الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
كعب بن جُعيل
المؤلف:
عمر فرّوخ
المصدر:
تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة:
ج1، ص502-506
30-12-2015
6526
هو كعب بن جعيل بن عجرة بن قمير (1) بن ثعلبة بن عوف بن مالك بن بكر بن حبيب بن غنم بن تغلب بن وائل. و كان اسم أمّه ليلى. و أمّا منازل قومه فكانت في ديار ربيعة من الجزيرة الفراتية من أعلى العراق بجهات سنجار و نصيبين.
و لعلّ كعب بن جعيل لم يسلم باكرا، يدلّنا على ذلك أمور منها أن أثر النّصرانية بارز في شعره في الألفاظ و المعاني حتّى قال خليل مردم (2): «و الغريب أن أثر النصرانية في شعر كعب (بن جعيل) التّغلبيّ المسلم أكثر ظهورا منه في شعر الأخطل التغلبي النصراني» . و مما يمكن أن يدلّ على ذلك (على تأخّره في الدخول في الاسلام) قصّته مع يزيد بن معاوية:
في الكامل للمبرّد (ص 101) : «كان يزيد بن معاوية عتب على قوم من الأنصار (3)فأمر كعب بن جعيل التغلبيّ بهجائهم. فقال له كعب: أ أهجو الأنصار؟ أ رادّي أنت إلى الكفر بعد الاسلام؟ و لكنّي أدلّك على غلام من الحيّ نصرانيّ كأنّ لسانه لسان ثور» ، يعني الاخطل.
و لعلّ عداوة الاخطل الشابّ لكعب بن جعيل-و الاخطل ممّن بقوا على النصرانية-دليل آخر على ذلك.
برز كعب بن جعيل في الحياة الاجتماعية و في النزاع السياسي و الأدبي حينما اتّصل بسعيد بن العاص الذي ولاّه عثمان بن عفّان على الكوفة، سنة 30 ه (650-651 م) . و قد ظلّ كعب يفد على سعيد و يمدحه إلى ما بعد سنة 50 هـ (670 م) حينما كان سعيد واليا على المدينة. في تلك الأثناء اتّصل كعب بن جعيل بالضحّاك بن قيس الفهريّ- و كان الضحّاك عاملا (جابيا للضرائب) لمعاوية على الجزيرة، سنة 36 ه. و لمّا وقعت الفتنة بين عليّ و معاوية (4)، في سنة 36 ه أيضا، اختار كعب بن جعيل أن يقف بجانب معاوية فكان يحرّض أهل الشام بشعره على الثأر لعثمان. ثم ان كعب بن جعيل شهد معركة صفّين مع معاوية.
و أسنّ كعب بن جعيل كثيرا حتّى أدرك مبايعة الوليد بن عبد الملك بالخلافة، سنة 86 ه(705 م) .
كعب بن جعيل شاعر مشهور جعله ابن سلاّم رأس الطبقة الثالثة من الشعراء المسلمين (5). و لقد كان كعب في أيامه شاعر معاوية و شاعر أهل الشام و شاعر تغلب. غير أن معظم شعره قد ضاع في زمن متقدّم جدّا، فلم يصل إلينا منه إلاّ أقلّه. و شعره الباقي قليل جزل الألفاظ سليم المبنى واضح المعاني لا تكلّف فيه، و هو قصيد و رجز. أما أغراضه فهي المديح و الرثاء و الهجاء و الغزل، و له وصف بارع للقصور و للطبيعة تظهر فيه خصائص البيئة الفراتية بوضوح. و كان كعب بن جعيل يهاجي الاخطل، و قد وقع بينه و بين النّجاشي الحارثي هجاء (الكامل 187) . و مع أن كعب بن جعيل قد تحوّب من هجاء الانصار، فقد فارق ذلك الخلق الكريم و ذمّ الامام عليا (الكامل 185) .
المختار من شعره:
- قال كعب بن جعيل التغلبي سنة 36 ه، قبيل معركة صفّين، «يحلل الموقف» الذي ساد بين عليّ [عليه السلام] و معاوية ثم بين أهل الشام و أهل العراق:
أرى الشام تكره ملك العراق... و أهل العراق لهم كارهونا
و كلّ لصاحبه مبغض... يرى كلّ ما كان من ذاك دينا (6)
إذا ما رمونا رميناهم... و دنّاهم مثل ما يقرضونا (7)
و قالوا عليّ إمام لنا ... فقلنا رضينا ابن هند رضينا (8)
و قالوا نرى أن تدينوا لنا... فقلنا لهم: لا نرى أن ندينا (9)
و من دون ذلك خرط القتاد... و طعن و ضرب يقرّ العيونا (10)
و كلّ يسرّ بما عنده... يرى غثّ ما في يديه سمينا (11)
و ما في عليّ لمستعتب... مقال سوى ضمّه المحدثينا (12)
و إيثاره اليوم أهل الذّنوب... و رفع القصاص عن القاتلينا (13)
إذا سيل عنه زوى وجهه... و عمّى الجواب على السائلينا (14)
فليس براض و لا ساخط...و لا في النهاة و لا الآمرينا (15)
- لمّا وقعت الحرب في صفّين جعل كعب بن جعيل في إحدى الليالي يرتجز في أمر الحرب بين المسلمين:
أصبحت الأمّة في أمر عجب... و الملك مجموع غدا لمن غلب
أقول قولا صادقا غير كذب...إنّ غدا تهلك أعلام العرب
غدا نلاقي ربّنا فنحتسب...غدا يصيرون رمادا قد ذهب
بعد الجمال و الحياء و الحسب... يا ربّ، لا تشمت بنا و لا تصب
من خلع الأنداد طرّا و الصلب (16)
و لكعب بن جعيل قصيدة يظهر الندم فيها على مهاجاة (الاخطل) التي حملته على شتم تغلب التي هي عشيرته. ثم هو يمر بمديح لمعاوية و اعتذار اليه؛ ثم يذكر أمر أبي موسى الاشعري و عمرو بن العاص لمّا اجتمعا بعد معركة صفّين في أذرح للتحكيم بين معاوية و عليّ.
ندمت على شتم العشيرة بعد ما... مضى و استتبّت للرواة مذاهبه (17)
فأصبحت لا أسطيع ردّا لما مضى... كما لا يردّ الدرّ في الضرع حالبه (18)
معاوي، أنصف تغلب ابنة وائل... من الناس، أودعها و حيّا تضاربه (19)
قليل على باب الامير لباثتي....إذا رابني باب الامير و حاجبه (20)
و لمّا تداروا في تراث محمّد... سمت بابن هند في قريش مضاربه (21)
سعى لابن عفّان ليدرك ثأره... و أولى عباد اللّه بالثأر طالبه (22)
و قد غشيتنا في الزّبير غضاضة... و طلحة إذا قامت عليه نوادبه (23)
فردّ ابن هند ملكه في نصابه... و من غالب الأقدار فاللّه غالبه (24)
و ما لابن هند في لؤيّ بن غالب... نظير، و ان جاشت عليه أقاربه (25)
فهذاك ملك الشام واف سنامه... و هذاك ملك القوم قد جبّ غاربه (26)
يحاول عبد اللّه عمرا، و إنّه... ليضرب في بحر عريض مذاهبه (27)
______________________
1) في بعض المصادر: جعيل بن قمير بن عجرة.
2) محاضرات المجتمع العلمي العربي بدمشق 2:507.
3) الانصار: أهل المدينة (نصروا الرسول و كانوا معه على المشركين) ؛ راجع، فوق، ص 384.
4) راجع، فوق، ص 308.
5) طبقات الشعراء 129.
6) كان رجل من أهل العراق و أهل الشام يرى أن الاحداث السياسية التي جرت بين علي و معاوية جزء من الدين الذي يدين به هو يجب أن يحافظ عليه بالسيف. -في الكامل (ص 185) : و كلا لصاحبه مبغضا.
7) إذا رمونا (إذا هم رشقونا بالنبال، أي حاربونا) حاربناهم و دناهم (اقتضيناهم وفاء الدين، أي أسأنا اليهم و انتقمنا منهم كما كانوا هم يقرضونا، أي يسلفون الينا الاساءة و بمثل ما كانوا يفعلون بنا) .
8) ابن هند: معاوية بن أبي سفيان.
9) دان: خضع، قبل بحكم الآخرين عليه.
10) القتاد: شوك تأكله الجمال، و هو شوك كثيف صعب القلع و القص. خرط القتاد قطع القتاد (كناية عن صعوبة الأمر الذي يحاوله الانسان أحيانا) . يقر العيونا: يرضي أصحابه (يرضينا نحن، إذ سننتصر عليكم) .
11) الغث: الهزيل النحيل، ما كانت مادته خفيفة. (يرى الذي لا قيمة له ذا قيمة كبيرة) .
12) ليس لنا مأخذ (و لا عتب) على علي الا أنه يجمع حوله المحدثين (بكسر الدال: المذنبين، القتلة؛ و بفتح الدال: صغار السن الذين لا خبرة و لا رأي صحيحا لهم و الاصوب كسر الدال) .
13) ايثاره: تفضيله.
14) إذا سيل عنه: إذا سئل عن عثمان بن عفان و قتله. زوى وجهه: أدار وجهه (تجاهلا للإجابة الصريحة على السؤال المحق) . عمى الجواب: جعله غامضا.
15) النهاة جمع ناه: رادع، مانع (الذي ينهى الناس عن الشر) .
16) نلاقي ربنا: نموت. احتسب: عد مصيبته (أو موته) في سبيل اللّه. لا تصب (بسوء، بالموت في القتال) . الانداد: الشركاء الذين يعدهم الوثنيون مع اللّه. الصلب: جمع صليب: شارة الدين المسيحي (يشير كعب بن جعيل إلى انه كان على النصرانية ثم فارقها و اعتنق الاسلام) .
17) ندمت على أنني هجوت قوما من عشيرتي. و لكن لا فائدة من الندم لأن ذلك الشعر خرج من فمي و انتشر في البلاد و حفظه الرواة.
18) الدر: اللبن. الضرع: ثدي الناقة أو البقرة (لا تمكن إعادة اللبن إلى الضرع بعد حلبه منه) .
19) يا معاوية، أنصف تغلب من خصومها أو دعها تنصف نفسها (تأخذ بحق نفسها) من خصومها.
20) اللباثة: اللبث (بضم اللام) ، البقاء، الوقوف بباب (الامير) . -إذا شككت في محبة الامير لي أو إذا رأيت في وجه الحاجب على باب الأمير تغيرا.
21) تداروا في تراث محمد: تظاهروا أنهم يدافعون عن ارث رسول اللّه (عن الدين) . سمت بابن هند: ارتفعت بمعاوية (انتصر معاوية) ؛ مضاربه: أخلاقه (دهاؤه و سياسته) أو معاركه و مقدرته في الحرب.
22) غشيتنا: أظلتنا، أصابتنا، لحقتنا. غضاضة: ذلة، منقصة. الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد اللّه كانا يطالبان بالخلافة بعد عمر بن الخطاب و ينافسان عثمان بن عفان في أيام الشورى. قامت عليه نوادبه: مات.
23) . . . يضع كعب بن جعيل في هذا البيت قاعدة سياسية: أولى الناس بالثأر (هنا: بالحق في الخلافة) الذي يطالب بالثأر، لا الذي يدعي أن الحق كان في الأصل حقه.
24) أعاد ابن هند (معاوية) ملك عثمان إلى نصابه (أهله: البيت الأموي)
25) . . . . في بني لؤي بن غالب: في قريش كلها. جاشت: ثارت. أقاربه (كناية عن آل هاشم الذين يمثلهم في النزاع مع معاوية علي بن أبي طالب؛ و بنو هاشم في الأصل أبناء عم بني أمية) .
26) واف سنامه: تام غير منقوص. قد جب غاربه: قد ذهب سنامه (انتقل الملك من بني هاشم إلى بني أمية. -يشبه الشاعر الملك بجمل. فالجمل الذي له سنام صحيح كبير جمل قوي نشيط؛ و الجمل الذي ذهب سنامه جمل مهزول نحيل مريض) .
27) يحاول عبد اللّه (أبو موسى الاشعري) أن يكون (في الدهاء و المقدرة) مثل عمرو (بن العاص) ، و لكنه لا يستطيع (كمن يسبح في بحر واسع جدا فلا يعرف كف يتجه و لا كيف يمكن أن يصل إلى البر) . القوم: خصوم بني أمية.