أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/التوحيد/اثبات وجود الله تعالى ووحدانيته/الإمام الرضا عليه السلام
ماجيلويه، عن عمه،
عن أبي سمينة محمد بن علي الكوفي الصيرفي، عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا
عليه السلام قال: دخل رجل من الزنادقة على الرضا عليه السلام وعنده جماعة
فقال له أبو الحسن عليه السلام: أرأيت إن كان القول قولكم - وليس هو كما تقولون
- ألسنا وإياكم شرعا سواء، ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا ؟ فسكت.
فقال أبو الحسن
عليه السلام: إن يكن القول قولنا - وهو ما نقول - ألستم قد هلكتم ونجونا ؟ قال: رحمك
الله فأوجدني كيف هو وأين هو ؟ قال: ويلك إن الذى ذهبت إليه غلط هو
أين الاين وكان ولا أين، وهو كيف الكيف وكان ولا كيف، فلا يعرف بكيفوفية ولا بأينونية
ولا بحاسة ولا يقاس بشئ، قال الرجل: فإذن أنه لا شئ إذا لم يدرك
بحاسة من الحواس، فقال أبو الحسن عليه السلام: ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت
ربوبيته، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا، وأنه شئ بخلاف الاشياء.
قال الرجل: فأخبرني متى كان ؟ قال أبو الحسن عليه السلام: أخبرني متى لم يكن فأخبرك
متى كان. قال الرجل: فما الدليل عليه ؟ قال أبو الحسن عليه السلام: إني لما نظرت
إلى جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه،
وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك
بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك
من الآيات العجيبات المتقنات علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا قال الرجل: فلم احتجب ؟
فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الحجاب على الخلق لكثرة ذنوبهم فأما هو فلا تخفى
عليه خافية في آناء الليل والنهار، قال: فلم لا تدركه حاسة البصر ؟ قال: للفرق بينه
وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الابصار منهم ومن غيرهم، ثم هو أجلّ من أن يدركه بصر،
أو يحيط به وهم، أو يضبطه عقل. قال: فحده لي، فقال: لاحد له، قال: ولم ؟ قال: لان
كل محدود متناه إلى حد، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة، وإذا احتمل الزيادة احتمل
النقصان، فهو غير محدود ولا متزائد ولا متناقص، ولا متجزى ولا متوهم، قال الرجل:
فأخبرني عن قولكم: إنه لطيف وسميع وبصير وعليم وحكيم، أيكون السميع إلا بالاذن،
والبصير إلا بالعين، واللطيف إلا بعمل اليدين، والحكيم إلا بالصنعة ؟ فقال أبو
الحسن عليه السلام: إن اللطيف منا على حد اتخاذ الصنعة، أو ما رأيت الرجل يتخذ شيئا
فيلطف في اتخاذه فيقال: ما ألطف فلانا ! فكيف لا يقال للخالق الجليل: لطيف إذ
خلق خلقا لطيفا وجليلا وركب في الحيوان منه أرواحها، وخلق كل جنس متبائنا من جنسه
في الصورة ولا يشبه بعضه بعضا ؟ فكل له لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب
صورته، ثم نظرنا إلى الاشجار وحملها أطائبها المأكولة منها وغير المأكولة فقلنا عند ذلك: إن خالقنا لطيف، لا
كلطف خلقه في صنعتهم، وقلنا: إنه سميع لانه لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش
إلى الثرى، من الذرة إلى أكبر منها، في برها وبحرها، ولا تشتبه عليه لغاتها، فقلنا
عند ذلك: إنه سميع لا باذن، وقلنا: إنه بصير لا ببصر لانه يرى أثر الذرة السحماء
في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجنة، ويرى مضارها
ومنافعها وأثر سفادها وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك: إنه بصير لا كبصر
خلقه، قال: فما برح حتى أسلم.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 3 / صفحة [ 36 ]
تاريخ النشر : 2023-11-23