العزلة الاجتماعية
المؤلف:
عيسى محسني
المصدر:
أساليب تعديل سلوك الأبناء رؤية إسلامية
الجزء والصفحة:
ص46ــ50
2025-11-22
4
العزلة، المعنى اللغوي:
العزل والعزلة في اللغة بمعنى تنحية شخص عن أمر كان في محيط جريانه. ولهذا إختلف عن معنى التنحية والابعاد والتجنيب حيث لم يرد فيها هذا القيد(1).
وبهذا اللحاظ جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51].
أي ممن نحيته عن مقام المزاوجة وطلّقته أو تركته.
المعنى الإصطلاحي:
وأما في مصطلح علم الإجتماع فان العزلة تعني الإعراض وعدم مخالطة ومعاشرة الآخرين. والطفل المنعزل هو الذي يقضي أغلب أو كل وقته مع نفسه، دون التعامل أو التواجد مع الناس، ولا يرغب أن يشارك أو يشاركه أحد في نشاطاته وتصرفاته، ويمكن أن يكون هذا الانقطاع في التواصل مع الناس كاملا أو شبه كامل.
وتعتبر الوحدة والعزلة من أهم المشكلات والمعضلات التي يواجهها الأطفال، وهي تدل على وجود خلل جسمي أو نفسي عند الطفل، حيث أثبتت الدراسات الحديثة أنه توجد علاقة بين العزلة والأمراض أو التغيرات الجينية التي تصيب الناس، وأنّ هؤلاء الذين يعانون من العزلة والوحدة يمتلكون جهازا مناعيا ضعيفا، ومن أجل ذلك أكد الإسلام على مبدأ التآلف الإجتماعي ونبذ الوحدة والعزلة قال تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ((خَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ مَأْلَفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَف))(2).
و«ألف» في اللغة العربية تدلّ على انضمام شيء إلى شيء(3)، و«الألفة» من الائتلاف، وهو الالتئام والاجتماع الملازم للأنس والمحبة (4)، وهي ضد الوحدة والوحشة.
فالتآلف الاجتماعي من أهم الأصول الاجتماعية في حياة الإنسان المسلم، لذا، ينبغي تربية الطفل على نحو يأنس فيه مع أبناء مجتمعه، ويشعر بأنه جزء منهم ومنتميا إليهم، ويتواءم معهم، ويحبهم، فيتمنى لهم ما يتمنى لنفسه.
الإنعزال والإنطواء
إن الوحدة والعزلة تتفاوت عند الأفراد بالشدّة والضعف، فتكون ضعيفة عند بعض الأطفال، وهم الذين تنحصر معاشرتهم مع أفراد الأسرة فحسب، دون الغرباء فهم لا يحبون معاشرة الغرباء فإن وجدوا أحدا من أفراد الأسرة أو من الأرحام عاشروه، وإن لم يجدوا تركوا المعاشرة وإنشغلوا بأنفسهم، وذلك نتيجة التصادم الذي حصل لهم جراء معاشرة الأطفال، ذلك ان الطفل يشعر بالإنكسار أمامهم فلا يحب أن يستذكر ما حصل له معهم، فيحاول الإبتعاد وإجتنابهم.
وقد تكون العزلة شديدة عند البعض الآخر من الأطفال، وهي أن ينقطع الطفل عن الآخرين ويقاطعهم بشكل كامل، حتى انه يقاطع أفراد الأسرة ولا تكون له علاقة إلا مع أمه، ويسمى هذا النوع من الأطفال بالإنطوائيين.
الطفل المنعزل والطفل الإنطوائي
ربّما يتصور بعض الآباء أنّ الطفل المنعزل هو الإنطوائي على نفسه ولا يوجد فرق بينهما، ولكن في الواقع أن الطفل المنعزل والطفل الإنطوائي شخصان متمايزان، تختلف خصوصيتهما عن البعض الآخر، فإنّ الطفل الإنطوائي هو الذي يحب الوحدة مع نفسه ويستمتع بها ويفضلها على المشاركة والمعاشرة مع الآخرين وإذا قضى بعض وقته في معاشرة الآخرين فانه سوف يشعر بالتعب والملل ويتمنى أن يعود إلى وحدته، ولكن الطفل المنعزل قد يكون سبب إنعزاله وعدم إختلاطه مع الغير، لا لأنه يحبّ الوحدة بل لأنه خجول، أو يستوحش عند معاشرة الأصدقاء، أو أنه لا يملك الثقة بالنفس ويخشى أن يصدر منه الخطأ فيسخر به الآخرين.
فالطفل المنعزل ربّما يحبّ معاشرة أقرانه والإختلاط بهم ولكن للأسباب التي تقدمت أو غيرها يخشى معاشرتهم.
معالجة الطفل الإنطوائي
أثبتت الدراسات العلمية أن حالة الإنطواء عند بعض الأطفال تعتبر من الطبيعة التي لا يمكن تغييرها وهي إحدى مميزات الطفل الإنطوائي عن الطفل المنعزل حيث أن الطفل المنعزل يمكن تغييره من حالة العزلة التي يعيش فيها إلى فرد إجتماعي، وذلك إذا إستخدمت الطرق المناسبة لمعالجته، وأما الإنطوائي لا يمكن تغييره إذ لم يكن سبب ابتعاده عن الغير، أمور خارجية كالخجل أو عدم الثقة بالنفس أو ... فيمكن إزالتها بل ربما يكون الفرد الإنطوائي قادر على إيجاد علاقات ونشاطات إجتماعية قوية مع أقرانه وأصدقائه إلّا أنّ طبيعته الذاتية لا تتحمل كثرة المعاشرة والإختلاط معهم وإن إستمرار معاشرته مع الأقران قد تؤدي به إلى الملل والتعب.
ثم إن محاولة تغيير سلوك الفرد الإنطوائي من الأخطاء التي يسعى لتحقيقها بعض الآباء وفيها أضرار كثيرة تتوجه الى الطفل كالإضطرابات النفسية وعدم الثقة بالنفس و... وهناك مشاكل أخرى ناتجة من محاولة تغيير طبيعة الطفل الإنطوائي. ويجب أن يعلم الآباء أن حالة الإنطواء، لا تعتبر إختلالا واضطرابا نفسيا فتحتاج إلى معالجة بل هي جزء من الأطباع التي تنمو عليها بعض الأفراد.
______________________
(1) التحقيق في كلمات القرآن: ج8 ص 118.
(2) أمالي الطوسي : ص 642.
(3) مقاييس اللغة: ج 1 ص 131.
(4) مصباح المنير: ج 1 ص 118.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة