التفسير بالمأثور/النبوة/الإمام علي (عليه السلام)
سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن ذي
القرنين أنبيا كان أم ملكا ؟ فقال: لا نبيا ولا
ملكا بل عبدا أحب الله فأحبه، ونصح لله فنصح له، فبعثه إلى قومه فضربوه
على قرنه الايمن فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب،
ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الايسر فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثم
بعثه الله الثالثة فمكن الله له في الارض وفيكم مثله - يعني نفسه فبلغ مغرب الشمس
فوجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما " قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب
وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال " ذو القرنين: " أما من ظلم فسوف نعذبه ثم
يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا " إلى
قوله: " ثم أتبع سببا " أي دليلا " حتى إذا بلغ مطلع الشمس
وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " قال: لم يعلموا صنعة ثياب
" ثم أتبع سببا " أي دليلا "
حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون
قولا * قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الارض فهل نجعل لك خرجا
على أن تجعل بيننا وبينهم سدا " فقال ذو القرنين: " ما مكني فيه ربي خير فأعينوني
بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد " فأمرهم أن يأتوه بالحديد فأتوا
به فوضعه بين الصدفين يعني بين الجبلين حتى سوى بينهما، ثم أمرهم أن يأتوا بالنار
فأتوا بها فنفخوا تحت الحديد حتى صار مثل النار، ثم صب عليه القطر وهو الصفر
حتى سده وهو قوله: " حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا "
إلى قوله: " نقبا " فقال ذو القرنين: " هذا رحمة من ربي فإذا جاء
وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا " قال: إذا
كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السد
وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا وأكلوا الناس وهو قوله: " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج
وهم من كل حدب ينسلون " قال: فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب فكان إذا مر
بقرية زأر فيها كما يزأر الاسد المغضب، فينبعث في القرية ظلمات ورعد وبرق وصواعق يهلك
من ناواه وخالفه، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب، فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: وذلك قول الله عزوجل: " إنا مكنا له في الأرض وآتيناه
من كل شئ سببا " أي دليلا. فقيل له: إن الله في أرضه عينا يقال لها عين الحياة
لا يشرب منها ذو روح إلا لم يمت حتى الصيحة، فدعا ذا القرنين الخضر وكان أفضل أصحابه
عنده ودعا ثلاث مائة وستين رجلا ودفع إلى كل واحد منهم سمكة وقال لهم: اذهبوا
إلى موضع كذا وكذا فإن هناك ثلاث مائة وستين عينا، فليغسل كل واحد منكم سمكته
في عين غير عين صاحبه فذهبوا يغسلون، وقعد الخضر يغسل فانسابت السمكة منه في
العين وبقي الخضر متعجبا مما رأى، وقال في نفسه: ما أقول لذي القرنين ؟ ثم نزع ثيابه
يطلب السمكة فشرب من مائها واغتمس فيه ولم بقدر على السمكة، فرجعوا إلى ذي القرنين
فأمر ذو القرنين بقبض السمك من أصحابه، فلما انتهوا إلى الخضر لم يجدوا معه شيئا
فدعاه وقال له: ما حال السمكة ؟ فأخبره الخبر، فقال
له: فصنعت ماذا ؟ قال: اغتمست فيها فجعلت أغوص
وأطلبها فلم أجدها، قال: فشربت من مائها ؟ قال: نعم، قال: فطلب ذو القرنين العين
فلم يجدها، فقال للخضر: كنت أنت صاحبها.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 12 / صفحة [178]
تاريخ النشر : 2024-05-23