أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/التوحيد/صفات الله تعالى/الإمام الرضا عليه السلام
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد
رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن عمر والكاتب، عن محمد بن أبي زياد
القلزمي، عن محمد بن أبي زياد الجدي - صاحب
الصلاة بجدة - قال: حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: سمعت أبا
الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد، قال ابن أبي
زياد: ورواه لي أيضا أحمد بن عبد الله العلوي مولى لهم وخالا لبعضهم، عن القاسم بن أيوب
العلوي: أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام جمع بني هاشم فقال:
إني اريد أن أستعمل الرضا على هذا الامر من بعدي فحسده بنو هاشم، وقالوا: تولي
رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة فابعث إليه يأتنا فترى من جهله ما تستدل به عليه،
فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما
نعبد الله عليه فصعد عليه السلام المنبر فقعد مليا لا يتكلم مطرقا ثم انتفض انتفاضة
واستوى قائما وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه وأهل بيته ثم قال: أول عبادة
الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه لشهادة
العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق،، وشهادة كل موصوف أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف،
وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع
من الازل الممتنع من الحدث، فليس الله من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إياه
وحد من اكتنهه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه، ولا صمد صمده من أشار
إليه، ولا إياه عنى من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه، كل معروف
بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته،
وبالفطرة تثبت حجته خلقة الله الخلق حجاب بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته
أينيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا إبتداء له لعجز كل مبتدء عن ابتداء
غيره، وأدوه إياهم دليل على أن لا أداة فيه، لشهادة الادوات بفاقة المادين،
فأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغيوره
تحديد لما سواه، فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله، وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال: " كيف ؟
" فقد شبهه، ومن قال: " لم ؟ " فقد
عله، ومن قال: " متى ؟ " فقد وقته، ومن قال: " فيم ؟ " فقد
ضمنه، ومن قال: " إلام ؟ " فقد نهاه، ومن قال: " حتام ؟ " فقدغياه،
ومن غياه فقد غاياه، ومن غاياه فقد جزاه، ومن جزاه
فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا يتغير
الله بانغيار المخلوق ، كما لا ينحد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد،
ظاهر لا بتأويل المباشرة متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مباين لا بمسافة،
قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بجول
فكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمجسة، سميع لا بآلة،
بصير لا بأداة، لا تصحبه الاوقات، ولا تضمنه الاماكن، ولا تأخذه السنات، ولا تحده
الصفات، ولا تفيده الادوات، سبق الاوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره
المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين
الاشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الامور عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة،
والجلاية بالبهم، والجسوء بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها،
مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها،
ذلك قوله عزوجل: " ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " ففرق بها بين قبل وبعد
ليعلم ألا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها ألا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها ألا
تفاوت لمفاوتها، مخبرة بتوقيتها ألا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم ألا حجاب
بينه وبينها من غيرها له معنى الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة الالهية إذ لا مألوه،
ومعنى العالم ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع، ليس
مذ خلق استحق معنى الخالق، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية، كيف ولا تغيبه
مذ، ولا تدنيه قد، ولا يحجبه لعل، ولا يوقته متى، ولا يشتمله حين، ولا تقارنه
مع، إنما تحد الادوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها، وفي الاشياء يوجد أفعالها،
منعتها مذ القدمة، وحمتها قد الازلية، وجنبتها لولا التكملة، افترقت فدلت على
مفرقها، وتباينت فأعربت عن مباينها، بها تجلى صانعها للعقول، وبها احتجب عن الرؤية،
وإليها تحاكم الاوهام، وفيها أثبت غيره، ومنها انيط الدليل، وبها عرفها الاقرار،
بالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالإقرار يكمل الايمان به، لا ديانة إلا بعد معرفة،
ولا معرفة إلا بإخلاص، ولا إخلاص مع التشبيه، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبيه،
فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه يمتنع في صانعه، لا تجري
عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود فيه ما هو ابتدأه، إذا
لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الازل معناه، ولما كان للبارئ معنى غير المبروء،
ولوحد له وراء إذا حد له أمام، ولو التمس له التمام إذا لزمه النقصان، كيف يستحق
الازل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الاشياء من لا يمتنع من الانشاء، إذا لقامت
فيه آية المصنوع، ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه، ليس في محال القول حجة،
ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إبانته عن الخلق ضيم، إلا
بامتناع الازلي أن يثنى، ومالا بدأ له أن يبدأ، لا إله إلا الله العلي العظم، كذب
العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا، وصلى الله عليه محمد وآله
الطاهرين.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 4 / صفحة [ 227 ]
تاريخ النشر : 2023-12-12