الوضع الليلي
انماط الصفحة الرئيسية

النمط الأول

النمط الثاني

النمط الثالث

0
اليوم : السبت ٠٧ صفر ١٤٤٧هـ المصادف ۰۲ آب۲۰۲٥م

أقوال عامة
أقوال عامة
خطبة فاطمة الزهراء التي احتجت بها على من غصب فدك منها...
تاريخ النشر : 2025-08-02
رواها الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الإحتجاج مرسلا ، ونحن نوردها بلفظه... قال رحمه الله تعالى : روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه عليهم ‌السلام : أنه لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة عليها ‌السلام فدك ، وبلغها ذلك لاتت [ لاثت ] خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم حتى دخلت على أبي بكر ـ وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ـ فنيطت دونها ملاءة ، فجلست ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتج المجلس ، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم ، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله (ص) ، فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليها ‌السلام :
الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن والاها ، جم عن الإحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء أمدها ، وتفاوت عن الإدراك أبدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها ، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنى بالندب إلى أمثالها ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وأنار في الفكرة معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام كيفيته ، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها ، كونها بقدرته ، وذرأها بمشيته ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ، إلا تثبيتا لحكمته ، وتنبيها على طاعته ، وإظهارا لقدرته ، وتعبدا لبريته ، وإعزازا لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، زيادة لعباده عن نقمته وحياشة منه إلى جنته ، وأشهد أن أبي محمدا (ص) عبده ورسوله ، اختاره وانتجبه قبل أن أرسله ، وسماه قبل أن اجتبله [ اجتباه ] ، واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من الله تعالى بمآيل الأمور ، وإحاطة بحوادث الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور ، ابتعثه الله تعالى إتماما لأمره ، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فرقا في أديانها ، عكفا على نيرانها ، عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بمحمد صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها ، وجلى عن الأبصار غممها ، وقام في الناس بالهداية ، وأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق المستقيم ، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وإيثار بمحمد [ فمحمد ] صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله عن تعب هذه الدار في راحة ، قد حف بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفار ، ومجاورة الملك الجبار ، صلى الله على أبي نبيه وأمينه على الوحي وصفيه وخيرته من الخلق ورضيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.
ثم التفتت إلى أهل المجلس ، وقالت : أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وأمناء الله على أنفسكم ، وبلغاؤه إلى الأمم ، وزعمتم حق لكم لله فيكم عهد قدمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، بينة بصائره ، منكشفة سرائره ، متجلية ظواهره ، مغتبطة به أشياعه ، قائد إلى الرضوان اتباعه ، مؤد إلى النجاة إسماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ، وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة ، فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك ، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر ، والزكاة تزكية للنفس ، ونماء في الرزق ، والصيام تثبيتا للإخلاص ، والحج تشييدا للدين ، والعدل تنسيقا للقلوب ، وطاعتنا نظاما للملة ، وإمامتنا أمانا من الفرقة ، والجهاد عزا للإسلام ، والصبر معونة على استيجاب الأجر ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الأرحام منماة للعدد ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة ، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس ، والنهي عن شرب الخمر تنزيها عن الرجس ، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة ، وترك السرقة إيجابا للعفة ، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية ، فـ ( اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فإنه ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ).
ثم قالت : أيها الناس! اعلموا أني فاطمة وأبي محمد صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ، أقول عودا وبدءا ، ولا أقول ما أقول غلطا ، ولا أفعل ما أفعل شططا ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) ، فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزي إليه صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم ، فبلغ الرسالة ، صادعا بالنذارة ، مائلا عن مدرجة المشركين ، ضاربا ثبجهم ، آخذا بأكظامهم ، داعيا إلى سبيل ربه ( بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) ، يكسر الأصنام ، وينكث الهام ، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، حتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقاشق الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلت عقد الكفر والشقاق ، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص ، ( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ) ، مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون الورق، أذلة خاسئين ، ( تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ) من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب ( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) ، أو نجم قرن للشيطان ، وفغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه ، مكدودا في ذات الله، ومجتهدا في أمر الله ، قريبا من رسول الله ، سيد أولياء الله ، مشمرا ناصحا ، مجدا كادحا ، وأنتم في رفاهية من العيش ، وادعون فاكهون آمنون ، تتربصون بنا الدوائر ، وتتوكفون الأخبار ، وتنكصون عند النزال ، وتفرون عند القتال ، فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، ومأوى أصفيائه ، ظهر فيكم حسيكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحمشكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير إبلكم ، وأوردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، والرسول لما يقبر ، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) ، فهيهات منكم! وكيف بكم؟! وأنى تؤفكون؟ وكتاب الله بين أظهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، قد خلفتموه وراء ظهوركم ، أرغبة عنه تريدون ..؟ ، أم بغيره تحكمون؟!( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) ، ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ، ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها ، ثم أخذتم تورون وقدتها ، وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، وإطفاء أنوار الدين الجلي ، وإهماد سنن النبي الصفي ، تسرون حصوا في ارتغاء ، وتمشون لأهله وولده في الخمر والضراء ، ونصبر منكم على مثل حز المدى ، ووخز السنان في الحشا ، وأنتم تزعمون ألا إرث لنا ( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) أفلا تعلمون؟! بلى ، تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته أيها المسلمون ، أأغلب على إرثيه ؟!.
يا ابن أبي قحافة ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت ( شَيْئاً فَرِيًّا ) أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول : ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) ؟! وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا (ع) إذ قال :رب هب ( لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ، وقال : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) ، وقال : ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، وقال : ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )، وزعمتم ألا حظوة لي ولا أرث من أبي ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي (ص)؟! أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان؟! ، أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟! فدونكما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة ما تخسرون ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، و ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ) وسوف ( تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ ).
.. ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت : يا معاشر الفتية وأعضاد الملة ، وأنصار الإسلام ، ما هذه الغميزة في حقي ، والسنة عن ظلامتي ، أما كان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله أبي يقول : المرء يحفظ في ولده ، سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة ، ولكم طاقة بما أحاول ، وقوة على ما أطلب وأزاول ، أتقولون مات محمد صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ، فخطب جليل استوسع وهنه ، واستنهر فتقه ، وانفتق رتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، وكسفت النجوم لمصيبته ، وأكدت الآمال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأزيلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة ، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم ، هتافا وصراخا ، وتلاوة وإلحانا ، ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله ، حكم فصل وقضاء حتم : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ).
إيها بني قيلة! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ، ومبتد [ منتدى ] ومجمع؟ ، تلبسكم الدعوة ، وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذا العدد والعدة ، والأداة والقوة ، وعندكم السلاح والجنة ، توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنجبة التي انتجبت ، والخيرة التي اختيرت ، قاتلتم العرب ، وتحملتم الكد والتعب ، وناطحتم الأمم ، وكافحتم البهم ، فلا نبرح أو تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودر حلب الأيام ، وخضعت ثغرة الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنى حرتم بعد البيان ، وأسررتم بعد الإعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان ( أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض ، وخلوتم بالدعة ، ونجوتم من الضيق بالسعة ، فمججتم ما وعيتم ، ودسعتم الذي تسوغتم ، فـ : ( إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة النفس ، ونفثة الغيظ ، وخور القنا ، وبثة الصدر ، وتقدمة الحجة ، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر ، نقبة الخف ، باقية العار ، موسومة بغضب الله وشنار الأبد ، موصولة ب : ( نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) فبعين الله ما تفعلون ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ).
وأنا ابنة نذير ( لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ) فـ : ( اعْمَلُوا ) ... ( إِنَّا عامِلُونَ )( وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ).
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان فقال : يا ابنة رسول الله (ص)! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما ، رؤوفا رحيما ، وعلى الكافرين عذابا أليما ، وعقابا عظيما ، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء ، وأخا لبعلك دون الأخلاء ، آثره على كل حميم ، وساعده في كل أمر جسيم ، لا يحبكم إلا كل سعيد ، ولا يغضكم [ يبغضكم ] إلا كل شقي ، فأنتم عترة رسول الله (ص) الطيبون ، والخيرة المنتجبون ، على الخير أدلتنا ، وإلى الجنة مسالكنا ، وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مردودة عن حقك ، ولا مصدودة عن صدقك ، ووالله ما عدوت رأي رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ولا عملت إلا بإذنه ، وإن الرائد لا يكذب أهله ، وإني أشهد الله وكفى به شهيدا أني سمعت رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله يقول : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتب والحكمة والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه ، وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل به المسلمون ويجاهدون الكفار ، ويجالدون المردة ، ثم الفجار ، وذلك بإجماع من المسلمين ، لم أتفرد به وحدي ، ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي ، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا نزوي عنك ولا ندخر دونك ، وأنت سيدة أمة أبيك ، والشجرة الطيبة لبنيك ، لا يدفع  ما لك من فضلك ، ولا يوضع من فرعك وأصلك ، حكمك نافذ فيما ملكت يداي ، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم؟!.
فقالت عليها ‌السلام : سبحان الله! ما كان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله عن كتاب الله صارفا ، ولا لأحكامه مخالفا ، بل كان يتبع أثره ، ويقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته ، هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا ، يقول : ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ( وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ) فبين عزوجل فيما وزع عليه من الأقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح علة المبطلين ، وأزال التظني والشبهات في الغابرين ، كلا! ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ ).
فقال أبو بكر : صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته ، أنت معدن الحكمة ، وموطن الهدى والرحمة ، وركن الدين ، وعين الحجة ، لا أبعد صوابك ، ولا أنكر خطابك ، هؤلاء المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت ، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت ، غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر ، وهم بذلك شهود.
فالتفتت فاطمة عليها ‌السلام الناس وقالت : معاشر الناس! المسرعة إلى قيل الباطل ، المغضية على الفعل القبيح الخاسر ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) ، كلا بل ران على قلوبكم ، ما أسأتم من أعمالكم ، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ، ولبئس ما تأولتم ، وساء ما به أشرتم ، وشر ما منه اعتضتم ، لتجدن والله محمله ثقيلا ، وغبه وبيلا ، إذا كشف لكم الغطاء ، وبان ما وراءه الضراء ، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون ( وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ ).
ثم عطفت على قبر النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله وقالت :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة
           لو كنت شاهدها لم تكبر الخطب 
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها
           واختل قومك فاشهدهم وقد نكبوا
وكل أهل له قربى ومنزلة
            عند الإله على الأدنين مقترب 
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم
             لما مضيت وحالت دونك الترب 
تجهمتنا رجال واستخف بنا
             لما فقدت وكل الأرض مغتصب 
وكنت بدرا ونورا يستضاء به
             عليك تنزل من ذي العزة الكتب 
وكان جبريل بالآيات يؤنسنا
              فقد فقدت فكل الخير محتجب 
فليت قبلك كان الموت صادفنا
               لما مضيت وحالت دونك الكثب 
إنا رزينا بما لم يرز ذو شجن
                من البرية لا عجم ولا عرب 
ثم انكفأت عليها ‌السلام ـ وأمير المؤمنين عليه ‌السلام  يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه ـ فلما استقرت بها الدار ، قالت لأمير المؤمنين عليه ‌السلام  : يا ابن أبي طالب عليك السلام : اشتملت شملة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحيلة أبي وبلغة ابني ، لقد أجهر في خصامي ، وألفيته ألد في كلامي ، حتى حبستني قيلة نصرها ، والمهاجرة وصلها ، وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ، خرجت كاظمة ، وعدت راغمة ، أضرعت خدك يوم أضعت حدك ، افترست الذئاب وافترشت التراب ، ما كففت قائلا ، ولا أغنيت باطلا ، ولا خيار لي ، ليتني مت قبل هنيئتي ، ودون زلتي ، عذيري الله منك عاديا ، ومنك حاميا ، ويلاي! في كل شارق ، مات العمد ، ووهت العضد ، شكواي إلى أبي ، وعدواي إلى ربي ، اللهم أنت أشد قوة وحولا ، وأحد  بأسا وتنكيلا.
فقال أمير المؤمنين عليه ‌السلام  : لا ويل عليك ، الويل لشانئك ، نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة ، وبقية النبوة ، فما ونيت عن ديني ، ولا أخطأت مقدوري ، فإن كنت تريدين البلغة ، فرزقك مضمون ، وكفيلك مأمون ، وما أعد لك أفضل مما قطع عنك ، فاحتسبي الله.
فقالت : حسبي الله .. وأمسكت.
المصدر :  بحار الأنوار 
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 29 / صفحة [ 224 ]
تاريخ النشر : 2025-08-02


Untitled Document
دعاء يوم السبت
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، بِسْمِ اللهِ كَلِمَةُ الْمُعْتَصِمينَ وَمَقالَةُ الْمُتَحَرِّزينَ، وَاَعُوذُ بِاللهِ تَعالى مِنْ جَوْرِ الْجائِرينَ، وَكَيْدِ الْحاسِدينَ وَبَغْيِ الظّالِمينَ، وَاَحْمَدُهُ فَوْقَ حَمْدِ الْحامِدينَ. اَللّـهُمَّ اَنْتَ الْواحِدُ بِلا شَريكِ، وَالْمَلِكُ بِلا تَمْليك، لا تُضادُّ فى حُكْمِكَ وَلا تُنازَعُ فى مُلْكِكَ. أَسْأَلُكَ اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَاَنْ تُوزِعَنى مِنْ شُكْرِ نُعْماكَ ما تَبْلُغُ بي غايَةَ رِضاكَ، وَاَنْ تُعينَني عَلى طاعَتِكَ وَلُزُومِ عِبادَتِكَ، وَاسْتِحْقاقِ مَثُوبَتِكَ بِلُطْفِ عِنايَتِكَ، وَتَرْحَمَني بِصَدّي عَنْ مَعاصيكَ ما اَحْيَيْتَني، وَتُوَفِّقَني لِما يَنْفَعُني ما اَبْقَيْتَني، وَاَنْ تَشْرَحَ بِكِتابِكَ صَدْري، وَتَحُطَّ بِتِلاوَتِهِ وِزْري، وَتَمْنَحَنِيَ السَّلامَةَ في ديني وَنَفْسي، وَلا تُوحِشَ بي اَهْلَ اُنْسي وَتُتِمَّ اِحْسانَكَ فيما بَقِيَ مِنْ عُمْرى كَما اَحْسَنْتَ فيما مَضى مِنْهُ، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ.

زيارات الأيام
زيارةِ النّبيِّ صلى الله عليه وآله في يَومِه وهو يوم السبت
اَشْهَدُ اَنْ لا اِلـهَ إلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَشْهَدُ اَنَّكَ رَسُولُهُ وَاَنَّكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسالاتِ رَبِّكَ وَنَصَحْتَ لِاُمَّتِكَ وَجاهَدْتَ فى سَبيلِ اللهِ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَاَدَّيْتَ الَّذى عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ وَاَنَّكَ قَدْ رَؤُفْتَ بِالْمُؤْمِنينَ وَغَلَظْتَ عَلَى الْكافِرينَ وَعَبَدْتَ اللهَ مُخْلِصاً حَتّى أتاكَ اليَقينُ فَبَلَغَ اللهُ بِكَ اشَرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ اَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي اسْتَنْقَذَنا بِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالضَّلالِ. اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاجْعَلْ صَلَواتِكَ وَصَلَواتِ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ وَاَنْبِيائِكَ الْمـُرْسَلينَ وَعِبادِكَ الصّالِحينَ وَاَهْلِ السَّماواتِ وَالْاَرَضينَ وَمَنْ سَبَّحَ لَكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ مِنَ الْاَوَّلينَ وَالاخِرينَ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُوِلِكَ وَنَبِيِّكَ وَاَمينِكَ وَنَجِيبِكَ وَحَبيبِكَ وَصَفِيِّكَ وَ صَفْوَتِكَ وَخاصَّتِكَ وَخالِصَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَاَعْطِهِ الْفَضْلَ وَالْفَضيلَةَ وَالْوَسيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفيعَةَ وَابْعَثْهُ مَقاماً مَحَمْوُداً يَغْبِطُهُ بِهِ الْاَوَّلُونَ وَالاخِرُونَ. اَللّـهُمَّ اِنَّكَ قُلْتَ وَلَوْ اَنَّهُمْ اِذْ ظَلَمُوا اَنْفُسَهُمْ جاؤوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحيماً اِلـهى فَقَدْ اَتَيْتُ نَبِيَّكَ مُسْتَغْفِراً تائِباً مِنْ ذُنُوبى فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَ اْغِفْرها لي، يا سَيِّدَنا اَتَوَجَّهُ بِكَ وَبِاَهْلِ بَيْتِكَ اِلَى اللهِ تَعالى رَبِّكَ وَرَبّى لِيَغْفِرَ لى. ثمّ قل ثلاثاً: اِنّا للهِ وَاِنّا اِلَيْهِ راجِعُونَ ثمّ قل: اُصِبْنا بِكَ يا حَبيبَ قُلُوبِنا فَما اَعْظَمَ الْمُصيبَةَ بِكَ حَيْثُ انْقَطَعَ عَنّا الْوَحْيُ وَحَيْثُ فَقَدْناكَ فَاِنّا للهِ وَاِنّا اِلَيْهِ راجِعُونَ يا سَيِّدَنا يا رَسُولَ اللهِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ هذا يَوْمُ السَّبْتِ وَهُوَ يَوْمُكَ وَاَنَا فيهِ ضَيْفُكَ وَجارُكَ فَاَضِفْنى وَاجِرْنى فَاِنَّكَ كَريمٌ تُحِبُّ الضِّيافَةَ وَمَأْمُورٌ بِالْاِجارَةِ فَاَضِفْني وَأحْسِنْ ضِيافَتى وَاَجِرْنا وَاَحْسِنْ اِجارَتَنا بِمَنْزِلَةِ اللهِ عِنْدَكَ وَعِنْدَ آلِ بَيْتِكَ وَبِمَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَهُ وَبِما اسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ عِلْمِهِ فَاِنَّهُ اَكْرَمُ الْاَكْرَمينَ. كيف يُصلّى على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : يقول مؤلّف كتاب مفاتيح الجنان عبّاس القُمّي عُفى عَنْه: انّي كلّما زرته (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الزّيارة بَدَأت بزيارته عَلى نحو ما علّمه الامام الرّضا (عليه السلام) البزنطي ثمّ قرأت هذِهِ الزّيارة، فَقَدْ رُوي بسند صحيح إنّ ابن أبي بصير سأل الرّضا (عليه السلام) كيف يُصلّى على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسلّم عليه بَعد الصلاة فأجابَ (عليه السلام) بقوله: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ وَرَحْمةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُحَمَّدُ بْنَ عَبْدِ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حَبيبَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صِفْوَهَ اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَمينَ اللهِ اَشْهَدُ اَنَّكَ رَسُولُ اللهِ وَاَشْهَدُ اَنَّكَ مُحمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَاَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ نَصَحْتَ لِاُمَّتِكَ وَجاهَدْتَ فى سَبيلِ رَبِّكِ وَعَبَدْتَهُ حَتّى أتاكَ الْيَقينُ فَجَزاكَ اللهُ يا رَسُولَ اللهِ اَفْضَلَ ما جَزى نَبِيّاً عَنْ اُمَّتِهِ اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مَحَمِّد وآلِ مُحَمِّد اَفْضَلَ ما صَلَّيْتَ عَلى اِبْرهِيمَ وَآلِ إبراهيمَ اِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ.