أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير مجمع البيان
قال الطبرسي: " وإذ واعدنا موسى
" أن نؤتيه الالواح على رأس أربعين ليلة،
أو عند انقضاء أربعين ليلة. قال المفسرون: لما عاد بنو إسرائيل إلى مصر بعد إنجائهم
من البحر وهلاك فرعون وقومه وعدهم الله إنزال التوراة والشرائع، فخلف موسى أصحابه
واستخلف عليهم هارون فمكث على الطور أربعين ليلة، وأنزل عليه التوراة في الالواح
" ثم اتخذتم العجل " إلها " من بعده " أي من بعد غيبة موسى،
أو من بعد وعد الله إياكم بالتوراة، أو من بعد غرق
فرعون وما رأيتم من الآيات " وأنتم ظالمون " أي مضرون
بأنفسكم " والفرقان " هي التوراة أيضا أو انفراق البحر أو الفرق بين
الحلال والحرام " إلى بارئكم " أي
خالقكم ومنشئكم " فاقتلوا أنفسكم " أي ليقتل بعضكم بعضا بقتل
البريء المجرم، وقيل: أي استسلموا للقتل، واختلفوا في المأمور بالقتل فروي أن موسى
عليه السلام أمرهم أن يقوموا صفين فاغتسلوا ولبسوا أكفانهم، وجاء هارون باثني عشر
ألفا ممن لم يعبد العجل ومعهم الشفار المرهفة وكانوا يقتلونهم،
فلما قتلوا سبعين ألفا تاب الله على الباقين، وجعل قتل الماضين شهادة لهم،
وقيل إن السبعين الذين كانوا مع موسى في الطور هم الذين قتلوا ممن عبد العجل سبعين
ألفا، وقيل: إنهم قاموا صفين فجعل يطعن بعضهم بعضا حتى قتلوا سبعين ألفا، وقيل:
غشيتهم ظلمة شديدة فجعل بعضهم يقتل بعضا ثم انجلت الظلمة فأجلوا عن سبعين ألف قتيل.
وروي أن موسى وهارون وقفا يدعوان الله
ويتضرعان إليه، وهم يقتل بعضهم بعضا حتى نزل الوحي برفع القتل وقبلت
توبة من بقي، وذكر ابن جريح أن السبب في أمرهم بقتل
أنفسهم أن الله علم أن ناسا منهم ممن لم يعبدوا العجل لم ينكروا عليهم ذلك مخافة
القتل، مع علمهم بأن العجل باطل، فلذلك ابتلاهم الله بأن يقتل بعضهم بعضا " ذلكم
خير لكم " إشارة إلى التوبة مع القتل لأنفسهم. " لن نؤمن لك " أي
لن نصدقك في أنك نبي " حتى نرى الله جهرة
" أي علانية فيخبرنا بذلك، أو لا نصدقك فيما تخبر به
من صفات الله تعالى، وقيل: إنه لما جاءهم بالألواح قالوا ذلك، وقيل: إن "
جهرة " صفة لخطابهم لموسى، إنهم جهروا به
وأعلنوه " فأخذتكم الصاعقة " أي الموت " وأنتم تنظرون
" إلى أسباب الموت، وقيل: إلى النار، واستدل البلخي بها على عدم جواز الرؤية على
الله تعالى، ويؤكده قوله: " فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله
جهرة " وتدل هذه الآية على أن قول موسى
عليه السلام " رب أرني أنظر إليك " كان سؤالا لقومه،
لأنه لا خلاف بين أهل التوراة أن موسى عليه السلام لم يسأل الرؤية إلا دفعة واحدة
وهي التي سألها لقومه. " ثم بعثناكم من بعد موتكم " أي أحييناكم
لاستكمال آجالكم، وقيل: إنهم سألوا بعد الافاقة
أن يبعثوا أنبياء، فبعثهم الله أنبياء، فالمعنى:
بعثناكم أنبياء.
وأجمع المفسرون إلا شرذمة يسيرة أن
الله تعالى لم يكن أمات موسى عليه السلام كما أمات
قومه، ولكن غشي عليه بدلالة قوله تعالى: " فلما أفاق " واستدل بها على
جواز الرجعة. " وإذ أخذنا ميثاقكم
" باتباع موسى والعمل بالتوراة " ورفعنا فوقكم الطور
" قال أبو زيد: هذا حين رجع موسى من الطور فأتى بالألواح فقال لقومه: جئتكم بالألواح،
وفيها التوراة والحلال والحرام فاعملوا بها، قالوا: ومن يقبل قولك ؟ فأرسل
الله الملائكة حتى نتقوا الجبل فوق رؤوسهم، فقال موسى عليه السلام: إن قبلتم
ما أتيتكم به وإلا أرسل الجبل عليكم، فأخذوا التوراة وسجدوا لله تعالى ملاحظين
إلى الجبل، فمن ثم يسجد اليهود على أحد شقي وجوههم. قيل: وهذا هو معنى أخذ الميثاق
لان في هذه الحال قيل لهم: " خذوا ما آتيناكم بقوة " يعني التوراة بجد ويقين، وروى
العياشي أنه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله تعالى: " خذوا ما آتيناكم
بقوة " أبقوة بالأبدان أو بقوة بالقلب ؟ فقال: بهما جميعا. " واذكروا ما فيه
" الضمير لما آتينا، أي احفظوا ما في التوراة من الحلال والحرام ولا تنسوه، وقيل:
اذكروا ما في تركه من العقوبة وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام وقيل: أي
اعملوا بما فيه ولا تتركوه " ثم توليتم " أي نقضتم العهد الذي أخذناه
عليكم " فلولا فضل الله عليكم " بالتوبة
" ورحمته " بالتجاوز. "
واسمعوا " أي اقبلوا ما سمعتم واعملوا به، أو استمعوا لتسمعوا
" قالوا سمعنا وعصينا " أي قالوا استهزاء: سمعنا
قولك، وعصينا أمرك، أو حالهم كحال من قال ذلك. " واشربوا في قلوبهم العجل
" قال البيضاوي: أي تداخلهم حبه، ورسخ في قلوبهم صورته لفرط شعفهم به، كما يتداخل
الصبغ الثوب، والشراب أعماق البدن " وفي قلوبهم " بيان لمكان الاشراب، كقوله:
" إنما يأكلون في بطونهم نارا ".
" بكفرهم " أي بسبب كفرهم،
وذلك لأنهم كانوا مجسمة أو حلولية ولم يروا جسما أعجب منه،
فتمكن في قلوبهم ما سول لهم السامري " قل بئسما يأمركم به إيمانكم "
بالتوراة، والمخصوص بالذم محذوف نحو هذا الامر أو ما يعمه وغيره من قبائحهم المعدودة
في الآيات الثلاث " إن كنتم مؤمنين " تقرير للقدح في دعواهم الايمان بالتوراة،
وتقدير: إن كنتم مؤمنين بها ما أمركم بهذه القبائح ورخص لكم فيها إيمانكم بها،
أو إن كنتم مؤمنين بها فبئس ما أمركم إيمانكم بها، فإن المؤمن ينبغي أن لا يتعاطى
إلا ما يقتضيه إيمانه، لكن الايمان بها لا يأمر به فإذن لستم بمؤمنين. " ميثاق
بني إسرائيل " قال الطبرسي: أي عهدهم المؤكد باليمين بإخلاص العبادة له والايمان
برسله وما يأتون به من الشرائع " وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " أي أمرنا موسى
بأن يبعث من الاسباط الاثني عشر اثني عشر رجلا كالطلائع يتجسسون ويأتون بني إسرائيل
بأخبار أرض الشام وأهلها الجبارين، فاختار من كل سبط رجلا يكون لهم نقيبا، أي
أمينا كفيلا، فرجعوا ينهون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدة بأسهم وعظم خلقهم
إلا رجلين: كالب بن يوفنا ويوشع بن نون، وقيل: معناه: أخذنا من كل سبط منهم ضمينا
بما عقدنا عليهم الميثاق في أمر دينهم، أو رئيسا أو شهيدا على قومه، وقيل: إنهم
بعثوا أنبياء " وقال الله إني معكم " الخطاب للنقباء أو لبني إسرائيل،
أي إني معكم بالنصر والحفظ، إن قاتلتموهم
ووفيتم بعهدي وميثاقي " وعزرتموهم " أي نصرتموهم، وقيل:
عظمتموهم وأطعتموهم " وأقرضتم الله " أي أنفقتم في سبيل الله نفقة حسنة
" فمن كفر بعد ذلك " أي بعد بعث النقباء
وأخذ الميثاق " فقد ضل سواء السبيل " أي أخطأ قصد الطريق
الواضح وزال عن منهاج الحق. " فيها هدى " أي بيان للحق
ودلالة على الاحكام " ونور " أي ضياء لكل ما تشابه عليهم،
وقيل: أي بيان أن أمر النبي صلى الله عليه وآله حق. " يحكم بها النبيون الذين
أسلموا " أي يحكم بالتوراة النبيون الذين أذعنوا لحكم الله وأقروا به "
للذين هادوا " أي تابوا من الكفر، أو
لليهود، واللام فيه متعلق بيحكم أي يحكمون بالتوراة لهم
وفيما بينهم " والربانيون " أي يحكم بها الربانيون الذين علت درجاتهم في
العلم، وقيل: الذين يعملون بما يعلمون "
والاحبار " العلماء الكبار " بما استحفظوا " أي بما
استودعوا من كتاب الله، أو بما أمروا بحفظ ذلك والقيام به وترك تضييعه "
وكانوا عليه شهداء " أي رقباء لا يتركون
أن يغير، أو يبينون ما يخفى منه. " اخلفني " أي
كن خليفتي " في قومي وأصلح " فيما بينهم، وأجر على طريقتك في الصلاح، أو
أصلح فاسدهم " ولا تتبع سبيل المفسدين
" أي لا تسلك طريقة العاصين، ولا تكن عونا للظالمين.
" قال رب أرني " اختلف في
وجه هذا السؤال على أقوال نذكر منها وجهين: أحدهما
ما قاله الجمهور وهو الاقوى: إنه لم يسأل لنفسه وإنما سألها لقومه، حين قالوا:
" لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " ولذا قال عليه السلام: " أتهلكنا
بما فعل السفهاء منا ". وثانيهما: أنه لم
يسأل الرؤية بالبصر، ولكن سأله أن يعلمه نفسه ضرورة
بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلى المعرفة، ويستغني عن الاستدلال " قال لن
تراني " أبدا " فإن استقر مكانه " علق رؤيته باستقرار الجبل الذي
علمنا أنه لم يستقر من قبيل التعليق على المحال
" وخر موسى صعقا " أي سقط مغشيا عليه، وروي عن
ابن عباس أنه قال: أخذته الغشية عشية الخميس يوم
عرفة وأفاق عشية الجمعة، وفيه نزلت عليه التوراة،
وقيل: معناه: خر ميتا " فلما أفاق " من صعقته " قال سبحانك "
أي تنزيها لك عن أن يجوز عليك مالا يليق بك "
تبت إليك " من التقدم في المسألة قبل الاذن فيها.
وقيل: إنما قاله على وجه الانقطاع إلى
الله سبحانه كما يذكر التسبيح والتهليل ونحو ذلك
من الالفاظ عند ظهور الامور الجليلة " وأنا أول المؤمنين " بأنه لا يراك
أحد من خلقك، عن ابن عباس. وروي مثله عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: معناه: أنا أول من آمن
وصدقك بأنك لا ترى. وقيل: أنا أول المؤمنين من قومي باستعظام سؤال الرؤية. " برسالاتي
" من غير كلام " وبكلامي " من غير رسالة، قيل: إنه سبحانه كلم موسى
على الطور، وكلم نبينا عند سدرة المنتهى.
" فخذ ما آتيتك " أي أعطيتك من التوراة وتمسك بما
أمرتك " وكن من الشاكرين " أي من المعترفين بنعمتي القائمين بشكرها
" في الالواح " يعني بالألواح التوراة،
وقيل: كانت من خشب نزلت من السماء، وقيل: كانت من زمرد
طولها عشرة أذرع، وقيل: كانت من زبرجدة خضراء وياقوته حمراء، وقيل: إنهما كانا لوحين.
" من كل شئ " قال الزجاج: أعلم الله سبحانه أنه أعطاه من كل شئ يحتاج
إليه من أمر الدين مع ما أراه من الآيات
" موعظة " هذا تفسير لقوله: " كل شئ " وبيان لبعض
ما دخل تحته " وتفصيلا لكل شئ " يحتاج إليه في الدين من الاوامر
والنواهي والحلال والحرام وغير ذلك "
يأخذوا بأحسنها " أي بما فيها من أحسن المحاسن وهي الفرائض
والنوافل، فإنها أحسن من المباحات، وقيل: بالناسخ دون المنسوخ، وقيل: المراد
بالأحسن الحسن وكلها حسن.
" جسدا " أي مجسدا لا روح
فيه، وقيل: لحما ودما " له خوار " أي صوت، وفي كيفية خوار العجل
مع أنه مصوغ من ذهب خلاف، فقيل: أخذ السامري قبضة من تراب أثر فرس جبرئيل عليه
السلام يوم قطع البحر فقذف ذلك التراب في فم العجل فتحول لحما ودما وكان ذلك معتادا
غير خارق للعادة، وجاز أن يفعل الله ذلك بمجرى العادة، وقيل: إنه احتال بإدخال
الريح كما تعمل هذه الآلات التي تصوت بالحيل " إنه لا يكلمهم " بما يجدي عليهم
نفعا أو يدفع عنهم ضررا " ولا يهديهم سبيلا " أي لا يهديهم إلى خير ليأتوه،
ولا إلى شر ليجتنبوه " اتخذوه " أي إلها. " ولما سقط في أيديهم
" قال البيضاوي: أي اشتد ندمهم، فإن النادم المتحسر يعض يده غما فتصير يده
مسقوطا فيها " وألقى الالواح "
طرحها من شدة الغضب وفرط الزجر حمية للدين.
وقال الطبرسي:
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يرحم الله أخي موسى، ليس المخبر كالمعاين،
لقد أخبره الله بفتنة قومه وقد عرفت أن ما أخبره ربه حق، وإنه على ذلك لمتمسك
بما في يديه، فرجع إلى قومه ورآهم فغضب وألقى الالواح. " استضعفوني " أي اتخذوني
ضعيفا " وكادوا يقتلونني " أي هموا بقتلي " فلا تشمت بي الاعداء
" أي لا تسرهم بأن تفعل ما يوهم ظاهره خلاف
التعظيم " مع القوم الظالمين " أي مع عبدة العجل ومن
جملتهم في إظهار الغضب والموجدة " وذلة في الحيوة الدنيا " أي صغر النفس والمهانة، أو
الجزية، أو الاستسلام للقتل. " واختار موسى قومه " اختلف في سبب اختياره إياهم
ووقته، فقيل: إنه اختارهم حين خرج إلى الميقات ليكلمه الله سبحانه بحضرتهم ويعطيه
التوراة فيكونوا شهداء له عند بني إسرائيل لما لم يثقوا بخبره أن الله سبحانه
يكلمه، فلما حضروا الميقات وسمعوا كلامه سألوا الرؤية فأصابتهم الصاعقة ثم أحياهم
الله، وقيل: إنه اختارهم بعد الميقات الاول للميقات الثاني بعد عبادة العجل ليعتذروا
من ذلك فلما سمعوا كلام الله قالوا: أرنا الله جهرة " فأخذتهم الرجفة " وهي
الرعدة والحركة الشديدة حتى كادت أن تبين مفاصلهم، وخاف موسى عليهم الموت فبكى ودعا
وخاف أن يتهمه بنو إسرائيل على السبعين إذا عاد إليهم ولم يصدقوه بأنهم ماتوا، وقال
ابن عباس: إن السبعين الذين قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة
كانوا قبل السبعين الذين أخذتهم الرجفة، وإنما أمر الله تعالى موسى أن يختار
من قومه سبعين رجلا فاختارهم وبرز بهم ليدعوا ربهم، فكان فيما دعوا أن قالوا: اللهم
أعطنا ما لم تعط أحدا قبلنا ولا تعطيه أحدا بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم
الرجفة. وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: إنما أخذتهم الرجفة
من أجل دعواهم على موسى قتل أخيه هارون، وذلك أن موسى وهارون وشبر وشبير ابني
هارون انطلقوا إلى سفح جبل، فنام هارون على سرير فتوفاه الله، فلما مات دفنه موسى،
فلما رجع إلى بني إسرائيل قالوا له: أين هارون ؟ قال: توفاه الله، فقالوا: لا بل
أنت قتلته، حسدتنا على خلقه ولينه، قال: فاختاروا من شئتم، فاختاروا منهم سبعين رجلا
وذهب بهم، فلما انتهوا إلى القبر قال موسى: يا هارون أقتلت أم مت ؟ فقال: هارون
ما قتلني أحد ولكن توفاني الله، فقالوا: لن تعصى بعد اليوم، فأخذتهم الرجفة فصعقوا
وماتوا ثم أحياهم الله وجعلهم أنبياء. وقال وهب: لم تكن تلك الرجفة موتا ولكن
القوم لما رأوا تلك الهيبة أخذتهم الرعدة وقلقلوا
ورجفوا حتى كادت تبين منه مفاصلهم وتنقض ظهورهم، فلما رأى موسى ذلك رحمهم وخاف
عليهم الموت، واشتد عليه فقدهم، وكانوا وزراءه على الخير، سامعين له مطيعين، فعند
ذلك دعا وبكى وناشد ربه فكشف الله عنهم تلك الرجفة والرعدة، فسكنوا واطمأنوا وسمعوا
كلام ربهم " قال " أي موسى: " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي
" أي لو شئت أهلكت هؤلاء السبعين من قبل هذا الموقف
وأهلكتني معهم، فالآن ماذا أقول لبني إسرائيل
إذا رجعت إليهم ؟ " أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " معناه النفي وإن كان بصورة
الانكار، والمعنى أنك لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، فبهذا نسألك رفع المحنة بالإهلاك
عنا، وما فعله السفهاء هو عبادة العجل، ظن موسى أنهم أهلكوا لأجل عبادة بني
إسرائيل العجل، وقيل: هو سؤال الرؤية " إن هي إلا فتنتك " أي إن الرجفة
إلا اختبارك وابتلاؤك ومحنتك، أي تشديدك
التعبد والتكليف علينا بالصبر على ما أنزلته بنا،
وقيل: المراد: إن هي إلا عذابك " تضل بها من تشاء " أي تهلك بهذه الرجفة
من تشاء " وتهدي من تشاء " أي
تنجي، وقيل: تضل بترك الصبر على فتنتك وترك الرضى بها من تشاء
عن نيل ثوابك ودخول جنتك، وتهدي بالرضى بها والصبر عليها من تشاء " أنت ولينا "
أي ناصرنا والاولى بنا تحوطنا وتحفظنا " في هذه الدنيا حسنة " أي نعمة،
وقيل: الثناء الجميل، وقيل: التوفيق للأعمال
الصالحة " وفي الآخرة " أي حسنة أيضا، وهي الرفعة
والمغفرة والرحمة والجنة " فسأكتبها " أي فسأوجب رحمتي، وهذه بشارة
ببعثة نبينا صلى الله عليه وآله " وإذ
نتقنا الجبل " أي قلعناه من أصله فرفعناه فوق بني
إسرائيل، وكان عسكر موسى فرسخا في فرسخ فرفع الله الجبل فوق جميعهم " كأنه
ظلة " أي غمامة أو سقيفة " وظنوا
أنه واقع بهم " أي علموا أو الظن بمعناه " خذوا " أي وقلنا
لهم: خذوا. " وواعدناكم جانب الطور الايمن " هو أن الله وعد موسى بعد أن أغرق
فرعون ليأتي جانب الطور الايمن فيؤتيه التوراة " ولا تطغوا فيه " أي ولا تتعدوا
فيه فتأكلوه على الوجه المحرم عليكم " فقد هوى
" أي هلك، أو هوى إلى النار " لمن تاب " من الشرك "
ثم اهتدى " أي لزم الايمان حتى يموت، وقيل: لم يشك في إيمانه، وقال الباقر
عليه السلام: ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل
البيت. " وما أعجلك " قال ابن إسحاق: كانت المواعدة
أن يوافي الميعاد هو وقومه، وقيل: مع جماعة من وجوه قومه وهو متصل بقوله: "
وواعدناكم جانب الطور الايمن " فتعجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه، وخلفهم
ليلحقوا به فقيل له: ما أعجلك عن قومك يا موسى
؟ أي بأي سبب خلفت قومك وسبقتهم ؟ " على أثري "
أي من ورائي يدركونني عن قريب، أو هم على ديني ومنهاجي، أو هم ينتظرون من بعدي ما الذي
آتيهم به " وعجلت إليك رب لترضى " أي سبقتهم إليك حرصا على تعجيل رضاك
" فإنا قد فتنا قومك " أي امتحناهم
" بملكنا " أي ونحن نملك من أمرنا شيئا، والمعنى إنا لم نطق
رد عبدة العجل عن عظيم ما ارتكبوه للرهبة لكثرتهم وقلتنا " وإن لك موعدا
" أي وعدا لعذابك يوم القيامة لن تخلف ذلك
الوعد ولن يتأخر عنك " ظلت عليه عاكفا " أي ظللت
على عبادته مقيما " لنحرقنه " أي بالنار، وقرأ أبو جعفر عليه السلام
بسكون الحاء وتخفيف الراء وهو قراءة علي عليه
السلام وابن عباس، أي لنبردنه بالمبرد، فعلى الاول يدل على كونه حيوانا لحما ودما،
وعلى الثاني على أنه كان ذهبا وفضة ولم يصر
حيوانا. وقال البيضاوي: " لنحرقنه " أي بالنار ويؤيده قراءة لنحرقنه، أو بالمبرد
على أنه مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد، ويعضده قراءة لنحرقنه " ثم لننسفنه "
لنذرينه رمادا أو مبرودا " في اليم نسفا " فلا يصادف منه شئ، والمقصود
من ذلك زيادة عقوبته وإظهار غباوة المفتتنين
به لمن له أدنى نظر.
وقال الطبرسي: قال الصادق عليه السلام:
إن موسى عليه السلام هم بقتل السامري فأوحى الله
إليه: لا تقتله يا موسى فإنه سخي. ثم أقبل موسى على قومه فقال: " إنما إلهكم
" الآية.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 13 / صفحة [198]
تاريخ النشر : 2024-08-14