أسباب السلوك العدواني عند الأطفال
المؤلف:
عيسى محسني
المصدر:
أساليب تعديل سلوك الأبناء رؤية إسلامية
الجزء والصفحة:
ص34ــ41
2025-11-15
12
من التصرفات السيئة التي يمارسها بعض الأطفال هو السلوك العدواني، ولا يخفى أن ممارسة السلوك العدواني إلى حد ما، يعتبر من الظواهر الطبيعية التي يقوم بها الأطفال، ولكن قد يكون لها دوافع وأسباب فقد يكون سببها الضغوط الجسمية أو النفسية التي يواجهها الأطفال، وقد تنشأ هذه الظاهرة بسبب خلل وإرباكات نفسية تعيش في داخل الأبناء، وقد تكون بدوافع أخرى وسيأتي الكلام عنها مفصلاً.
ولكن ما ينبغي أن نؤكّد عليه هنا هو أنه يجب على الآباء أن يتفهموا الأسباب والدوافع التي تؤدي بأبنائهم إلى ممارسة هذا السلوك، ويتعرفوا على طرق علاجه والتخلّص منه، لأنه إذا لم يُعالج هذا السلوك الخاطئ، فلربما يتحول إلى عادة مألوفة عند الطفل ويصبح جزءا من طبيعته.
أسباب التصرفات العدوانية عند الأطفال
1- عدم الإلتفات إلى الأطفال
من الأسباب المهمة التي تدعو الأبناء إلى ممارسة التصرفات العدوانية والجرأة على الآخرين، هو عدم الإعتناء بهم فإن الأولاد - لاسيما الذين بلغوا السنة الثالثة والرابعة من أعمارهم يسعون الى أن يلفتوا إنتباه من حولهم إلى قدراتهم وطاقاتهم الجسمية والفكرية ومن أجل تحقيق هذه الغاية يقومون بممارسة بعض الأفعال والتصرفات الطريفة والغريبة أمام الآخرين ليلفتوا أنظارهم، ولذا يجب على الوالدين والمربين أن يلتفتوا إلى تصرفات أولادهم، ولا يهملوها أو يغفلوا عنها فإن الطفل إذا افتقد إهتمام الآخرين لاسيما الوالدين بما يقوم به من أفعال وتصرفات طريفة، وهو يراها إنجازات لا يستطيع أن يقوم بها أحد غيره، فسوف ينزعج ويغضب ويقوم بالصراخ والضوضاء والحركات غير اللائقة والقيام بأعمال عدوانية رداً على ذلك الإهمال الذي واجهه من قبل الوالدين أو غيرهما، وبهذا الشكل يحاول أن يلفت إنتباه الآخرين أيضاً.
2- الضرب واستخدام العنف مع الأطفال
من الأساليب المتداولة والشائعة التي يمارسها أغلب الآباء في تربية أولادهم وتهدئتهم واحتواء الأعمال العدوانية التي يقومون بها، هو أسلوب الضرب والشتم وقد إعتاد الكثير من الناس على إستخدام هذا الأسلوب بحيث قال شاعرهم
اضرب وليدكَ تَأديباً على رَشدٍ ولا تَقُلْ هُوَ طِفلٌ غيرُ مُحتلم
فربَّ شــقّ بــرأسٍ جَرْ مَنفعةً وَقس على شِقِّ رأس السهم والقلم
وقال شاعر آخر:
لا تأسفن على الصبيان إن ضربوا فالضرب يفنى ويبقى العلم والأدب
فالضرب ينفعهم، والعلم يرفعهم لولا الإخافة ما خطوا، ولا كتبوا
وقد إستند مؤيّدو هذا الأسلوب على بعض المبررات أهمها
1- إنه شكل من أشكال إدانة تصرّفات الطفل السلبية، وهو يحفّز الطفل على إيقاف بعض التصرّفات وتنشيط بعضها الآخر. فالعقاب وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي، يُقصد به إحداث ألم مقصود مفيد.
2- يساعد الطفل على التمييز بسرعة بين القيم والأنماط السلوكية الجيدة، والأنماط السلوكية غير المقبولة.
- إن الأطفال في المنازل وطلاب المدارس التي لا يُسمح فيها بالضرب، يميلون إلى التسيب والفوضى وعدم الجدية في تعاملهم مع إخوتهم وزملائهم ومعلميهم(1).
في الحقيقة أنّ النتائج التي توصلت إليها الدراسات التربوية تؤكد أن أسلوب الضرب والعنف يعتبر من الأساليب الفاشلة في تربية الأولاد فهو غير قادر على منع الطفل من ممارسة الأعمال العدوانية. بل يزرع الخصومة والكراهية في قلب الطفل، ويدعوه إلى التباغض والتشاجر مع الآخرين، وممارسة الأعمال العدائية معهم، ويدفعه الى التقليد في إستخدام العنف وممارسة الضرب مع الآخرين والإعتداء عليهم. وقد جاء في أحاديث العترة (عليهم السلام) النهي عن ضرب الأولاد، فقد روي أن رجلاً شكى لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) إبناً له فقال له: ((لَا تَضْرِبُهُ وَاهْجُرْهُ وَلَا تُطِل))(2).
وفي الكافي عن يُونُسَ بْنِ رِبَاط عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ((قَالَ رَسُولُ الله ((صلى الله عليه وآله) رَحِمَ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ قَالَ (السائل) قُلْتُ كَيْفَ يُعِينُهُ عَلَى بِرِّهِ قَالَ يَقْبَلُ مَيْسُورَهُ وَيَتَجَاوَزُ عَنْ مَعْسُورِهِ وَلَا يُرْهِقُهُ وَلَا يَخْرَقُ بِهِ فَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَصِيرَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الْكُفْرِ إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ فِي عُقُوقٍ أَوْ قَطِيعَةِ رحم))(3).
ولذلك يجدر بالآباء الذين يستخدمون أسلوب العنف في تربية أولادهم أن يجتنبوا هذا الأسلوب وانتهاج طرق وأنماط أخرى مثل أسلوب الحرمان أو مضاعفة التكليف المدرسي أو ...
3- الشعور بالجوع
إن الشعور بالجوع يعتبر من العوامل الأساسية التي تثير غضب الأفراد لاسيما الأطفال، فلابد من الاهتمام بالنظام الغذائي الذي تعوّد عليه أطفالنا، فلا نلزمهم ببرنامج معين وساعات محدّدة لتناول الطعام كما يلتزم بذلك الكبار، فلا يتناولون الطعام إلا في وجبات ثلاث؛ الفطور، والغداء والعشاء فإن الطفل لا يطيق أن يتحمل الجوع في ما بين هذه الوجبات الثلاث التي تستغرق بين 6 إلى 7 ساعات، وقد أكدت الدراسات الطبية أن الطفل في المراحل المتعددة من عمره يحتاج إلى تناول أكثر من 5 وجبات من الطعام الصحي الذي يحتوي على كل العناصر اللازمة لسد حاجاته المطلوبة، وتشتدّ هذه الحالة عند الطفل الحركي الذي تستفرغ طاقاته وتستهلك قدراته في أسرع وقت، فهو يشعر بالجوع في فترات قصيرة فيجب أن يتناول الطعام كلما أحس بالجوع، وذلك يلزم الوالدين أن يلتفتوا إلى تغذية الأولاد ولا يهملوها لكي لاينتهي الأمر إلى إصابة جسمه بأمراض خطيرة ناتجة من سوء تغذيته وكذا إلى غضبه وصدور الأعمال العدوانية منه. وقد أكدت النصوص الدينية على أهمية الصحة الجسمية للإنسان لاسيما الأطفال.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ((... أَلَا وَإِنَّ مِنَ النَّعَمِ سَعَةَ الْمَالِ وَأَفْضَلَ مِنْ سَعَةِ الْمَالِ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَأَفْضَلَ مِنْ صِحَةِ الْبَدَن ...))(4).
وفي كتاب المحاسن عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ الْأَزْدِيِّ عَنْ خَضِرٍ قَالَ: ((كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ لَهُ يُولَدُ لَنَا الْمَوْلُودُ فَيَكُونُ مِنْهُ الْقِلَّةُ وَالضَّعْفُ فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ السَّوِيقِ فَإِنَّهُ يَشُدُّ الْعَظْمَ وَيُنْبِتُ اللَّحْم))(5).
4- مشاهدة الأفلام والمسلسلات العنيفة
إن مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تحتوي على الأعمال الإجرامية والعنيفة كالضرب والشتم و... لها أثر كبير في تعليم الطفل على ممارسة الأعمال العدوانية، فإنّ كثرة مشاهدة الأفلام العنيفة تخلق روح العنف والقسوة في قلب الطفل وتزيل عنه تلك النعومة واللطافة التي اودعها الله تعالى فيه ولهذا فإن الطفل عندما يشاهد الشخصيات الخيالية أو التمثيلية التي تمثل دور الأنسان الشجاع والمغامر في تلك المسلسلات والأفلام، وهي تقتل وتفتك بالآخرين، وتقوم بأعمال قاسية وخشنة معهم، فانه سوف يتعلم تلك الأعمال العنيفة التي شاهدها، وتصبح عنده ممارسة هذه الأعمال العنيفة أمراً إعتيادياً، وكثيراً ما نرى أنّ الأولاد عندما ينتهي الفلم أو الكارتون مباشرة يعملون تلك الحركات الخشنة والعنيفة التي شاهدوها من ممثلي ذلك الفلم مع إخوتهم في المنزل، ويحكون لهم اللقطات التي قام بها الممثل في الفلم أو المسلسل.
ولابد أن نعلم أن الطفل ليست له شخصية مستقرة وثابتة، بل هو متغير في تصرفاته ويحاول أن يتشبّه ويقلد الآخرين في جميع تصرفاته وأفعاله لاسيما الشخصيات المغامرة والتي تعرف بالبطولة والشجاعة التي يشاهدها في الأفلام أو افلام الكارتون، وهو لا يعلم أن تلك الشخصيات، ليست شخصيات حقيقية وواقعية حتى يصح الإقتداء بها، بل هي شخصيات وهمية تمثيلية تلعب دور الأبطال والشجعان ولكنها في واقع الأمر ليست هكذا.
5ـ شجار الوالدين أمام الأطفال
من العوامل المؤثرة في تعويد الطفل على ممارسة الأعمال العدوانية هو نزاع وصراع الوالدين وتشاجرهم أمام الأطفال، فإنّ الأبوين لهما التأثير الكبير والدور الأساسي في سلوك الطفل، ذلك أن الطفل إذا شاهد المواقف العدوانية أو السباب والشتائم من أحد الأبوين تجاه الآخر في حالات الشجار التي تحصل بينهما، فانه سيتعلم ذلك السلوك العدواني، والكلمات البذيئة التي سمعها من أبويه، ويقوم بإستخدامها عندما يصطدم مع الأخرين ولذلك يجب على الآباء عندما يغضبوا وينزعجوا في حالات حصول الإحتكاك وأن يتعاملا مع المشكلة بعقلانية ويحاول كل منهما أن يعالج المشكلة بعقلانية حتى يتعلم أطفالنا منا كيف يتعاملوا مع المشاكل التي تحصل بينهم وبين غيرهم وإذا حصل هناك إصطدام بين الأبوين فليكن بعيداً عن أنظار الأطفال. فحتى لو كان سلوك الوالدين سيئاً، فانه ينبغي عليهما أن لا يُظهراه أمام الطفل في المنزل، بل يكون بعيداً عن أنظاره لأن الطفل سيُقلّد أبويه ويُحاكيهما في سلوكه اليومي، وعندها يجد مبرراً له في ذلك خصوصاً أن الطفل إضافة إلى قدرة المحاكاة والتقليد في حد نفسها، لديه تعلق شديد وارتباط قوي بوالديه، ممّا يزيد من نسبة الاقتداء السلوكي بهما.
6- التعب وإرهاق الطفل
يعتبر عامل التعب والإرهاق من العوامل التي تهيج القوة الغضبية لدى الأطفال، ويسبب التصرفات العدوانية لديه وهو قد يكون بسبب كثرة الحركات والنشاطات الجسدية التي قام بها الطفل.
وقد يكون التعب بسبب السكون وعدم الحركة والنشاط المطلوب فإنّ الكثير من الأطفال في عصرنا هذا لاسيما في زمن تفشي مرض كورونا وبعدما تحول النظام الدراسي الفعّال والذي كان يفرض على الطلاب الحضور في المدارس إلي نظام دراسي إلكتروني خامد وغير فعال، يلزم الطفل بالركود والخمول، وقد أدخل الملل والكآبة في نفوس الأطفال، فهم يشعرون بالتعب والملل بسبب السكون المستمر في المنزل، وهذا ما يهيج غضب الطفل ويؤدي به إلى القيام بالأعمال والتصرفات العدوانية.
_____________________
(1) جامعة حلب، العقاب وعلاقته بالتحصيل الدراسي: ص8.
(2) عدة الداعي ونجاح الساعي: ص89.
(3) الكافي: ج 6 ص50.
(4) تحف العقول: ص203.
(5) المحاسن: ج 2 ص 488.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة