بما تقولين!!. فبعثت إلى علي والحسن والحسين وأم أيمن وأسماء بنت عميس ـ وكانت تحت
أبي بكر بن أبي قحافة ـ فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادعته.
فقال : أما علي فزوجها ، وأما الحسن والحسين ابناها ، وأما أم أيمن فمولاتها ،
وأما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر ابن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم ، وقد
كانت تخدم فاطمة ، وكل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم!. فقال علي (ع) : أما فاطمة فبضعة
من رسول الله (ص) ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله (ص) ، ومن كذبها فقد كذب رسول
الله ، وأما الحسن والحسين فابنا
رسول الله (ص) وسيدا شباب أهل الجنة ، من كذبهما فقد كذب رسول الله (ص) إذ كان أهل
الجنة صادقين ، وأما أنا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت مني وأنا
منك ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة ، والراد عليك هو الراد علي ، ومن أطاعك فقد
أطاعني ، ومن عصاك فقد عصاني ، وأما أم أيمن فقد شهد لها رسول الله صلى الله
عليه وآله بالجنة ، ودعا لأسماء بنت عميس وذريتها. قال عمر : أنتم كما وصفتم
أنفسكم ، ولكن شهادة الجار إلى نفسه لا تقبل. فقال علي عليه السلام : إذا كنا كما نحن كما تعرفون ولا تنكرون ،
وشهادتنا لأنفسنا لا تقبل ، وشهادة رسول الله لا تقبل ، فـ ( إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، إذا ادعينا لأنفسنا تسألنا البينة؟! فما من معين
يعين ، وقد وثبتم على سلطان الله وسلطان رسوله ، فأخرجتموه من بيته إلى بيت غيره
من غير بينة ولا حجة : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ
يَنْقَلِبُونَ ).
ثم قال لفاطمة :
انصرفي ( حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ).
قال المفضل :
قال مولاي جعفر عليه السلام : كل ظلامة
حدثت في الإسلام أو تحدث، وكل دم مسفوك حرام ، ومنكر مشهور ، وأمر غير محمود ،
فوزره في أعناقهما وأعناق من شايعهما أو تابعهما ورضي بولايتهما إلى يوم القيامة.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 29 / صفحة [ 193 ]
تاريخ النشر : 2025-08-02