تعليل المصنف على لزوم اتصاف النبي بالأكمل من الصفات والجواب عليه
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1، ص 261 - 263
2025-09-06
172
[قال المصنف]: ونعتقد أن النبي كما يجب أن يكون معصوما، يجب أن يكون متصفا بأكمل الصفات الخلقية والعقلية وأفضلها، من نحو الشجاعة والسياسة والتدبير والصبر والفطنة والذكاء، حتى لا يدانيه بشر سواه فيها؛ لأنه لو لا ذلك لما صح أن تكون له الرئاسة العامة على جميع الخلق، ولا قوة ادارة العالم كله (أ).
___________________
(أ) لا يخفى عليك أن الدليل المذكور وإن كان صحيحا متينا ، ولكنه أخص من المدعى فإن ما يلزم للرئاسة العامة ولا ادارة العالم ، بعض الصفات لا جميعها ، كالأكملية في الزهد والانقياد والعبودية.
هذا مضافا إلى أن الغاية من إرسال الرسل والأنبياء لا تنحصر في الرئاسة العامة وإدارة العالم ، بل الغرض الأقصى هو هداية الإنسان نحو الكمال ، وإرشادهم إلى سعادتهم في الدارين ، والحكومة والرئاسة العامة ، ليست من الأهداف النهائية وإن كانت من الأهداف المتوسطة وشأنا من شئون الإمامة ، فالمناسب هو التعليل به كما سيأتي تقريبه إن شاء الله تعالى على أن كل نبي لا يكون مبعوثا للرئاسة العامة وإدارة العالم ، إذ الأنبياء على درجات مختلفة.
فالدليل لا يثبت الاتصاف بالصفات المذكورة في جميعهم. فالأولى في مقام الاستدلال أن يقال : إن الغرض من بعث النبي ، حيث كان استكمال نفوس من بعث إليه ، فاللازم هو أن يكون في الصفات أفضل من المبعوث إليهم ، حتى يتمكن له أن يهديهم ويستكملهم ، فإن كان مبعوثا إلى قوم خاص فاللازم هو أن يكون هو الأفضل منهم في جميع الصفات الخلقية والعقلية ، وإن كان مبعوثا إلى العالمين في عصر ، فاللازم أن يكون أفضل منهم في ذلك الزمان ، وإن كان مبعوثا إلى العالمين إلى يوم القيامة ، فاللازم هو أن يكون أفضل من جميعهم حتى يتمكن من أن يهديهم ويستكملهم.
وذلك واضح إذ لو كان في المبعوث إليه ، من هو أفضل منه ، أو كان مساويا معه ، لما اهتدوا بهدايته وإرشاده ، ولم يصلوا إلى كمالهم ، مع أن الغرض هو هداية جميع الناس وتزكيتهم وتربيتهم وإكمالهم ، ونقض الغرض كما يكون في الكل قبيحا ، يكون كذلك بالنسبة إلى بعض النفوس.
إذ جميع النفوس مستعدة للاستكمال ، فاللازم هو بعث النبي الذي فاق الآخرين في الصفات المذكورة حتى يتمكن من هدايتهم وتربيتهم في أي درجة ومرتبة كانوا. ولقد أفاد وأجاد في توضيح المراد حيث قال : «اعلم أن الانسان من حيث الكمال لا يقف على حد ، بل في كل حد منه كان له إمكان أن يجوز إلى حد بعده ، إن اجتمعت الشرائط ، فمقتضى لطفه وجوده تعالى أن يكون بين الناس من يتيسر له تزكية الناس ، وتكميل كل أحد وترقيته من أي حد إلى ما فوقه ، بتقريب الشرائط ، وهو النبي أو مثله ممن يقوم مقامه ، فلا بد أن يكون هو في حد كامل بحيث يتيسر منه ذلك في جميع المراتب ، وتنقاد الامة للتعلم عنده والخضوع لديه» (1) ولعل من اقتصر على أصل الصفات لا الأكملية زعم أن النبي مخبر عن الله تعالى ، ولم يلتفت إلى أن التزكية والتربية أيضا من شئونه ، فيجب أن يكون في الصفات أعلى مرتبة.
وقد يستدل على اتصاف النبي بأفضل الصفات الخلقية والعقلية ، بأنه يجب أن يكون أفضل أهل زمانه ، لقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلا وسمعا. قال الله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (2).
ثم لا يخفى عليك أن من اشترط اتصاف الأنبياء بكمال العقل والذكاء والفطنة ولم يشترط الأكملية فيها ، استدل له بأنه لولاه لكان منفرا ، كما قال العلّامة الحلي ـ قدس سره ـ في شرح تجريد الاعتقاد : «ويجب أن يكون النبي في غاية الذكاء والفطنة وقوة الرأي ، بحيث لا يكون ضعيف الرأي ، مترددا في، مترددا في الامور متحيرا ، لأن ذلك من أعظم المنفرات عنه» (3) ووجهه واضح ، إذ عدم الاتصاف بالمذكورات من المنفرات. هذا بخلاف ما إذا اعتبرنا الأكملية فيها ، فإن عدم الأكملية لا يكون من المنفرات إذا كان متصفا بالكمال فيها، فالدليل على لزوم اتصافهم بالأكمل من الصفات هو الذي ذكرناه.
____________
(1) توضيح المراد : ج 2 ص 650.
(2) يونس : 35 راجع أيضا شرح الباب الحادي عشر ص 38 الطبعة الحديثة في طهران ، اللوامع الإلهية ص 211.
(3) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : ص 349 الطبعة الحديثة.
الاكثر قراءة في صفات النبي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة