ردّ الرواية لمنافاتها الاعتقاد بالنبوّة (المثال الرابع)
المؤلف:
السيد علي حسن مطر الهاشمي
المصدر:
منهج نقد المتن في تصحيح الروايات وتضعيفها
الجزء والصفحة:
ص 34 ــ 37
2025-10-21
31
رابعًا: الروايات التي تمس كرامة الأنبياء (عليهم السلام) وهيبتهم وتضعهم في مواقف تبعث على السخرية والاستهانة. ومن ذلك: الرواية التي تصوّر فرار الحجر بثياب موسى (عليه السلام) ليركض خلفه عاريًا وفد فعل الله به ذلك ليثبت لبني اسرائيل أنّ موسى (عليه السلام) لم يكن آدر (ذا فتق).
ونصّ الرواية: عن أبي هريرة: كان بنو اسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم الى سوأة بعض وكان موسى يغتسل وحده فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلّا أنّه آدر قال: فذهب مرّة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففرّ الحجر بثوبه فجمح موسى بأثره يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتّى نظر بنو إسرائيل الى سوأة موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس فقام الحجر بعد حتّى نُظر اليه فأخذ موسى ثوبه فطفق بالحجر ضربًا! فوالله إنّ بالحجر ندبًا ستّة أو سبعة! (1).
ومن أمارات وضع هذه الرواية: ما فيها من المحال الممتنع عقلاً فإنّه لا يجوز تشهير كليم الله (عليه السلام) بإبداء سوأته على رؤوس الأشهاد من قومه؛ لأنّ ذلك ينقصه ويسقط من مقامه ولا سيما إذا رأوه يشتد عاريا ينادي الحجر وهو لا يسمع ولا يبصر ثوبي حجر ثوبي حجر.
وهذه الحركة لو صحّت فإنّما هي من فعل الله تعالى فكيف يغضب منها كليم الله ويعاقب الحجر عليها ثم إنّ هربه بثياب موسى (عليه السلام) لا يبيح له إبداء عورته وهتك نفسه بذلك وقد كان بإمكانه أن يبقى في مكانه حتّى يؤتى بثيابه أو بساتر غيرها كما يفعله كلّ ذي لب ابتلي بمثل هذه القصة. وأمّا براءته من الأدرة فليست من الامور التي يباح في سبيلها هتكه وتشهيره ولا هي من المهمّات التي تصدر بسببها الآيات اذ يمكن العلم ببراءته منها بسبب اطّلاع نسائه عليه وإخبارهنّ بحقيقة حاله.
ولو فرض ابتلاؤه بالأدرة فأيّ بأس عليه بذلك؟!َ وقد أصيب شعيب (عليه السلام) ببصره وأيوب (عليه السلام) بجسمه ولا يجب انتفاء هذه العوارض عن أنبياء الله ورسله (عليهم السلام).
وإنّي لأعجب من الشيخين يخرجان هذا الحديث والذي قبله في فضائل موسى (عليه السلام)! وما أدري أيّ فضيلة، وأيّ منقبة العورة للناظرين، وأيّ وزن لهذه السخافات؟!" (2).
ولم يكتفِ الوضّاعون بنسبة العري إلى نبي الله موسى (عليه السلام) حتّى ألحقوا به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وافتروا على ساحته المقدّسة الفريّة نفسها إذ رووا عن جابر بن عبد الله قال: لمّا بنيت الكعبة ذهب النبي (صلى الله عليه وآله) وعبّاس ينقلان حجارة فقال عباس للنبي (صلى الله عليه وآله): اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة ففعل فخرّ إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثمّ قام فقال: إزاري إزاري فشدّ عليه إزاره (3).
ووردت هذه الرواية أيضًا من طريق آخر عن جابر بن عبد الله مختومة بقوله: (فما رؤي بعد ذلك عريانًا) (4).
والغريب أنّ مسلمًا نفسه روى بعد هذه الرواية مباشرة عن المسور بن مخرمة قال: أقبلت بحجر ثقيل وعليّ إزار خفيف قال: فانحلّ إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتّى بلغت به إلى موضعه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ارجع الى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة" (5).
ومعه كيف يعقل أن يستجيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكلام عمّه ويكشف عن عورته للناظرين؟ وجدير بالذكر أنّ هذه الرواية المفتراة معارضة بروايات أخرى تلائم عصمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومقامه السامي منها:
ـ ما روي عن عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) المطّلعة على أموره الشخصيّة في هذا الشأن خاصّة فقد قالت: ما نظرت أو ما رأيت – فرج رسول الله قطّ (6).
ـ ما ذكره الدياربكريّ في تاريخه: (وقد عُدَّ من خصائصه (صلى الله عليه وآله) أنّه لم تُرَ عورته قطّ ولو رآها أحد لطمست عيناه) (7).
___________________
(1) صحيح البخاري، الحديث 278؛ صحيح مسلم، الحديث 657؛ مسند أحمد 2/315.
(2) أبو هريرة، شرف الدين، ص 73 -75.
(3) صحيح البخاري، الحديث 3829؛ صحيح مسلم، الحديث 658.
(4) صحيح مسلم، الحديث 659.
(5) صحيح مسلم، الحديث 660.
(6) سنن ابن ماجة، الحديث 1922.
(7) تاريخ الخميس، 1/ 214.
الاكثر قراءة في مقالات متفرقة في علم الحديث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة