الانعكاس السلبي للتعلق بالدنيا على نفسية الإنسان وتصرفاته
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 89 ــ 91
2025-12-13
17
إن الشخص الذي لم يتعلق قلبه بشهوات الدنيا وملذّاتها، ولم يُصبح أسيرا لها، يتمتع بنعم الدنيا وملذاتها في الحدود التي ألزمه بها العقل وجوّزها له الشرع، وفي نفس الوقت تجد أنه قد تخلص من الغم والاهتمام بالدنيا، ويمكن القول بجرأة: إن أصل كل الانزعاج والحزن والاكتئاب الذي يحصل لدى معظم الناس هو حرمانهم أو عدم تمتعهم بالملذات والنعم الدنيوية، ولا تشير البحوث النفسية والمعاينات النفسية لمعظم الناس إلى أن حب الله والآخرة من بين العوامل والأسباب للحزن والاكتئاب، بل الواضح في البحوث أن جميع الانزعاجات والأحزان وحالات الاكتئاب مرتبطة بأمور الدنيا، سواء في ذلك أولئك الذين استمتعوا بملذات الدنيا ونعمها وأولئك المحرومين منهم؛ فإن اهتمامهم بالدنيا وملذاتها استولى على قلوبهم بحيث شغلت عقولهم فلا يستطيعون أن يعودوا إلى أنفسهم، ويُخرجوا أنفسهم من حبائل الدنيا ومزعجاتها.
إن الأشخاص الذين يتمتعون بنعم الدنيا وملذاتها ويعتقدون أنهم حققوا شيئا، لم يلتفتوا إلى أنهم فقدوا في مقابل ما حققوا راحة البال وسكينة الخاطر، وأنهم حملوا أنفسهم كثيرا من المشكلات والمتاعب وأنهم قاموا في كثير من الأحيان بالخيانة من أجل الوصول إليها، والآن لو أنهم قارنوا بين المتاعب والمصاعب التي استجلبوها للوصول إلى الملذات الدنيوية، وبين الملذات التي حققوها بالفعل، سيجدون أنهم دفعوا ثمنا باهظا للوصول إلى تلك الملذات، مع أن قيمة تلك الملذات لا تساوي شيئا أمامها. وعليه، فإن التمتع بالمزيد من الملذات لا يقتصر على أنه لا يزيد من سعادة الإنسان فحسب، بل يقلل منها.
والأوضاع السائدة اليوم في البلدان المتقدمة تؤكد هذا المدعى، ففي عصرنا الحاضر، نجد أنه في البلدان التي تتاح فيها فرص الحياة للناس بنحو أكبر، والتي يتمتع الناس فيها بنعم وملذات أكثر لا يعلم عنها غيرهم، يتم إنتاج أغلب الأدوية النفسية واستهلاكها، ومعظم الأدوية المصنعة هي أدوية نفسية، كما أنها تتمتع بأكثر عدد من الأطباء النفسيين والباحثين النفسيين والعيادات النفسية، ويمتلكون المستشفيات الأكثر تجهيزاً للمرضى النفسيين والآن لو كانت ملذات الدنيا تجعل الإنسان مرتاحا، فلماذا يكون معدل الاكتئاب والأمراض النفسية مرتفعا جدا في بلد تتوفر فيه هذه الفرص الهائلة للحياة وكل هذه المتُع؟ وفي المقابل، يوجد في بلدنا أشخاص لديهم قدرات محدودة، ولكن بما أنهم ليسوا متعلقين بالدنيا، تجدهم يعيشون حياتهم ويتمتعون بالنشاط ويستمتعون ببساطة الحياة، وحب الله يحافظ على مركز قلبهم حارا وطرياً، وتجد أنهم يشكرون الله على النعم التي منحهم إياها حيناً بعد حين.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة