أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/العدل/الجبر والتفويض/الإمام الصادق (عليه السلام)
ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن معروف، عن
ابن أبي نجران، عن حماد بن عثمان، عن عبد الرحيم
القصير قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه السلام: جعلت
فداك اختلف الناس في أشياء قد كتبت بها إليك، فإن رأيت جعلت فداك أن تشرح لي جميع
ما كتبت إليك، اختلف الناس - جعلت فداك - بالعراق في المعرفة والجحود، فأخبرني - جعلت
فداك - أهما مخلوقتان ؟ واختلفوا في القرآن فزعم قوم أن القرآن كلام الله غير
مخلوق وقال آخرون: كلام الله مخلوق، وعن الاستطاعة أقبل الفعل أو مع الفعل ؟ فإن
أصحابنا قد اختلفوا فيه ورووا فيه، وعن الله تبارك وتعالى هل يوصف بالصورة وبالتخطيط
؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد، وعن الحركات
أهي مخلوقة أو غير مخلوقة ؟ وعن الايمان ما هو ؟ فكتب صلى الله عليه على يدي
عبد الملك بن أعين: سألت عن المعرفة ماهي ؟ فاعلم رحمك الله أن المعرفة من صنع الله
عزوجل في القلب مخلوقة، والجحود صنع الله في القلب مخلوق،
وليس للعباد فيهما من صنع، ولهم فيهما الاختيار من الاكتساب، فبشهوتهم الايمان
اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنين عارفين، وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا
بذلك كافرين جاحدين ضلالا، وذلك بتوفيق الله لهم، وخذلان من خذله الله، فبالاختيار
والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم ; وسألت رحمك الله عن القرآن واختلاف الناس
قبلكم فإن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره، وتعالى
عن ذلك علوا كبيرا، كان الله عزوجل ولا شئ غير الله معروف ولا مجهول كان عزوجل
ولا متكلم ولا مريد ولا متحرك ولا فاعل، عزوجل ربنا، فجميع هذه الصفات محدثة عند
حدوث الفعل منه، عزوجل ربنا، والقرآن كلام الله غير مخلوق، فيه خبر من كان قبلكم،
وخبر ما يكون بعدكم، انزل من عند الله على محمد رسول الله صلى الله عليه وآله.
وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل فإن الله عزوجل خلق العبد وجعل له الآلة والصحة،
وهي القوة التي يكون العبد بها متحركا مستطيعا للفعل، ولا متحرك إلا وهو يريد
الفعل، وهي صفة مضافة إلى الشهوة التي هي خلق الله عزوجل، مركبة في الانسان فإذا
تحركت الشهوة للإنسان اشتهى الشيء وأراده، فمن ثم قيل للإنسان: مريد، فإذا أراد
الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة، فمن ثم قيل للعبد: مستطيع متحرك، فإذا كان
الانسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة وهي القوة والصحة اللتان بهما تكون
حركات الانسان وفعله كان سكونه لعلة سكون الشهوة فقيل: ساكن، فوصف بالسكون فإذا
اشتهى الانسان وتحركت شهوته التي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحرك بالقوة المركبة فيه،
واستعمل الآلة التي يفعل بها الفعل فيكون الفعل منه عندما تحرك واكتسبه فقيل: فاعل
ومتحرك ومكتسب و مستطيع أو لا ترى أن جميع ذلك صفات يوصف بها الانسان ؟ وسألت رحمك
الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك فتعالى الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع
البصير، تعالى الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالى بخلقه، المفترون
على الله عزوجل، فاعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن
من صفات الله عزوجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه فلا نفي
ولا تشبيه هو الله عزوجل، الثابت، الموجود، تعالى
الله عما يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن فتضل بعد البيان، وسألت رحمك الله
عن الايمان فالإيمان هو إقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالأركان، فالإيمان بعضه
من بعض، وقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما،
فالإسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي،
أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عزوجل عنها كان خارجا من الايمان،
وساقطا عنه اسم الايمان، وثابتا عليه اسم الاسلام، فإن تاب واستغفر عاد إلى
الايمان، ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والاستحلال، وإذا قال للحلال: هذا
حرام، وللحرام: هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الايمان والاسلام إلى الكفر،
وكان بمنزلة رجل دخل الحرم ثم دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة
وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 5 / صفحة [ 30 ]
تاريخ النشر : 2024-01-27