أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير علي ين ابراهيم
" أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من
آياتنا عجبا " يقول: قد آتيناك من الآيات ما هو أعجب منه، وهم فتية كانوا في الفترة
بين عيسى بن مريم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله، وأما الرقيم فهما لوحان
من نحاس مرقوم، أي مكتوب فيهما أمر الفتية وأمر إسلامهم وما أراد منهم دقيانوس
الملك وكيف كان أمرهم وحالهم. قال علي بن إبراهيم: فحدثني أبي، عن ابن أبي عمير،
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان سبب نزول سورة الكهف أن قريشا
بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران: النضر بن حارث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، والعاص
بن وائل السهمي ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى الله
عليه وآله، فخرجوا إلى نجران إلى علماء اليهود فسألوهم فقالوا: اسألوه عن ثلاث مسائل
فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق، ثم سلوه عن مسألة واحدة فإن ادعى علمها
فهو كاذب، قالوا: وما هذه المسائل ؟ قالوا: اسألوه عن فتية كانوا في الزمن الاول
فخرجوا وغابوا وناموا كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا وكم كان عددهم ؟ وأي شيء كان
معهم من غيرهم ؟ وما كان قصتهم ؟ واسألوه عن موسى حين أمره الله أن يتبع العالم ويتعلم
منه من هو ؟ وكيف تبعه ؟ وما كان قصته معه ؟ واسألوه عن طائف طاف من مغرب الشمس
ومطلعها حتى بلغ سد يأجوج ومأجوج من هو ؟ وكيف كان قصته ؟ ثم أملوا عليهم أخبار
هذه الثلاث المسائل، وقالوا لهم: إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق، وإن
أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدقوه، قالوا: فما
المسألة الرابعة ؟ قالوا: اسألوه متى تقوم الساعة ؟ فإن ادعى علمها فهو كاذب، فإن
قيام الساعة لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى. فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب
فقالوا: يا أبا طالب إن ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ونحن نسأله عن مسائل،
فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق، وإن لم يخبرنا علمنا أنه كاذب، فقال أبو
طالب: سلوه عما بدا لكم، فسألوه عن الثلاث المسائل فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: غدا أخبركم ولم يستثن فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتى اغتم
النبي وشك أصحابه الذين كانوا آمنوا به، وفرحت قريش واستهزأوا وآذوا، وحزن أبو طالب،
فلما أن كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل بسورة الكهف، فقال رسول الله:
يا جبرئيل لقد أبطأت، فقال: إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله، فأنزل: " أم حسبت
" يا محمد " أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " ثم قص
قصتهم، فقال: " إذ أوى الفتية إلى الكهف
فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا
". فقال الصادق عليه السلام: إن أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات،
وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الاصنام، فمن لم يجبه قتله، وكان هؤلاء قوما
مؤمنين يعبدون الله عزوجل، ووكل الملك بباب المدينة حرسا ولم يدع أحدا يخرج حتى
يسجد الاصنام، وخرج هؤلاء بعلة الصيد، وذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم
فلم يجبهم، وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم، فقال الصادق عليه السلام:
فلا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة: حمار بلعم بن باعوراء، و ذئب يوسف،
وكلب أصحاب الكهف. فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلة الصيد هربا
من دين ذلك الملك، فلما أمسوا دخلوا ذلك
الكهف والكلب معهم، فألقى الله عليهم النعاس كما قال تبارك وتعالى: " فضربنا على
آذانهم في الكهف سنين عددا " فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته
وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون
ثم انتبهوا، فقال بعضهم لبعض: كم نمنا ههنا ؟ فنظروا
إلى الشمس قد ارتفعت فقالوا: نمنا يوما أو بعض يوم، ثم قالوا لواحد منهم: خذ هذا
الورق وادخل المدينة متنكرا لا يعرفوك فاشتر لنا طعاما، فإنهم إن علموا بنا وعرفونا
قتلونا أوردونا في دينهم، فجاء ذلك الرجل فرأى المدينة بخلاف الذي عهدها، ورأى
قوما بخلاف أولئك لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم، فقالوا له: من أنت
؟ ومن أين جئت ؟ فأخبرهم، فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتى وقفوا
على باب الكهف، وأقبلوا يتطلعون فيه، فقال بعضهم: هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم، وقال
بعضهم: هم خمسة وسادسهم كلبهم، وقال بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم، وحجبهم الله
بحجاب من الرعب فلم يكن أحد يقدم بالدخول عليهم غير صاحبهم، وإنه لما دخل عليهم
وجدهم خائفين أن يكونوا أصحاب دقيانوس شعروا بهم، فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين
هذا الزمن الطويل، وأنهم آية للناس، فبكوا وسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم
نائمين كما كانوا، ثم قال الملك: ينبغي أن نبني ههنا مسجدا و نزوره فإن هؤلاء
قوم مؤمنون، فلهم في كل سنة نقلتين ينامون ستة أشهر على جنوبهم اليمنى، وستة أشهر
على جنوبهم اليسرى والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف وذلك قوله: " نحن
نقص عليك نبأهم بالحق " أي خبرهم إلى قوله: " بالوصيد " أي بالفناء
" وكذلك بعثناهم " أي أنبهناهم إلى قوله:
" وكذلك أعثرنا عليهم " وهم الذين ذهبوا إلى باب الكهف
إلى قوله: " سبعة وثامنهم كلبهم " فقال الله لنبيه صلى الله عليه وآله قل
لهم: " ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل " ثم انقطع خبرهم، فقال:
" فلا تمار فيهم " إلى قوله: " إلا أن
يشاء الله " أخبره أنه إنما حبس الوحي أربعين صباحا لأنه قال
لقريش: غدا أخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن، فقال الله: " ولا تقولن "
إلى قوله " رشدا " ثم عطف على الخبر
الاول الذي حكى عنهم أنهم يقولون: " ثلاثة رابعهم كلبهم "
فقال: " ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا " وهو حكاية
عنهم، ولفظه خبر، والدليل على أنه حكاية عنهم قوله:
" قل الله أعلم بما لبثوا ". وفي رواية أبي الجارود،
عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا
" يعني جورا على الله إن قلنا: إن له شريكا، وقوله: " لولا يأتون عليهم
بسلطان بين " يعني بحجة بينة أن معه
شريكا، وقوله: " وتحسبهم أيقاظا وهم رقود " يقول: ترى أعينهم
مفتوحة " وهم رقود " يعني نيام " ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال
" في كل عام مرتين لئلا تأكلهم الارض، وقوله:
" فلينظر أيها أزكى طعاما " يقول: أيها أطيب طعاما،
وقوله: " وكذلك أعثرنا عليهم " يعني أطلعنا على الفتية " ليعلموا
أن وعد الله حق " في البعث "
والساعة لاريب فيها " يعني لا شك فيها بأنها كائنة، وقوله " رجما
بالغيب " يعني ظنا بالغيب ما يستفتونهم، وقوله: " فلا تمار فيهم إلا
مراء ظاهرا " يقول: حسبك ما قصصنا عليك
من أمرهم " ولا تستفت فيهم منهم أحدا " يقول: لا تسأل
عن أصحاب الكهف أحدا من أهل الكتاب.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [422]
تاريخ النشر : 2024-08-06