النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/النبي ابراهيم عليه السلام/أولاده وأزواجه صلوات الله عليهم وبناء البيت والحج/الإمام الصادق (عليه السلام)
أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، عن ابن
معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن علي
بن منصور، عن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: أمر الله عزوجل إبراهيم عليه السلام أن يحج ويحج بإسماعيل
معه ويسكنه الحرم، قال: فحجا على جمل أحمر ما معهما إلا جبرئيل، فلما بلغا
الحرم قال له جبرئيل عليه السلام: يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم،
فنزلا واغتسلا، وأراهما كيف تهيئا للإحرام ففعلا، ثم أمرهما فأهلا بالحج وأمرهما
بالتلبية الاربع التي لبى بها المرسلون، ثم سار بهما حتى أتى بهما باب الصفا
فنزلا عن البعير وقام جبرئيل بينهما فاستقبل البيت فكبر وكبرا، وحمد الله وحمدا،
ومجد الله ومجدا، وأثنى عليه ففعلا مثل ما فعل، وتقدم جبرئيل وتقدما يثنون على
الله ويمجدونه حتى انتهى بهما إلى موضع الحجر فاستلم جبرئيل
عليه السلام (الحجر خ ل) وأمرهما أن يستلما، وطاف
بهما اسبوعا، ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيم فصلى ركعتين وصليا، ثم أراهما المناسك
وما يعملانه فلما قضيا نسكهما أمر الله عزوجل إبراهيم بالانصراف، وأقام إسماعيل
وحده ما معه أحد غيره، فلما كان من قبل قابل أذن الله عزوجل لإبراهيم في
الحج وبناء الكعبة وكانت العرب تحج إليه وكان ردما إلا أن قواعده معروفة، فلما
صدر الناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة، فلما أن أذن الله عزوجل في
البناء قدم إبراهيم فقال: يا بني قد أمرنا الله عزوجل ببناء الكعبة، فكشفا عنها فإذا
هو حجر واحد أحمر، فأوحى الله عزوجل إليه: ضع بناءها عليه، وأنزل الله عزوجل عليه
أربعة أملاك يجمعون له الحجارة فصار إبراهيم وإسماعيل يضعان الحجارة والملائكة
تناولهما حتى تمت اثنا عشر ذراعا وهيئا له بابا يدخل منه، وبابا يخرج منه،
ووضع عليه عتبة وشريجا من حديد على أبوابه، وكانت الكعبة عريانة، فلما ورد
عليه الناس أتى امرأة من حمير أعجبته جمالها، فسأل الله عزوجل أن يزوجها إياه
وكان لها بعل، فقضى الله عزوجل على بعلها الموت فأقامت بمكة حزنا على بعلها
فأسلى الله عزوجل ذلك عنها وزوجها إسماعيل، وقدم إبراهيم عليه السلام للحج
وكانت امرأة موافقة وخرج إسماعيل إلى الطائف يمتار لأهله
طعاما، فنظرت إلى شيخ شعث فسألها عن حالهم فأخبرته
بحسن حالهم، وسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن حاله، وسألها ممن أنت ؟ فقال:
امرأة من حمير، فسار إبراهيم عليه السلام ولم يلق إسماعيل، وقد كتب إبراهيم كتابا
فقال: ادفعي هذا الكتاب إلى بعلك إذا أتى إن شاء الله، فقدم عليها إسماعيل عليه
السلام فدفعت إليه الكتاب فقرأه وقال: أتدرين من ذلك الشيخ ؟ فقالت: لقد رأيته جميلا
فيه مشابهة منك، قال: ذاك أبي، فقالت يا سوأتاه منه، قال: ولم ؟ نظر إلى شئ
من محاسنك ؟ قالت: لا ولكن خفت أن أكون قد قصرت. وقالت له امرأته وكانت عاقلة: فهلا
نعلق على هذين البابين سترين: سترا من ههنا وسترا من ههنا، قال: نعم فعملا له سترين
طولهما اثنا عشر ذراعا فعلقهما على البابين فأعجبها ذلك فقالت: فهلا أحوك
للكعبة ثيابا ونسترها كلها فإن هذه الاحجار سمجة ؟ فقال لها إسماعيل: بلى، فأسرعت
في ذلك وبعثت إلى قومها بصوف كثير تستغزل بهن، قال أبو عبد الله عليه السلام:
وإنما وقع استغزال النساء بعضهن من بعض لذاك، قال: فأسرعت واستعانت في ذلك، فكلما
فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم وقد بقي وجه من وجوه الكعبة، فقالت لإسماعيل عليه
السلام: كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم ندركه بكسوة فنكسوه خصفا، فجاء الموسم
فجاءته العرب على حال ما كانت تأتيه فنظروا إلى أمر فأعجبهم فقالوا: ينبغي لعامر
هذا البيت أن يهدى إليه، فمن ثم وقع الهدي، فأتى كل فخذ من العرب بشئ تحمله
من ورق ومن أشياء غير ذلك حتى اجتمع شئ كثير فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت،
وعلقوا عليها بابين، وكانت الكعبة ليست بمسقفة، فوضع إسماعيل
عليها أعمدة مثل هذه الاعمدة التي ترون من خشب
فسقفها إسماعيل بالجرائد وسواها بالطين: فجاءت العرب من الحول فدخلوا الكعبة ورأوا
عمارتها فقالوا: ينبغي لعامر هذا البيت أن يزاد، فلما كان من قابل جاءه الهدي فلم
يدر إسماعيل كيف يصنع به، فأوحى الله عزوجل إليه: أن انحره وأطعمه الحاج. قال: وشكا
إسماعيل قلة الماء إلى إبراهيم عليه السلام فأوحى الله عزوجل إلى إبراهيم عليه السلام
أن احتفر بئرا يكون فيها شرب الحاج، فنزل جبرئيل عليه السلام فاحتفر قليبهم
يعني زمزم حتى ظهر ماؤها، ثم قال جبرئيل: انزل يا إبراهيم، فنزل بعد جبرئيل عليه
السلام، فقال: اضرب يا إبراهيم في أربع زوايا البئر وقل: بسم الله، قال: فضرب إبراهيم
عليه السلام في الزاوية التي تلي البيت وقال: بسم الله فانفجرت عينا ثم ضرب
في الاخرى وقال بسم الله فانفجرت عينا، ثم ضرب في الثالثة وقال بسم الله فانفجرت
عينا، ثم ضرب في الرابعة وقال: بسم الله فانفجرت عينا، فقال جبرئيل عليه السلام:
اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة: فخرج إبراهيم عليه السلام وجبرئيل
جميعا من البئر فقال له: افض عليك يا إبراهيم وطف حول البيت فهذه سقيا سقاها
الله ولدك إسماعيل، وسار إبراهيم وشيعه إسماعيل حتى خرج من الحرم، فذهب إبراهيم
ورجع إسماعيل إلى الحرم فرزقه الله من الحميرية ولدا ولم يكن له عقب. قال: وتزوج
إسماعيل عليه السلام من بعدها أربع نسوة فولد له من كل واحدة أربعة غلمان، وقضى
الله على إبراهيم الموت فلم يره إسماعيل ولم يخبر بموته حتى كان أيام الموسم، وتهيأ
إسماعيل عليه السلام لأبيه إبراهيم فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فعزاه بإبراهيم
عليه السلام فقال له: يا إسماعيل لا تقول في موت أبيك ما يسخط الرب، وقال: إنما
كان عبدا دعاه الله فأجابه، وأخبره أنه لاحق بأبيه، وكان لإسماعيل ابن صغير يحبه
وكان هوى إسماعيل فيه فأبى الله عليه ذلك، فقال: يا إسماعيل هو فلان، قال: فلما
قضى الموت على إسماعيل دعا وصيه فقال: يا بني إذا
حضرك الموت فافعل كما فعلت فمن ذلك ليس يموت إمام
إلا أخبره الله إلى من يوصي.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 12 / صفحة [93]
تاريخ النشر : 2024-07-10