أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/فضل الامام ومنزلته وكرامته/الامام الرضا عليه السلام
أبو محمد القاسم بن العلاء - رحمه الله – رفعه ، عن عبد العزيز بن مسلم قال:
كنا مع الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي عليه السلام
فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه السلام ثم قال: يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا
عن آرائهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين
وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ، بين فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام،
وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا، فقال عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ
مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وأنزل في حجة
الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}
[المائدة: 3] وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين
لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم عليا
عليه السلام علما وإمام وما ترك [لهم] شيئا يحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن
الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر به.
هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم، إن الإمامة أجل
قدرا وأعظم شأنا وأعلا مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم،
أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم، إن الإمامة خص الله عز وجل بها
إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها وأشاد
بها ذكره ، فقال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] فقال
الخليل عليه السلام سرورا بها: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124] قال الله تبارك
وتعالى: { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] .
فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه
الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: {وَوَهَبْنَا لَهُ
إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }
[الأنبياء: 72- 73]
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي
صلى الله عليه وآله، فقال جل وتعالى: { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ
الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68] فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه وآله عليا
عليه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم
الله العلم والايمان، بقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ }
[الروم: 56] فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد
صلى الله عليه وآله فمن أين يختار هؤلاء الجهال.
إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله وخلافة
الرسول صلى الله عليه وآله ومقام أمير المؤمنين عليه السلام وميراث الحسن والحسين
عليهما السلام إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين،
إن الإمامة أس الاسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام
والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور
والأطراف.
الامام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله،
ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة، والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الامام كالشمس
الطالعة المجللة بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والابصار.
الامام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في
غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار، ولجج البحار، الامام الماء العذب على الظماء
والدال على الهدى، والمنجي من الردى، الامام النار على اليفاع ، الحار لمن اصطلى
به والدليل في المهالك، من فارقه فهالك، الامام السحاب الماطر، والغيث الهاطل و
والشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير
والروضة.
الامام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق، والام البرة بالولد
الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد الامام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده
وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله.
الامام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، المرسوم
بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين.
الامام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له
مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من
المفضل الوهاب.
فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام، أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات، ضلت العقول،
وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء،
وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء،
وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير،
وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني
غناه، لا كيف وأنى؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين
الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟
وأين يوجد مثل هذا؟!
أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد صلى الله عليه وآله كذبتهم والله
أنفسهم، ومنتهم الأباطيل فارتقوا مرتقا صعبا دحضا، تزل عنه إلى الحضيض أقدامهم،
راموا إقامة الامام بعقول حائرة بائرة ناقصة، وآراء مضلة، فلم يزدادوا منه إلا
بعدا، [ {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} التوبة : 30 ] ولقد راموا صعبا، وقالوا إفكا، وضلوا ضلالا
بعيدا، ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الامام عن بصيرة، وزين لهم الشيطان أعمالهم
فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين.
رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته إلى
اختيارهم والقرآن يناديهم: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68]
" وقال عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }
[الأحزاب: 36] الآية وقال: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ
فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ
أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا
تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ
فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [القلم: 36 - 41] وقال عز وجل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ
أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] أم {طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}
[التوبة: 87] أم {قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ
الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ *
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ
لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 21 - 23] أم {قَالُوا سَمِعْنَا
وَعَصَيْنَا } [البقرة: 93] بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم،
فكيف لهم باختيار الامام؟! والامام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل ، معدن القدس
والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول صلى الله عليه
وآله ونسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من
قريش والذروة من هاشم، والعترة من الرسول صلى الله عليه وآله والرضا من الله عز
وجل، شرف الاشراف، والفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة،
عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عز وجل، ناصح لعباد الله، حافظ لدين
الله.
إن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه و
حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى: {أَفَمَنْ
يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ
يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [يونس: 35] وقوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ
يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } [البقرة: 269] وقوله في
طالوت: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ
وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
[البقرة: 247] وقال لنبيه صلى الله عليه وآله: {أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } [النساء: 113] وقال في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته
وذريته صلوات الله عليهم: { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ
مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ
صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا } [النساء: 54، 55].
وإن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور عباده، شرح صدره لذلك، وأودع قلبه
ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاما، فلم يعي بعده بجواب، ولا يحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيد، موفق مسدد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصه
الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
والله ذو الفضل العظيم.
فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه،
تعدوا - وبيت الله - الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، وفي كتاب
الله الهدى والشفاء، فنبذوه واتبعوا أهواء هم، فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جل
وتعالى:
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ
هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]
وقال: {فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 8] وقال: {كَبُرَ
مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35] وصلى الله على النبي محمد
وآله وسلم تسليما كثيرا.
المصدر : أصول الكافي
المؤلف : ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني
الجزء والصفحة : ج1 ، ص 198
تاريخ النشر : 2023-09-30