مستقبل الثروة الحيوانية في الوطن العربي ووسائل النهوض بها
المؤلف:
د. كاظم عبادي حمادي
المصدر:
الثروة الحيوانية في الوطن العربي
الجزء والصفحة:
ص 250 ـ 258
2025-11-22
16
ان أفضل مقياس شائع يتم الاستشهاد به لقياس أهمية اي قطاع اقتصادي هو حجم مساهمته في اجمالي الناتج القومي، ومن هذا المنظور تكشف الحسابات القومية الرسمية في معظم الدول العربية عن اهمية المساهمة الكبيرة التي دفعت بها الثروة الحيوانية في الاقتصاد القومي، ويشتمل اجمالي الناتج القومي للقطاع الزراعي ومنه مساهمة نشاط الثروة الحيوانية والسمكية نجد ان الثروة الحيوانية وحتى وقت قريب كانت تسهم على الدوام بأكثر من 60% من القيمة المقدرة والمضافة للقطاع الزراعي ولكن تراجعت في الوقت الاخير وذلك لأسباب سوف نذكرها فيما بعد ويرجع تقدم الدول العربية ورقيها إلى مواردها الاقتصادية التي تمثل عنصراً حيوياً في كل ما يتصل بمشروعات التنمية والتخطيط لهذه الدول.
فالوطن العربي غنى بموارده الاقتصادية المختلفة ومنها الثروة الحيوانية حيث أدى اختلاف المناخ والنبات الطبيعي والتربة والموارد المائية بالإضافة الى مشاركة الظروف البشرية ، فلعبت دوراً هاما في تنوع ثرواته ، فالثروة الحيوانية لها مستقبل كبير في الوطن العربي وذلك للميزات الكثيرة ومن أهمها:-
أ - انتشار المراعي الطبيعية في الوطن العربي والتي تقدر مساحتها 20% من المساحة الكلية ، وهي ثروة طبيعية لها قيمة اقتصادية مقارنة بالموارد الطبيعية الاخرى.
ب ـ تمثل مورداً هاماً من موارد الدخل القومي لكثير من الدول العربية وبالنظر لزيادة اعداد السكان بنسبة نمو اكبر من نسبة نمو الثروة الحيوانية وزيادة الطلب المحلي على منتجاتها فهي لا تكفى في سد حاجة السكان وذلك لتأثرها بمجموع من الاسباب الآتية: -
1- تذبذب سقوط الأمطار من عام إلى آخر يؤثر على نمو النبات.
2- انتشار الحشرات والأوبئة مثل ذبابة TCTC
3- عدم توافر الرعاية البيطرية الكافية.
4- عدم توافر الأعلاف في الدول التي لا يوجد بها مراعي.
5- عدم التخصص في التربية حيث لا تخصص حيوانات لإنتاج للحوم وأخرى للأصواف وثالثة للألبان فإنتاجها عام مما فقد التخصصية الإنتاجية.
6- اعتماد كثير من المزارعين على حيواناته في أعمال الحقل مما يجعلها هزيلة وضعيفة.
7- عدم وجود السلالات الممتازة والاقتصار على السلالات المحلية ذات الإنتاجية القليلة فإذا أمكن استغلال المراعي الطبيعية والاستثمار الجيد لها يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي أو التصدير اذا كان فائضاً عن الحاجة المحلية في بعض الدول العربية ويعد إنتاج اللحوم الحمراء ولحوم الدواجن والأسماك في الوطن العربي وتوزيعها الجغرافي، من حيث الكمية والنوعية ونسب الاكتفاء الذاتي منها ونظم إنتاجها في هذه الدول العربية، ودراسة أهم العوامل المؤثرة على استهلاكها ، ودراسة معوقات تنمية إنتاجها من اهم الأمور التي تكشف مستقبل الثروة الحيوانية في الوطن العربي ووسائل النهوض بها.
ومن خلال دراسة أسباب ارتفاع أسعارها ، وتدنى كمية الإنتاج المحلي منها ، الأمر الذي خلق فجوة غذائية في توفيرها للسكان لكثير من منتجاتها الغذائية والداخلة في الصناعة وخاصة صناعات الاسمدة ومود التجميل والادوية الطبية وغيرها من المساهمات بصورة مباشرة واخرى غير مباشرة ، وهذا الامر ادى الى ارتفاع الطلب عليها وانخفاض المعروض منها ، والاعتماد على الاستيراد من الخارج ، سواء من جهات معلومة أو غير معلومة واحياناً لا تتفق مع التقاليد الاسلامية والاجتماعية ، ولسد الفجوة بين العرض والطلب خاصة في وقت الأزمات ولا سيما المواسم الدينية والاجتماعية التي يرتفع فيها الطلب على هذا المنتج .
اما الثروة السمكية فان الوطن العربي يمتلك سواحل بحرية طويلة وكثرة بحيراته ذات المياه العذبة والمالحة والانهار الطويلة والكثيرة والتي تصلح جميعها لتربية الأسماك ورغم ذلك لا يزيد إنتاجه عن 1% من الإنتاج العالمي ويصل متوسط نصيب الفرد من لحوم الاسماك حوالي 10كغم في السنة وهذا قليل مقارنة بالمتوسط العالمي وذلك للأسباب الآتية :-
1- قلة الموانئ في بعض الدول على الرغم من وقوع اغلب الدول العربية على سواحل بحرية طويلة.
2 - جهل الصيادين بأماكن تجمع الأسماك واستخدامهم الأساليب البدائية في عملية الصيد.
3- اتجاه كثير من سكان السواحل العربية إلى ممارسة حرفة استخراج النفط والصناعة.
4- استخدام السفن صغيرة الحجم والتي لا يمكنها التعمق في البحار في عمليات الصيد.
5- قلة استخدام المستلزمات الحديثة في حفظ الاسماك وعملية نقلها من مكان الى آخر.
كل هذه العمليات ادت الى تخلف حرفة الصيد في الوطن العربي ، لذلك فان مستقبل الثروة السمكية يبقى مرهوناً في تطور أساليب الصيد وحفظ الاسماك ، وبالتالي تكون لها اهمية اقتصادية اذا ما تم تقنية الصيد للنهوض بهذا النشاط الاقتصادي الذي يرفد الدخل القومي لكثير من دول الوطن العربي وبالأخص دول المغرب العربي ومصر ودول الخليج العربي واليمن لوقوعها على سواحل بحرية ومحيطية طويلة ومفتوحة على السواحل العالمية ولتطويرالثروة الحيوانية عامة في الوطن العربي يجب على الحكومات العربية العمل على مشاركة المنتجات الحيوانية الحية منها وغير الحية في هيكلية حركة التجارة العربية البيئية دون اللجوء الى الاعتماد الكلي على المستوردات الأجنبية وخاصة من دول القارة الآسيوية والاوربية والامريكية واستراليا ، وانما التأكيد على الاستيرادات العربية بالدرجة الرئيسة ، ولتطبيق هذا المشروع يجب اتخاذ بعض الأمور المهمة ومن اهمها:-
1- العمل على زيادة اعداد الثروات الحيوانية والدواجن والاسماك بحيث تغطي الحاجة المحلية من خلال الاهتمام بهذا النشاط وتطبيق الاساليب العلمية في التربية التي تهدف إلى رفع كمية المنتج المحلي ، فعلى سبيل المثال زيادة وزن الذبيحة المعدة للتصدير من الماشية والدواجن والاسماك ، وتأتي هذه عن طريق استخدام الاساليب العلمية في اختيار انواع العلائق المقدمة للثروة الحيوانية ، الأمر الذي يؤدي الى ارتفاع وزنها، فقد كان متوسط وزن الذبيحة الابقار على سبيل المثال في كثير من دول الوطن العربي يصل الى (175) كغم في عام 2000 ، ارتفع الى وزن يتراوح بين (110 - 383) كغم في بعض الدول العربية للمدة بين عامي 2007 2011 ، وارتفع الى وزن قدره يتراوح بين (113 - 400) كغم خلال عام 2014 وهذا معناه ان الثروة الحيوانية في تطور نحو الاحسن وقدرتها على تلبية متطلبات السكان اذا ما تم الاهتمام بهذا النشاط الحيواني في المستقبل وقدرة الدول العربية على الاكتفاء الذاتي من هذه المنتجات على الرغم من زيادة عدد السكان أو على الأقل تقليل نسب المستورد من هذه المنتجات الحيوانية.
2 ـ مواجهة زيادة الطلب على السلع الغذائية من المنتجات الحيوانية ومن اهمها اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض من خلال الموازنة بين الطلب والعرض.
والذي يزداد احياناً في بعض الاوقات كالمناسبات الدينية والاجتماعية والذي يأتي من خلال بعض العوامل ومن أهمها :-
أ ـ ازدياد عدد سكان الوطن العربي خلا المدة الاخيرة حيث بلغ في عام 2000 حوالي ( 250 ) مليون نسمة ، فقد ارتفع الى (391) مليون نسمة عام 2014 ، وهذه الزيادة بلغت 56.4% اي اكثر من نصف السكان خلال مدة لا تتجاوز (14) عام.
ب ـ ارتفاع القدرة الشرائية للمواطن العربي في كثير من الدول العربية وخاصة الدول النفطية مثل دول الخليج العربي والعراق والجزائر ، فبلغ المتوسط العام للفرد العربي من الناتج المحلي والإجمالي لعام 2014 حوالي 7150 دولار امريكي ويرتفع الى 94.07 الف دولار في قطر والى 31 الف دولار في السعودية.
ج- تغير التركيب السلعي الاستهلاكي للمواطن العربي خلال الفترة الاخيرة وذلك للتطور الذي مرت به كثير من الدول العربية وتحسن الوضع الصحي والثقافي لذا تغير نمط الاستهلاك الغذائي فتحول من الاستهلاك النباتي الى الاستهلاك الحيواني ، حيث بدأت المنتجات الحيوانية من اللحوم بنوعيها الحمراء والبيضاء في مقدمة الاحتياجات الغذائية على مائدة الغذاء العربي وكذلك الالبان والأجبان بأنواعها المختلفة البيضاء والصفراء المطبوخة منها والطازجة والعسل والمربيات والبيض، بالإضافة الى تنوع الأكلات المقدمة الى المواطن في المطاعم العربية وغيرها من التطورات في مجال التغذية.
3 ـ من خلال ملاحظة قائمة الميزان التجاري للمنتجات الحيوانية بان العجز واضح فيها ويعود ذلك لكثرة استيراد هذه المنتجات من خارج الدول العربية وخاصة استيراد منتجات اللحوم الحمراء حيث تكون قيمة استيراداتها كبيرة جداً من اجل سد الحاجة المحلية لطلبات السكان منها مما ادى الى جعل الميزان التجاري سلبياً في قائمة المواد الغذائية، أي أن جميع الدول العربية مستهلكة لهذه المواد اكثر مما هي منتجة لها ، وبذلك تكون هذه الحالة احياناً ورقة ضغط سياسية على الدول العربية في حالة وقوع حرب ، ووقوعها مع اية دولة عربية من تلك الدول المصدرة لنا لهذه المواد الغذائية مثل تركيا ، لذا تحتاج من الحكومات العربية وهذه نادرة الحدوث بينها وقفة اقتصادية وتكامل اقتصادي موحد وسوق عربية مشتركة من أجل توفير مثل هذه المتطلبات الغذائية للسكان في الوطن العربي دون استيراداتها من الخارج وبأسعار مناسبة ورخيصة بعيدة عن الاحتكار العالمي للمواد الغذائية ، ويتم ذلك بفتح أو حرية حركة البضائع والسلع الغذائية بين الحدود السياسية العربية وبرسوم كمركية رمزية للحفاظ على المنتجات العربية في داخل الحدود العربية.
وعلى الرغم من ذلك فقد اتجهت بعض الحكومات العربية للحد من ظاهرة قلة المعروض من السلع الغذائية في اسواقها المحلية من خلال فتح باب الاستيراد للبضائع الاجنبية واغراق كثير من الاسواق العربية بها ، وذلك لقلة اسعارها مقارنة بالأسعار المحلية للسلع الوطنية ومنها المنتجات الحيوانية كما فعلت بعض الدول العربية مثل العراق مصر بالدرجة الرئيسة ، والتي اعتمدت على مواجهة نقص المعروض من الإنتاج المحلي من لحوم الماشية والدواجن واستيراد اللحوم الاجنبية ، اما العراق فقد فتحت التجارة الدولية للبضائع الاجنبية على مصراعيها بعد احداث عام 2003 واصبحت الاسواق العراقية ساحة مفتوحة لجميع المواد الغذائية وغير الغذائية ويحدد السعر فيها حسب اختلاف منشأ التجارة الخارجية لها ، ومن الطبيعي جميع السلع المعروضة بأسعار اقل من السلع المحلية ، وعلى الرغم من ذلك يمكننا القول بان نوعية المنتج المحلي من المواد الغذائية افضل بكثير من نوعية المنتجات المستوردة وخاصة منتجات اللحوم الحمراء والدواجن الاسماك ، ولذلك يفضل كثير من المستهلكين العراقيين وخاصة ذوات الدخول المرتفعة السلعة المحلية على المستوردة لطعمها المقبول وهي طازجة على الرغم من ارتفاع اسعارها في السوق المحلية كما اوضحنا مسبقاً.
وبالإضافة الى النقاط اعلاه فان القطاع الحيواني في معظم الدول العربية يواجه مشكلات ومعوقات كثيرة تحول من تطوره فكثير منها داخلية والبعض من خارج الحدود السياسية له وخاصة من الدول المجاورة للوطن العربي والتي لها مارب اقتصادية وسياسية تجعل من دول الوطن العربي كيانات سياسية تابعة لها ومنفذة في نفس الوقت لكثير من مطامعها السياسية ، وقد ادى الامر الى ان بعض الحكومات العربية تقيد وتعرقل حدوث التطور الاقتصادي لقطاع الثروة الحيوانية وتعرقل وسائل النهوض بها وتعمل على ابقاء بعض منه على حالتها المتخلفة وغير القادرة على سد الاحتياجات المحلية لمنتجاتها الحيوانية والبعض يعمل على فتح باب الاستيراد بدلاً من المنتج المحلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عماد عبد العليم عبد اللطيف اقتصاديات اسواق اللحوم الحمراء في مصر – رسالة ماجستير مقدمة الى قسم الاقتصاد ، كلية التجارة جامعة عين شمس - 2014.
(2) الكتاب السنوي للإحصاءات الزراعية العربية - مجلد (35) - المنظمة العربية للتنمية الزراعية الخرطوم ، 2015 - ص 96.
الاكثر قراءة في جغرافية الحيوان
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة