أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/التفسير المنسوب للامام العسكري
قال الله تعالى: " ولقد علمتم
الذين اعتدوا منكم في السبت " لما اصطادوا السمك فيه "
فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " مبعدين عن كل خير " فجعلناها
" تلك المسخة التي أخزيناهم ولعناهم بها " نكالا " عقابا وردعا
" لما بين يديها " بين يدي المسخة من
ذنوبهم الموبقات التي استحقوا بها العقوبات " وما خلفها
" للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ماحل بهم من
عقابنا " وموعظة للمتقين " الذين يتعظون بها فيفارقون المخزيات ويعظون
بها الناس ويحذرونهم المرديات. وقال علي بن
الحسين عليهما السلام: كان هؤلاء قوما يسكنون
على شاطئ بحر نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت، فتوسلوا إلى
حيلة ليحلوا بها لأنفسهم ما حرم الله، فخدوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدي
إلى حياض، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك
الطرق ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع، فجاءت الحيتان يوم السبت جارية
على أمان الله لها فدخلت في الاخاديد وحصلت في الحياض والغدران، فلما كانت
عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها فرامت الرجوع فلم تقدروا،
فبقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه وعجزها عن الامتناع
لمنع المكان لها، فكانوا يأخذونها يوم الاحد، ويقولون: ما اصطدنا في السبت،
وإنما اصطدنا في الاحد، وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي
عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم وتنعموا بالنساء وغيرهن لاتساع
أيديهم به، فكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا، فعل هذا منهم سبعون ألفا،
وأنكر عليهم الباقون، كما نص الله تعالى: " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة
البحر إذ يعدون في السبت " الآية، وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم عذاب الله
وخوفوهم من انتقامه وشديد بأسه وحذروهم فأجابوهم عن وعظهم: " لم تعظون قوما
الله مهلكهم " بذنوبهم هلاك الاصطلام " أو معذبهم عذابا شديدا "
فأجابوا القائلين هذا لهم: " معذرة إلى
ربكم " هذا القول منا لهم معذرة إلى ربكم إذ كلفنا
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن ننهي عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم
وكراهتنا لفعلهم، قالوا: " ولعلهم يتقون " ونعظهم أيضا لعلهم تنجع فيهم
المواعظ فيتقوا هذه الموبقة ويحذروا عقوبتها، قال الله
تعالى: " فلما عتوا " حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم
الزجر " عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين " مبعدين عن الخير
مقصين.
قال: فلما نظر العشرة آلاف والنيف أن السبعين
ألفا لا يقبلون مواعظهم ولا يحفلون بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم
اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم وقالوا:
إنا نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم، فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلهم
قردة، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منهم أحد، ولا يدخل عليهم أحد، وتسامع بذلك
أهل القرى فقصدوهم وتسنموا حيطان البلد فأطلعوا عليهم فإذا كلهم رجالهم
ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم،
يقول المطلع لبعضهم: أنت فلان ؟ أنت فلان ؟ فتدمع عينه ويومي برأسه أن نعم،
فما زالوا كذلك ثلاثة أيام، ثم بعث الله عليهم مطرا وريحا فجرفتهم إلى البحر،
وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام، وأما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فإنما
هي أشباهها، لاهي بأعيانها ولا من نسلها. ثم قال علي بن الحسين عليهما السلام:
إن الله مسخ هؤلاء لاصطيادهم السمك، فكيف ترى عند الله عزوجل حال من قتل أولاد
رسول الله وهتك حرمته ؟ ! إن الله تعالى وإن لم يمسخهم
في الدنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ. ثم قال عليه السلام:
أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح فعالهم سألوا ربهم
بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله
عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم، ولكن الله عزوجل لم يلهمهم ذلك
ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله فيهم على ما كان سطر في اللوح المحفوظ.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 14 / صفحة [56]
تاريخ النشر : 2024-07-28